الشيخوخة رحلة من الطفولة إلى الموت، يعاني من يحياها من الألم والأمل، وهي فتنة البشرية في كل العصور. العلم بما يملكه من نظريات وتقدم عجز عن الهروب منها أو الإفلات، تناولها فادي زغموت في روايته "جنة على الأرض" الصادرة حديثًا عن دار الآداب اللبنانية، في رحلته عبر الزمن الآتي مستعينا بالخيال العلمي متكئا على التقدم التكنولوجي. ففي روايته يسرد الكاتب الأردني فادي زغموت، أحداثًا ومواقف عن المستقبل يطول عمر البشر فيها وقد يستمر شابًا أو يتحول إلى طفل، وذلك باستخدام حبة صفراء تمنح مستخدمها الشباب الدائم، وإن كانت تلك المسألة غير جديدة على الأدب أو السينما على السواء، لكن الكاتب يعتقد أن التقدم العلمي السريع في تقنيّات التكنولوجيا الحيّوية التي دفعت بالعديد من العلماء، وتوقع إيجاد حلول للعمليّات الحيوية في الجسم البشري التي تؤدي إلى الشيخوخة خلال عقد من الزمن، يتيح المجال أمام إعادة تناول الموضوع مرة أخرى. ويوضح الكاتب الحاصل على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية والفكر النقدي من جامعة "ساسكس" في المملكة المتحدة، أن فكرة الرواية خطرت له حين قرأ مقالا لعالم أمريكي يدعى "أوبري دي جري" في العام 2009، يدعي به أن العلم قادر على إيجاد حل للشيخوخة خلال عقد من الزمن وبالتالي مد العمر البشري من معدله الحالي القريب من مائة عام إلى ألف عام وأكثر. كان تقرير دار الآداب اللبنانية عن الرواية قد أشار إلى أنها نص ينتمي إلى الخيال العلمي الأقرب إلى الواقع منه إلى الخيال. وتكلم عن اختلافها عن الأفلام الهوليودية في معالجة هذه القضية في أنها ركزت على نفسية الإنسان نفسه. أما من الجانب الروائي، فيوضح صاحب "عروس عمان" ل"المقهى الثقافي" في "بوابة الأهرام": لقد عالجتُ الرواية من ناحية اجتماعية تنطلق من طبيعة الإنسان وحريته بالاختيار، فعالم "جنّة على الأرض" هو العالم الذي يصبح العمر البشري فيه متغيرا في يد الإنسان، يختار ما يناسبه من الشيخوخة، الشباب الدائم، أو العودة إلى الطفولة. تنوعت شخصيات الرواية باختياراتها انعكاسا لطبيعة المجتمعات وتضارب رغبات الإنسان بشكل عام. قد يحمل اسم الراوية رسالة واضحة حول ما قد تصير إليه الدنيا بعد وجود تلك الحبة، لكننا نجد أن الشخصية الرئيسة في الرواية وكذلك الراوي العاليم لها تحمل اسم "جنة"، وهي التي تنهي الرواية بجملة على لسانها تشير فيها إلى أنها هي "جنة على الأرض"، وعنها يقول الروائي: "جنة" هو اسم بطلة الرواية، وهي تعيش على الأرض، وترى في نفسها وجها طيبا نقيضا لما تراه في زوجة أخيها "جيهان" التي تدعوها "جهنم". في الحقيقة فإني قصدت البعد الفلسفي للرواية باختيار اسم الشخصية والتلاعب بمفهوم الإنسان عن جنة الفردوس. فالإنسان يملك اليوم كل ما يحتاجه للعيش ببحبوحة وسعادة، وعند إيجاد حل للشيخوخة والقضاء على الأمراض التي تحد من العمر البشري، فهل يعني ذلك أننا، كبشرية، اقتربنا من تحقيق الجنة التي نحلم بها على الأرض؟ اعتقد أن الرواية حاولت الكشف عن ذلك حين وضعت الطبيعة البشرية في قالب يحمل الكثير من سمات الجنة، لتجد بأن الاثنين لا يجتمعان. فالجنة كما هي أي يوتوبيا، لا توجد سوى في خيال الإنسان وأحلامه، بحسب زغموت. تظهر الفنانة الراحلة "صباح" بجلاء في الرواية، حتى أنها أول من جرب "حبة الشباب"، ويرى الكاتب أن الفنانة الراحلة، تعتبر رمزا لحب الحياة. لذلك أراد أن تعود إلى شبابها وتبقى معنا لفترة أطول، تعيد غناء أغانيها المرحة وتزرع الفرح والبهجة في وجوه الجميع، وقال: صباح لا تموت، وفنّها وروحها ستخلدّها. ويضيف: إن العودة إلى أفلامها وأغانيها في أوج شبابها ومتابعة ازدهارها وجمالها في منتصف عمرها ومن ثم التغيير الكبير في شكلها الخارجي مع تقدّمها بالعمر يظهر بوضوح أثر الشيخوخة على الجسم البشري. لكن صباح، كقلة من البشر، حافظت على شباب روحها بالرغم من هرم جسدها، مما دفعني لرسم صورتها شابة من جديد. للأسف أمنية شخصية لي، لم تتحقق. الدكتور جمال، وهو أحد أبطال الرواية رجل علم، وقد ساهم في إيجاد العديد من العلاجات للأمراض التي تصاحب الشيخوخة، لكنه بالرغم من ذلك يبدو الشخص الوحيد في عالم الرواية الذي يرفض تناول حبة الشباب وكأنه لايؤمن بالعلم الذي هو واحد من رجاله، ويقول زغموت الذي يعمل في مجال البرمجيات بدبي. إن شخصية "جمال" تجسد ذلك الإنسان الذي لا يرى تناقضا بين العلم وايمانه بالحياة الأخرى. فهو يؤمن بقدرة العلم على إيجاد حلول إنسانية هائلة ولكنه أيضا يؤمن بوجود خالق للكون وبوجود حياة من بعد الموت في مكان مختلف. "الجنة" الحقيقية التي لا يستطيع الوصول إليها الإنسان مهما اجتهد ومهما سخّر العلم لخدمته وتقدمه. ورغم ذلك فإن صوت الوازع الديني يظهر خافتًا في عالم الرواية، لكن "زغموت" ينفي أن يكون الدين متواريًا في عالمه الروائي، على العكس، "حاولت معالجة بعض القضايا من منطلق ديني. فهنالك استغلال للنصوص الدينية على لسان شخصية جيهان من أجل تمرير قانون منع الانتحار، وهنا أردت نقدًا مبطنًا لما يحصل في وقتنا الحالي من استغلال للدين في العديد من القضايا اليومية"، بحسب قوله. ويعزي "فادي" هذا المفهوم الذي قد يصل إلى قارئه، إلى شخصيته الرئيسية "جنة العبدالله"، كونها ليست شخصية متدينة، تبدو تصارع شكوكها في الإيمان بوجود عالم آخر بعد الموت، وتهرب منه بالتمسك بالحياة على الأرض. تبدو مقدمات الفصول –أحيانا- مفسدة لمتعة التتابع وتكسر التشويق، لكن فادي زغموت يراها مقدّمات سريعة تملك حكمة كمدخل للفكرة التي سيطرحها النص. ويقول: أنا شخصيا أحب معظم مقدمات الفصول في الرواية، لكني سأسأل من حولي لأرى كيف تبدو للقراء الآخرين، فأنا يهمني النقد وأتعلم منه كي أتحاشى تكرار الأخطاء في الأعمال القادمة.