الخلود.. الحلم الذي داعب خيال البشر منذ بدء الخليقة. المعانى تتباين، فهناك من يرى الخلود فى عمل أو أثر ينفع الناس بعد مماته، ومنهم من يتصوره بصمة متميزة تتمثل فى إبداع أو اختراع يتحدى الزمن، والبعض يقتصر حلمه على طول العمر، أخذا بالأسباب ليس إلا. هؤلاء الذين يتطلعون إلى عمر مديد، لا يفصلون بين حلمهم، وأن يتمتعوا بالصحة والعافية حتى يكون لحياتهم مذاق طيب، من ثم فإن المسألة ترتبط بجهود علمية وطبية، وأبحاث ودراسات تؤخر كابوس الشيخوخة، انتصارا لشباب دائم يتمتع به المعمر، فلا يكون الارتباط شرطيا بين التقدم فى السن وتدهور الصحة. ومع التسليم بأن »الأعمار بيد الخالق العظيم«، فإن حلم طويل العمر مع التمتع بصحة جيدة يظل مشروعا من باب «الأخذ بالأسباب» ليس إلا، ولعل نظرة على متوسط عمر البشر ومدى ارتباطه بالتقدم العلمى والرعاية الصحية والاجتماعية، وأسلوب الحياة الذى يلتزم به مجتمع أو فرد، مقابل إهمال الآخرين، كلها تصب فى خانة الإجابة على السؤال الذى عنوننا به الكتاب: كيف تعيش بعدالمائة؟ فى هذا الكتاب اجتهد مؤلفه د.حسين حشمت أستاذ علم الفسيولوجى فى الإبحار بل الغوص فى العديد من المراجع الأجنبية التى تجاوزت الأربعين مرجعا، ليقدم عصارتها بإيجاز، على طريقة النحل الذى يمتص مئات الأزهار، ليكون رحيقها فى النهاية عسلا شهيا فيه شفاء للناس. صال المؤلف وجال فى الملعب الذى يجيد الحركة عبر أطرافه المترامية ليقدم بانوراما تترجم أبعاد موضوعه من جميع جوانبه ويقدم عبرها الأسرار العلمية التى تكمن وراء العمر المديد المقترن بالصحة والعافية. وإذا كان حلم الحياة الطويلة يداعب خيال البشر عبر القرون والأجيال، فإن المسألة تختلف بالنسبة للدول، بل وبالنسبة للمعنيين بمقدرات الإنسان بعيدا عن الحدود السياسية، إذ أن ارتفاع متوسط الأعمار يعنى أن الخريطة السكانية للعالم سوف تواجه تحولات دراماتيكية، كما أن الهرم السكانى فى الكثير من الدول سوف يطرأ عليه تغيرات من شأنها إعادة النظر فى العديد من السياسات، وفى أكثر من مجال، خاصة ما يتعلق بالتنمية، والاقتصاد، وإدارة الموارد.... الخ. هكذا؛ فإنه إذا كان طول العمر يمثل حلما للإنسان، فإن إصابة العالم بالشيخوخة، قد يمثل كابوسا يزعج شبحه دوائر سياسية واقتصادية واجتماعية على مستوى دول عديدة، تماما كما على الصعيد الدولى فى ظل حديث لا ينقطع عن موارد وإمكانات محدودة، مقابل زيادة فى معدلات النمو السكاني، يضاف لها طول العمر المتوقع خلال العقود المقبلة. الأخطر، أن هناك مجتمعات تعانى - من الآن - اختلالات فى هرمها السكاني، إذ تعانى من ضعف المواليد، وبالمقابل زيادة الأعمار، مما يعنى أنه لا يفصلها عن أن تكون مجتمعات مصابة بالشيخوخة إلا زمن وجيز، بل إن بعض الدول الأوروبية واليابان بدأت معاناتها فى هذا الاتجاه. .......... الحياة تبدأ بعد الستين.. كانت مقولة مأثورة حتى وقت غير بعيد، لكن مع تقدم الأعمار، وزحفها إلى ما بعد الثمانين والتسعين، والتطلع إلى أن يحيا الإنسان عقدا ويزيد ربما يزيح المقولة التى كانت خالدة، ليحل مكانها مقولة تؤكد أن «الحياة تبدأ بعد المائة»!