اقتربت ساعة الحسم ولم يبق سوي أقل من شهر علي موعد الاستفتاء التاريخي الذي تنتظره بريطانيا لتحديد ما إذا كانت ستستمر في عضويتها بالاتحاد الأوروبي أم ستغادره لتحدث سابقة هي الاولي من نوعها في تاريخ القارة الأوروبية ..السياسيون البريطانيون مازالوا منقسمين بين تأييد البقاء بالاتحاد أو الخروج منه. يرفع مؤيدو البقاء شعار «بريطانيا أقوي في أوروبا» في حين يرفع الراغبون في الانفصال «بريكست» «الخروج البريطاني» شعار «صوتوا من أجل الانفصال». المؤيدون والمعارضون مع بدء العد التنازلي للاستفتاء تظهر استطلاعات الرأي تقاربا شديدا بين معسكري المؤيدين والمعارضين للبقاء داخل الاتحاد مع تقدم ملحوظ لمعسكر المؤيدين، حيث تتزايد الشكوك حول تصويت البريطانيين فعليا لصالح خروجهم من الاتحاد الاوروبي في 23يونيو القادم. يرجع الخبراء التقدم النسبي في معسكر المؤيدين للبقاء إلي تزايد حملات التخويف والتحذيرات الكثيرة التي يطلقها أنصار البقاء حول «مساوئ بريكست» علي بريطانيا والتداعيات الخطيرة التي تنتظرها في حالة وقوع ذلك. واعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهو من أبرز المؤيدين للبقاء أن التنازلات التي حصل عليها من شركاء الاتحاد لصالح بريطانيا من شأنها تهدئة المخاوف الشعبية حول تنازل يريطانيا عن سيادتها لصالح بروكسل وتدفق العمال الأجانب من أوروبا الشرقية. لكن المشكلة ان حزب كاميرون المحافظ وحكومته منقسمون بشكل ملحوظ حول هذا الامر. وفي بروكسل تتزايد المخاوف من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد. لان البريطانيين الذين يصوتون في استفتاء يونيو لن يصوتوا فقط علي خروج بريطانيا من الاتحاد وإنما علي مصير التكتل الأوروبي كله لان بريطانيا واحدة من أهم القوي السياسية والاقتصادية والعسكرية في الاتحاد الأوروبي كما انها عضو دائم في مجلس الأمن وعضو في حلف الأطلنطي وبالتالي فإن خروج دولة بقيمتها وحجمها من هذا التكتل يعطي انطباعا سلبيا عن أوروبا وقد يؤدي إلي تراجع مكانة الاتحاد علي الساحة العالمية ويجعل منه قوة من الدرجة الثانية. قبل 65 عاما ولد الاتحاد الأوروبي وتحول خلسة من مشروع اقتصادي إلي مشروع سياسي. فالاتحاد الاوروبي سليل خطي بناء مؤسسات بعد حربين عالميتين، أو حرب استمرت 31 عاما بين الاوربيين (1914-1945).. ورغم ان البعض مازال يعتبره مثاليا الا ان البؤس يحيط به فهناك ركود اقتصادي في بعض الدول الأعضاء ال 28 التابعة للاتحاد - كما ان بطالة الشباب تمثل50 % - والتي تفاقمت بسبب الاجراءات التنظيمية واليورو، العملة الموحدة في دول تختلف جذريا عن بعضها. كما يتخبط الاتحاد الاوروبي بسبب الهجرة الجماعية التي يعتبرها معظم الاوربيين أعظم الاخطار علي الاستقرار الداخلي. التوقعات المتشائمة فريق البقاء داخل الاتحاد -الذي انضمت إليه بريطانيا عام 1973- يثير الكثير من المخاوف من بريكست. فهناك حملة علي جانبي الأطلسي تحمل التوقعات المتشائمة من اثار هذا القرار علي اقتصاد بريطانيا مثل توقعات وزارة الخزانة البريطانية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية واخرين.. علي الرغم من أن أيا من هؤلاء لم يتوقع أزمة خريف عام 2008.. أما الآن فهم يتنبؤون بشكل دقيق بالضرر الذي سيصيب الاقتصاد البريطاني -خامس أكبر اقتصاد في العالم، فقد اكد تقرير نشرته الخزانة البريطانية ان "بريكست" سيتسبب في ركود يستمر لعام ويخفض نمو الاقتصاد بنسبة 3.6%.. وان280 الف شخص سيفقدون وظائفهم..وان متوسط الأجور سينخفض بمقدار 800 جنيه استرليني في العام وسترتفع أسعار المنازل بنسبة 18 %..كما ان نسبة الرهن العقاري سترتفع كما سترتفع فواتير الطعام والكساء بقيمة 220 جنيه إسترليني سنويا في المعدل المتوسط للاسرة الواحدة.. وهو الأمر الذي أثار انتقادات حادة من قبل معسكر بريكست معتبرين أن التقرير لم يكن موضوعيا وأنه تجاهل جميع الإيجابيات التي ستعود علي بريطانيا من مغادرة الاتحاد ليشكل وسيلة ضغط علي آراء البريطانيين .. حيث يؤيد 16 من وزراء حكومة كاميرون، وأعضاء حزب العمال المعارض، البقاء في الاتحاد الأوروبي. المد المناهض وكان كاميرون قد قطع وعدًا خلال حملته الانتخابية العام الماضي بإجراء استفتاء علي عضوية بلاده في الاتحاد في حال فوزه بالانتخابات، وبعد نجاحه بدأ مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول موضوعات السيادة وإدارة الاقتصاد والمنافسة والهجرة وتوصل الطرفان بداية العام الجاري إلي اتفاق حول تلك المسائل قال عنه كاميرون إنه سيدخله حيز التنفيذ في حال خرجت نتيجة الاستفتاء لصالح بقاء بلاده في الاتحاد. منها أن بريطانيا ستتمتع بعلاقة خاصة مع جميع دول الاتحاد وستؤدي الاتفاقية إلي التقليل من تدفق الهجرة من الدول الأوروبية لبريطانيا. في الوقت نفسه تسيطر العاطفة كثيرا علي الجانب الذي يفضل خروج بريطانيا، ولهذا السبب سوف يقبل علي التصويت المطالبين بالخروج من الاتحاد الذين يرون ان بريطانيا يجب أن تكون لها السيطرة الكاملة علي حدودها وأنها لابد ان تقلل من عدد مواطني الاتحاد الأوروبي الذين يهاجرون للعمل في بريطانيا. فمن ضمن المؤيدين للخروج من الاتحاد حزب استقلال المملكة المتحدة الذي يعارض الاتحاد الأوروبي والمهاجرين وصوت 4 ملايين لصالحه في الانتخابات النيابية الاخيرة.. وايضا 5 وزراء من حزب المحافظين الحاكم وعدد من نوابه. وهناك ايضا بوريس جونسون عمدة لندن السابق لفترتين والذي يعارضه البعض لانه لو حدث الخروج فسوف يحل جونسون محل رئيس الوزراء البريطاني كاميرون. قائمة الانتظار وكثيرا ما تجري مقارنة جونسون بالمرشح الرئاسي الامريكي دونالد ترامب. رغم ان جونسون خريج أكسفورد وهو ذكي ومثقف ومتحدث بارع.. تشابه جونسون الوحيد مع ترامب إلي جانب الشعر الأشقر هو ميله للتصريحات الملتهبة فقد اعلن مؤخرا ان معارضة أوباما للخروج من الاتحاد ترجع لاصوله الكينية التي تجعله ضد بريطانيا. واتهم اوباما ب «النفاق» بسبب تأييده بقاء بريطانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي وإن الأمريكيين ما كانوا ليحلموا بمشاركة السيادة «الخاصة بهم» كما فعلت بريطانيا. وكان اوباما قد اعلن ان خروج بريطانيا من الاتحاد سيجعلها في «الجزء الخلفي من قائمة الانتظار» بشأن اتفاق التجارة مع امريكا. فهناك مخاوف تقول إن خروج بريطانيا سينشر دعوات مماثلة في دول الاتحاد وهناك استطلاعات اخري اظهرت ان نحو نصف الناخبين في 8 دول كبيرة بالاتحاد يريدون أن يتمكنوا من التصويت علي ما إذا كانت بلادهم ستستمر في الاتحاد الأوروبي وان نتائج تلك الاستطلاعات اشارت إلي ان ثلث الناخبين سيفضلون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي إذا حصلوا علي هذه الفرصة وان نسبهم مرتفعة في فرنسا وايطاليا ولهذا فإن استفتاء 23 يونيو هو التصوت الأوروبي الأخطر منذ عام 1945.