الشباب والتقدم حليفان، إلا أن الشيخوخة تقف بالمرصاد لكليهما! صورة لصراع أبدي لم يقف الإنسان أمامه عاجزاً، يفشل ويحاول، ولا يكف عن إعادة المحاولة منذ بدء الخليقة، وأخيراً لاح أمل في تحقيق حلم قديم متجدد: ان يهزم البشر عدوهم اللدود، أي الشيخوخة، وأن ينعموا بشباب دائم! ربما يكون المدخل الصحيح الفصل بين التقدم في العمر، الأمر الذي يستحيل مقاومته، والحد من الآثار المترتبة علي تراكم السنين فوق رءوس البشر. المشكلة الاكبر ليست في شيخوخة الأفراد، بقدر ما تتمثل في إصابة المجتمعات ذاتها بالشيخوخة، كنتيجة حتمية للتقدم العلمي الهائل، ومنجزاته في مجال الصحة والدواء، من ثم فإن الفرص المتنامية لحصول الإنسان علي رعاية صحية فائقة يعني إرتفاع متوسط الأعمار، ومن ثم إحداث إنقلاب في الهرم السكاني سواء علي مستوي الدول، أو علي الصعيد العالمي عموما!. والسؤال: كيف يمكن صياغة معادلة غير مسبوقة تكسر التلازم بين التقدم في العمر والحد من آثار الشيخوخة؟. أو بصياغة أخري: كيف يتمتع كبار السن بسمات الشباب الدائم حتي لا تلقي الشيخوخة بظلالها وتداعياتها السلبية علي المجتمع؟. الإجابة علي السؤال بأي من صيغتيه لم تعد الشغل الشاغل للاطباء وخبراء الصحة ومبتكري الأدوية والعقاقير فحسب، لكنها أيضا قضية تعني علماء الاجتماع والمشتغلين بالسياسة وخبراء الاقتصاد و...و... وباختصار كل المهمومين بتنمية رأس المال البشري، ومحاولة توظيفه وتفعيله علي كل الاصعدة من الفرد للاسرة وصولا للدولة والعالم بأسره. إتساع الدوائر- هنا- يعود إلي التحديات التي يصبح علي المجتمعات ان تواجهها، فكما ان للشيخوخة تبعاتها، فإن الحد من آثارها يلقي - ايضا - بأعباء الي جانب النتائج الايجابية، ففي كل الأحوال يترتب علي أي تحويلات في الهرم السكاني، ضرورة إعادة النظر في العديد من الترتيبات التي تمس الحياة سواء داخل الاسرة أو علي الصعيد المؤسسي، وصولا بالطبع الي الأطر الأوسع داخل الدولة أو علي مستوي المعمورة. ولعل هذا المنظور يعكس جانباً من الصورة لا يمكن التغاضي عنه، فالمسألة بقدر ما هي تعني كل مجتمع بشكل مستقل، فإنها ايضا ومن خلال التفاوتات في معدلاتها من مجتمع لآخر تتطلب رؤية أوسع لتشمل القارة، ثم ارجاء العالم، فثمة دول، بل قارات تعاني من شيخوخة سكانها اكثر من غيرها، وبالتالي فإنها معنية بالتحولات الناشئة عن إنقلاب المعادلة، حين لا يصبح التقدم في السن مقترنا- بالضرورة- بالشخوخة، بل يحدث العكس إذ يتمتع كبير السن بشباب يؤهله للاستمرار في العمل. وإذا كان البعض ينظر إلي الأمر باعتباره نعمة في مجتمع يعاني من النقص في عدد السكان ومن ثم الايدي العاملة المطلوبة، فإنه يمثل نقمة في مجتمع آخر وتيرة الشيخوخة فيه أقل ويتمتع بالخصوبة التي تمده بتيار لا ينضب من المواليد! هكذا، فإن علي كل الحكومات والمؤسسات الدولية ان تعيد الكثير من حساباتها بعد ان أضحي سكان المعمورة 7 مليارات نسمة ، وتؤثر ظروف الرعاية الصحية، والتقدم في إنتاج أدوية وعقاقير قادرة علي مواجهة أمراض لم يكن من الممكن علاجها، إلا ان الانفجار السكاني خلال العقود القادمة سوف يمثل تحديا هائلا، لاسيما ان النظرة للشيخوخة لن تصبح محكومة بما اعتادته البشرية علي مدي قرون، ففي مدي غير بعيد سوف تسقط الحواجز بين التقدم في السن ومظاهر الشباب، عندما يمشي بيننا الملايين من »الشيوخ الشباب«، أو »شباب الشيوخ« يسعون في الأرض متمتعين بصحة بدنية وعقلية قد يحسدهم عليها الاحفاد!.