هل يمكن لغير عبقري أن يتصدى للكشف عن ملامح العبقرية لشخصيات صنعت التاريخ؟أظن أن الاجابة ب »لا« تقترب من حدود المستحيل.لابديل – إذن – عن الرد ب «نعم».فإذا كان الأمر يتعلق بالاستاذ عباس العقاد، فإنه يكون قد أصاب أهله تماماً، إذ أنفق من جهده وفكره وعمره الكثير ليكتب عبقرياته الخالدة.واعترف أن المسألة شغلتنى منذ زمن بعيد، حتى ساقت لى الظروف الطيبة باحثا يمكن الرهان عليه إذا ما تصدى للمهمة.جمعنى لقاء بالدكتور محمد فتحى فرج، وكان يحمل كتاباً مقارناً بين العقاد وطه حسين، ودار حوار، ودردشة ممتعة، فإذا بى أمام باحث مجتهد، وهنا ولدت الفكرة، وتحمس د. فرج لها، وانكب عليها، وغاب، ثم عاد حاملاً بين يديه هذا السفر الرائع: «عبقرية العقاد صاحب العبقريات».الفكرة التى كانت مجرد ومضة، كساها لحماً، وصارت كتاباً مكتملاً.ودون مبالغة، فإننى حين قرأت عن العقاد بقلم د. فرج، كأننى أقرأ عنه للمرة الأولى، فالزاوية التى تعاطى معها الباحث غير مسبوقة، فبمنهج العقاد امتطى د. فرج صهوة العبقرية، وراح يصول ويجول باحثاً عن سمات وقسمات عبقرية عباس العقاد، إذ سبقه العديد من الباحثين منقبين ومفتشين فى شخصيته الثرية، من جوانب عدة، فقتلوها بحثاً، فهو المفكر، الأديب، الشاعر، السياسى و.. و....لكن بين كل ذلك لم يتطرق أحد لعبقريته!كان العقاد حين يتصدى لتراجمه يبحث عن مفتاح شخصية من يترجم له، لتكون مدخله إلى تناول مختلف، وتقديما لجوانب ربما تكون معروفة للجميع، لكن عندما يتصدى لها العقاد بقلمه، ومنهجه، فكأنما يعيد بناءها!هنا محاولة جادة، أعتقد أنها أثمرت مؤلفاً رائعاً، عبر فصول أعادت الكشف، بل اكتشاف العقاد ذاته!سمات عبقرية العقاد، صاحب العبقريات، هى محور هذا البحث الذى جمع بين الرصانة، والعمق، والتشويق.صحيح أن الدكتور محمد فتحى فرج قدم للمكتبة العربية كتاباً عنوانه: «العقاد الذى لايعرفه كثيرون»، لكنه تحدى نفسه كباحث، واجتهد فى تقديم سمات العقاد عبقرياً، ووضع يده على ما ثمنه مفتاحاً لشخصية العقاد، وكان على وجه الحصر ذاك الحب للمعرفة والثقافة والعلم.دون أدنى مبالغة، بين يدى القارىء العزيز كتاب فريد فى مادته ومنهجه، يقدم للعقاد ما لم يقرأه من قبل.إقترب العقاد من العباقرة لأنه عبقرى، يقدر عبقريتهم، وربما خلال مشواره فى بحار العبقرية أثر وتأثر، بفطرته فى البداية، ثم استقاء من تراكم بحثه الدءوب وراء سير العباقرة وحيواتهم، فكان انتاجه للعبقريات إرثا راقيا، وآن للعقاد رد جميله بالبحث فى/ عن عبقريته.محاولة جادة، وبحث غير مسبوق، وتحدٍ يبقى للقارىء الحكم عليه، وأظنه سيكون لصالح من تصدى واجتهد، وأقدم على إنجاز كتاب يعد إضافة حقيقية وأصيلة للمكتبة العربية.