غريبة جداً مصر هذه الأيام! كل يوم نتفرج علي شيء غريب.. ونسمع كلاماً أغرب.. ويتأرجح الإنسان بين أحاسيس ومشاعر شتي متضاربة في كثير من الأحيان! في بداية الأسبوع الماضي استفزتني للغاية تصريحات أحد نواب مجلس الشعب. الذي وقف بجلالة قدره تحت قبة المجلس.. يهاجم وبشدة وزارة الداخلية ورمزها اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية! لماذا؟ النائب المحترم لم يعجبه موقف الشرطة من المتظاهرين من حركة »6 إبريل«.. وقال سيادته انه كان علي الشرطة ان تطلق النار علي المتظاهرين! هكذا وبكل بساطة كان تفكير وموقف أحد نواب الشعب.. الذي يفترض ان مواطني هذا الشعب أعطوه أصواتهم. ليدافع عن حريات وحقوق المواطنين. في اليوم التالي لهذا التصريح الغريب.. من النائب الذي اراد من رجال الشرطة الذين يقومون بحماية المواطنين.. ان يتحولوا الي جزارين ومتوحشين. وان تروي أرض الشوارع بدماء المواطنين. ورصاصات الشرطة! في اليوم التالي جاءني تليفون من اللواء هاني عبداللطيف مدير العلاقات العامة بوزارة الداخلية يدعونني للمشاركة في ندوة حقوق الإنسان.. التي يحضرها كل قيادات وضباط الشرطة والجنود والعاملين المدنيين في مديرية أمن دمياط. وعندما سافرت مع ضابط الشرطة المحترم الدكتور عقيد أحمد الدسوقي.. اكتشفت انني لست المدعو الوحيد إلي هذه الندوة.. وإنما يشارك فيها علي أيام نخبة من رجال القانون والمهتمين بحقوق الإنسان في مصر.. ومنهم المستشار سناء خليل مساعد وزير العدل السابق. والدكتور سعد الزنط. والسفير أحمد الغمراوي واللواء عبدالرحيم القناوي والكاتب الصحفي عباس الطرابيلي. والحقيقة ان تلك لم تكن الندوة الأولي التي أحضرها في هذا المجال. بل أنني ومن العام الماضي. اشارك في ندوات مماثلة عقدتها وزارة الداخلية لكل رجال الشرطة علي مستوي مديريات الأمن المختلفة. لنشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة في ارجاء مصر. سافرت إلي رجال الشرطة من مطروح إلي الوادي الجديد. وجلست إلي المئات من الضباط والجنود والعاملين والمدنيين والعمد والشيوخ. ورأيت بعيني المستوي الحضاري الحقيقي لمعدن رجل الشرطة في مصر. هذا الرجل الذي يؤدي رسالة نبيلة من أجل الوطن. ويهب حياته لعمل الشرطة.. ويعيش معظم نهاره في الشارع في الحر والبرد.. ومعظم الايام لا أجازات ولاراحات. اولاده وبيته ومحرومون منه. ولو تصور الناس كيف تكون حياتهم بدون رجال الشرطة . لفزعوا وارتعبوا لأنها ستكون غابة. القوي فيها يضرب الضعيف. والطويل يسحق القصير. والغني يقهر الفقير! إن الناس مازالوا حتي اليوم إذا واجهوا موقفاً صعباً. يصرخون : يابوليس.. إلحقنا! ورغم ذلك فقد شاهدنا وسمعنا وتابعنا كلنا.. قبل عامين موجة الهجوم علي رجال الشرطة. واتهامهم بتعذيب المواطنين. ورغم ان بعض تلك التجاوزات قد حدثت بالفعل. لكنها كانت تعد علي أصابع اليدين. ومعلوماتي المؤكدة. ان هذه التجاوزات كانت تعرض في الحال علي وزير الداخلية حبيب العادلي بناء علي طلبه. وانه كان يقوم شخصيا بفحصها. ويطلب التحقيق الفوري فيها. ويطلب بمنتهي الحسم. وهو الوزير الذي اشتهر انه يدافع عن كل رجاله. كان يطلب توقيع أقصي الجزاءات علي أي ضابط يتجاوز في تعامله مع المواطنين. والذي يعرف حبيب العادلي لابد ان يدرك من اللحظة الاولي. انه ليس »بريا« وزير داخلية روسيا الشهير. الذي عرف بأنه كان جزاراً متوحشاً. يسجن ويعذب ويقتل مواطنيه الروس في ذلك الوقت! طوال السنوات الماضية واجه الوزير حبيب العادلي تحديات صعبة.. بداية من الإرهاب إلي محاولات إيقاع فتنة طائفية بين أبناء مصر. ورغم اسلوبه الحاسم. إلا ان هناك وجها آخر.. ربما لايعرفه كثيرون عن هذا الرجل. ان شخصية وزير الداخلية هادئة مهذبة وكل من اقتربوا منه أدركوا انه صاحب قلب طيب. وانه كما يحاسب الضابط المخطيء يكافيء في الحال أي ضابط أو رجل شرطة. يتصرف مع الناس بطريقة إنسانية فعلاً! سجل حبيب العادلي موقفه من المواطن المصري حين قال: ليس من سبيل أمامنا نحو تحقيق اهدافنا. إلا الصدق في الأداء. والإخلاص في العطاء. نلتزم في كل تعاملاتنا بالشرعية وسيادة القانون. وحسن معاملة الجماهير. والتفاني في خدمتها والحفاظ علي كرامة المواطنين . واحترام حقوق الإنسان. وصون حرياته الأساسية. وهو نفسه حبيب العادلي الذي طلب مؤخراً وضع لافتة واضحة علي كل قسم شرطة. تحمل رقم التليفون المحمول الشخصي. لمأمور القسم أو المركز. حتي يستطيع أي مواطن الاتصال دون وساطة. وتقديم اية شكاوي أو ملاحظات عن معاملته داخل قسم أو مركز الشرطة. نعم بذلت الشرطة في العامين الماضيين جهوداً مخلصة. في مجال نشر ثقافة حقوق الإنسان بين رجال الشرطة. ومازالت هذه الجهود مستمرة حتي الآن. بنفس الفكرة وهي أن رجل الشرطة هو أيضاً مواطن ومصري. وحسن المعاملة حق للمواطنين. وهو واجب ومسئولية رجل الشرطة في أي وقت. في نهاية الندوة قال لي اللواء مصطفي محمد مصطفي مساعد الوزير ومدير أمن دمياط: شكراً لكل من ساهم معنا في تعميق فكرة حقوق الإنسان. وسوف يظل رجال الشرطة علي عهدهم لمواطنيهم.. هدفنا حماية أي مواطن. وصون كرامته. وتحقيق أمنه وأمانه. وهؤلاء هم رجال الشرطة. الذين طلب منهم نائب مجلس الشعب.. ان يطلقوا الرصاص.. علي الوطن!