وازدادت الأمور سخونة، مع توقيع أكثر من 3مليون بريطاني بالمملكة المتحدة، علي عريضة تطالب بإعادة الاستفتاء، وهو الأمر الذي يمكنه أن يجبر البرلمان علي مناقشته لأن عدد من وقعوا علي العريضة يفوق رقم المائة ألف شخص اللازمين كحد أدني لمناقشة مثل تلك الأمور، والعريضة التي تم نشرها علي موقع البرلمان البريطاني ويزداد عدد موقعيها يوما بعد يوم، تدعو الحكومة البريطانية لإجراء استفتاء ثان علي عضوية الاتحاد الأوروبي، خاصة إذا جاءت نتيجة الاستفتاء الأول أقل من 60% ونسبة إقبال علي التصويت تقل عن75%وهذا ماحدث بالفعل فقد جاءت نسبة الاستفتاء الأول نحو 52% فقط وبنسبة إقبال بلغت نحو 72%. ولكن لماذ كل هذه الضجة حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟، سؤال شغل العالم كله وأجابت عليه صحيفة االجارديانب البريطانية، فقبل الخوض في تداعيات الخروج، لا بد أن نعرف أن بريطانيا بلد أو إمبراطورية، كما يحلو للبعض أن يطلق عليها شعب متعدد الثقافات، وكانت هي القوة المهيمنة علي العالم بقوتها البحرية والصناعية طوال القرن التاسع عشر وبعض من القرن العشرين، حتي غابت عنها الشمس مع توالي خروج المستعمرات التي كانت تحتلها من سيطرتها، وبروز قوي عظمي جديدة كالاتحاد السوفيتي وأمريكا وبالطبع أوروبا والصين، وهي تضم انجلترا وويلز واسكتلندا وإيرلندا الشمالية وجبل طارق وبعض المستعمرات المتناثرة حول العالم هنا وهناك وبعض دول الاتحاد البريطاني، الكومنولث، التي مازالت تدين بالولاء ولو نظريا لبريطانيا. وهي دولة عظمي غنية بالموارد الطبيعية، وتعد ثالث أقوي اقتصاد في أوروبا بعد فرنسا وألمانيا، وكانت قبل خروجها من الاتحاد الأوروبي، تحوز نحو 16% من مواد الاتحاد البالغة سنويا نحو 13تريليون يورو، وسكانها الذين يبلغون ال60مليونا، ونظامها الملكي الراسخ وحكومتها الديمقراطية التي يشهد لها العالم كله، تعد أيضا أقوي دولة تسليحا في أوروبا كلها، والدولة الأولي عسكريا في حلف شمال الأطلنطي، الناتو، الذي لن يتأثر مطلقا بخروجها من الاتحاد. من هنا، كانت الأهمية وكانت ردود الأفعال بعد الخروج، ففي بريطانيا ذاتها، تعالت أصوات المؤيدين للخروج وعلي رأسهم حزب الاستقلال الذي طالب بحكومة خروج من الاتحاد الأوروبي، وجعل يوم 26يونيو يوم الاستفتاء، يوما لاستقلال بريطانيا كلها وعودة للنعرة القومية البريطانية، التي كانت تفضل العزلة عن أوروبا والعالم قديمًا، والنهوض ببريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أبداً. أما كاميرون رئيس الوزراء الذي وضع كل آماله ومستقبله السياسي علي المحك، فقد آثر الاستقالة انتظارا لأكتوبر القادم بعد أن يتم اختيار رئيس جديد لحزب المحافظين الذي سيخلفه وبالأغلب سيكون عمدة العاصمة لندن السابق يوريس جونسون، الذي كان من أشد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد، عكس لندن التي اختارت أن توقِّع علي عريضة تطالب بعودة بريطانيا لأحضان أوروبا وإلا الاستقلال عنها؟ وهي العريضة التي وقّعها نحو مائة ألف من اللندنيين. ليس هذا فقط، كما تقول صحيفة »التايمز» البريطانية، فهناك دعوات قوية الآن داخل بريطانيا بطرد المهاجرين الذين يبلغ عددهم نحو 8.5 مليون شخص بعضهم وُلِد في بريطانيا وكانوا أحد الأسباب الأساسية للخروج من أوروبا بأغلبية 52% تقريبا من نحو 46.5مليون ناخب بريطاني ذهبوا للاستفتاء، وهناك دعوات موازية لذلك في اسكتلندا وإيرلندا الشمالية ولكن بالعودة عن قرار الخروج والبقاء في أوروبا الموحدة وإلا تجديد المطالب بالاستقلال عن بريطانيا الأم، وهناك إضافة لذلك مطالب إسبانية بعودة السيادة المشتركة لها مع بريطانيا علي جبل طارق، لضمان تواجدها داخل الاتحاد الأوروبي، والتمتع بمزايا التجارة الحرة داخله. الموقف معقد جدا، هكذا قالت صحيفة »نيويوريك تايمز» الأمريكية، فإضافة لذلك عاني الجنيه الإسترليني ما لم يعانِه منذ 31عاما منذ بدء خطة تعويمه، وفقد أكثر من 10% من قيمته وهو ما دعا محافظ البنك المركزي البريطاني للإعلان عن ضخ نحو 250 مليار جنيه إسترليني لضبط الأسواق، ومع تداعي بورصات أوروبا وأمريكا والعالم التي تأثرت بانخفاضه مما سيعني زيادة عملتها وبالتالي انخفاض صادراتها علي المدي المتوسط، وهو ما سيؤثر علي اقتصاداتها بشكل ملحوظ.. أما في أوروبا، فحدِّث ولا حرج، فهناك هزة قوية حدثت كما تقول صحيفة »صن» البريطانية، ولم يكن الشعار الذي رفعه البريطانيون، وداعا الاتحاد الأوروبي، هو مسك أو فصل الختام في قضية »الخلع» التي كسبتها بريطانيا ضد الاتحاد، بل كانت التداعيات أقوي، فهناك دول مثل فرنسا وألمانيا وجدت في خروج بريطانيا، صدعا وشرخا لن يتم ترميمه أو تعويضه بسهولة، وذهب البعض للقول بأن بريطانيا أصبحت الآن في منطقة مجهولة بعيدة كل البعد عن القارة العجوز، وأن القرار بالخروج هو استراتيجية بريطانية ثابتة حتي منذ انضمامها للاتحاد في العام 1973 ورفضها الانضمام لاتفاقية اليورو والبقاء في منطقة الإسترليني كعملة خاصة بها، والأكثر هو اعتراضاتها الدائمةعلي ميزانية الاتحاد وحصتها فيها، لصالح بلدان كانت تجدها بريطانيا، عالة، وعبئا، كبيرا علي الاتحاد الأوروبي كله. وهناك - ومازلنا في أوروبا - دعوات مماثلة بدأت تخرج من دول مثل، النمسا وهولندا وسويسرا وبلجيكا، بل ومن فرنسا ذاتها وبالتحديد من حزب الجبهة الوطنية القومي المتطرف، وكلها تدعو للانفصال عن الاتحاد الأوروبي والعودة للدولة القومية الأم بحددوها المعروفة واقتصادها المستقل، يًضاف لذلك دعم دول شرق أوروبا لموقفها من المهاجرين، الذين يتبناهم الاتحاد الأوروبي، وتقول هذه الدول إنهم سبب أزمات أوروبا الحالية من تطرف وإرهاب وعمليات مسلحة أوقعت عشرات الضحايا وآخرها في فرنسا وبلجيكا. وكاميرون الذي ترك الأمور هكذا ولم يعد كما قال: »الربان الذي يمكنه أن يقود بريطانيا خلال المرحلة القادمة» ترك الاتحاد الأوروبي في »حيص بيص» فالاتحاد مع دوله التي أصبحت 27 فقط بعد خروج بريطانيا، أصبح في موقف لا يحسد عليه، فعليه أولا أن يعالج مسألة الخروج ثم عليه ثانية أن يقوم بعدة إصلاحات حتي لا تتكرر المحاولة أو علي الأقل يتم التفكير فيها من دول أخري بشكل جدي، قد يهدد كيان الاتحاد الأوروبي كله مستقبلا. ومن هنا، خرجت دعوات من داخله في العاصمة البلجيكية، بروكسل، تطالب برفع شعارات جديدة له تحت عناوين مثل، الحرية والسلام والأمن، كما تطالب بإصلاحات جذرية تضمن بقاء دوله موحدة واستقبال دول أخري مرشحة للانضمام خلال السنوات الخمس القادمة، وهنا كانت دعوة الاتحاد الأوروبي لبريطانيا للشروع سريعا في إجراءات خروجها منه، وهي الإجراءات التي قد تستغرق عامين من الآن، وهو ما عُرِف »بخريطة الخروج» حتي العام 2020 التي توجب علي بريطانيا حسب المادة 50 من معاهدة برشلونة المنظمة للاتحاد الأوروبي بأن تخطر أولا مجلس أوروبا بقرارها بالخروج، ويعقد المجلس الذي يضم قادة 28 دولة منها بريطانيا حتي الآن - ورئيس مجلس أوروبا ورئيس المفوضية الأوروبية، اجتماعا لبحث القرار، الذي ستتم مناقشته في مدة تصل للعامين، ما لم تكن تلك الدول مع بريطانيا قد اتفقت علي قرار مخالف أو مدة محددة للتنفيذ أو حتي تمديد للمدة لأكثر فترة ممكنة لعل الأمور قد تتغير في المستقبل القريب. ويحق لبريطانيا العودة في قرارها، والبقاء داخل الاتحاد بشرط موافقة كل الدول الأعضاء ال 28 بالإجماع علي ذلك. أما الشيء الأهم لبريطانيا، فإن خروجها من الاتحاد الأوروبي، كما يقول المؤيدون له، سيتيح لها إصدار قوانين جديدة لصالح المواطن البريطاني، فعليها أن تصدر قوانين جديدة يقرها البرلمان تسمح بزيادة الدعم لفواتير الغاز والكهرباء المنزلية بخفض ضريبة القيمة المضافة بنحو 5%، كما ستعد برنامجا للرعاية الصحية يسمح بمنح نحو 100مليون جنيه إسترليني أسبوعيا لذلك، كما ستعد قانونا للتجارة الحرة وستلغي قانون المجتمعات الأوروبية، وهي قوانين تؤكد استقلاليتها السياسية والاقتصادية عن الاتحاد الأوروبي، وستحقق سيولة مالية أكثر للمواطن البريطاني. أما ال48%، كما تقول صحيفة الإندبندنت البريطانية، وهم الذين قالوا نعم للبقاء من البريطانيين، فهؤلاء في حاجة لقرارات قوية وملموسة علي الأرض، تقنعهم بأن عكس قرارهم كان هو الصواب، وإلا تحولت تلك النسبة لأغلبية مستقبلا وتكون بمثابة »البكاء علي اللبن المسكوب».