لعل مصر تمر بأخطر مرحلة في تاريخها الحديث منذ شرع ساكن الجنات محمد علي باشا في تأسيس مصر الحديثة والقضايا التي تواجه الشعب تحتاج الي عزيمة الرجال وتحتاج الي ان يتحول الشعب المصري الي فريق عمل يتراص لتنفيذ خطة عمل محددة للعبور من الضيق الوعر الذي اوقفتنا فيه ثلاثون او أربعون عاما من الخيارات الخاطئة، فبعد ان طبلنا وزمرنا للانفتاح الاقتصادي وما سيجلبه من رفاهية وبحبوحة، ها نحن نتوسل للبنك الدولي كي يرضي عنا فيفتح لنا طريق الاقتراض، وليت الاقتراض هنا لكي نبني سدا عاليا فالسد الآن اعزكم الله تبنيه اثيوبيا بمساعدة اسرائيل كي تقطع عنا شربة الماء!.. لكن الاقتراض هنا لكي نأكل ونعيش بعد ان بعنا مصانعنا واهملنا زراعاتنا وبعد ان انهار التعليم في مدارسنا جامعاتنا التي كانت تعلم وتنير فأصبحنا في ذيل قائمة الجامعات، ولا تحدثني عن البحث العلمي هاهو الحصاد أربعين عاما من التحول نجتهد لكي تتواصل المعونة الامريكية ولكي يأتينا البر من إخوة لنا عرب وقفوا جنبنا برجولة في محنتنا هذه، ولكن علينا الآن ان نسأل أنفسنا.. ما الذي اوصلنا الي هذه المحنة؟ نقترض ونقبل المساعدة واين وعود الرخاء التي سمعنا بها. وها هي البطالة تأكل اكباد شبابنا، اما التضخم فإنه يهين شيبتنا، وقد جربنا حكم الإخوان وشربنا مرارته فوجدناه أمر طعما وأسوأ منقلبا من مبارك وبطانته فإن كان مبارك قد بدد الثروة واشاع الفساد فإنهم لم يأتوا الينا بأكثر من الكذب حتي البرنامج الذي اطعمونا إياه قبل الانتخابات لحسوه بعد ظهور النتيجة، فإذا كان مبارك ينسب اليه والي رجاله انهم اعتدوا علي المتظاهرين في موقعة الجمل فان بطانه الإخوان ترتكب ما تعلمونه من ارهاب وعنف وقتل يومي يستهدف رجال الشرطة ورجال الجيش وطلاب المدارس في محاولة منهم لإشعال حرب أهلية »كسر الله خاطرهم وحرمهم مما يتمنونه لنا». نحن إذن في اسوأ تعقيد سياسي واوضاعنا الاقتصادية لا تسر أحدا والتعقيدات الاجتماعية أكثر من ان نعيد القول فيها، والمرحلة القادمة تحتاج أعلي درجات الجدية ليس فقط من رئيس الدولة او حكومته ولكن علي كل مواطن في موقعه، ذلك ما يجعل المعركة الرئاسية ليست معركة المشير السيسي وحمدين ولكنها يجب ان تكون نقاش برامج العمل واولويات خطة الانقاذ في الفترة المقبلة لذلك فقد ساءنا جميعا ما نسب للمرشح حمدين صباحي من تصريحات تخرج عن اطار النقاش الوطني المعني بأزمات هذا المجتمع لكي تدخلنا في مهاترات شخصية لا يتسع الوقت لها، مع اننا نلاحظ ايضا ان حمدين يبدو وكأنه يدير حملته الانتخابية باعتبارها انتخابات اتحاد طلاب الجامعة وليست انتخابات رئاسية كما اننا نلاحظ ان حملة المشير السيسي ضعيفة في طرح محاور للنقاش الوطني، ربما يرجع ذلك الي ان شعبية السيسي الجارفة وموقفه الوطني الشجاع وما تتميز به حملته هي انها خالية من الفلول بكل تنويعاتهم وان المشير او حملته لم تتورط في أي تجريح شخصي لاي شخص خاصة المرشح الثاني! لكن الحملتين تعدان الشعب بإنشاء المصانع واقامة مشروع هنا او مصنع هناك وتلك امور فنية تحتاج الي نقاش بين مختصين اما بشأن الوطن ففيه بطالة تحتاج الي معالجة وفيه تضخم يحتاج الي سيطرة وعلينا ان نحدد معا ان كانت الدولة سوف تقود برنامجا للتنمية طويل الاجل يستفيد من العمالة الكثيفة الموجودة في مصر ام الأمر سوف يترك الي تلك الفئة التي تسمي بالمستثمرين الذين نهبوا بنوكا وجلبوا امراض الرأسمالية الينا وقادونا إلي ان نبيع ميراثنا وان نقترض المال. لابد من المشير وحمدين ان يكونا بيانهما واضحا في هذه النقطة فكلاهما ينتسب او نسبه الناس الي جمال عبدالناصر وقد كان ابرز ما في عبدالناصر هو الوضوح والقطع وعدم المرواغة وهذا ما وضح من حوار المشير السيسي.. الحسم والقطع والوضوح. لذلك فإنني اعيد مرة أخري علي التأكيد اننا لسنا في معركة انتخابية، ولكننا في نقاش وطني مهم والمفاضلة بين المرشحين تعتمد اساسا علي احتياجات المرحلة دون انتقاص من قيمة الطرف الآخر او المرشح الآخر او تجريح لشخصه فالمشير السيسي قد وقف موقفا وطنيا قاسيا جنب فيه الشعب المصري صداما أهليا دمويا كان يخطط له الإخوان واتباعهم من أجل البقاء في السلطة فوقف المشير السيسي ومن ورائه الشعب ورجال القوات المسلحة في مقدمة الصف الوطني رافضين تلك المخططات الاجرامية، وبرهن المرشح عبدالفتاح السيسي علي انه رجل دولة حينما استدعي القيادات الوطنية لوضع خارطة المستقبل وبرهن رجال القوات المسلحة علي انهم حماة مصر من اعداء الداخل والخارج ولا يزال الدم الغالي ينزف يوميا، وذلك يجعل السيسي في مقدمة الرجال الذين تحتاجهم مصر في هذه المرحلة. اما حمدين صباحي فهو مناضل منذ ان وقف وهو طالب امام الرئيس السادات متخوفا من نمو الرأسمالية الطفيلية وظل طوال سنوات مبارك متفرغا ومعارضا له.. ومعه معارضون كثر.. لكن اولويات المرحلة تجعلنا ننظر الي سلامة الوطن والي استئصال شأفة الارهاب كفريق عمل يتلاحم فيه الشعب مع الجيش كل ذلك يجب ان يتم بالتوازي مع استعادة هيبة الدولة ولن تكون للدولة هيبة الا بمقدار ماهي مسئولة عن أمن شعبها وعن توفير الغذاء له وتأمين الطاقة اللازمة لتحريك دواليب عمله وتوفير فرص العمل لابنائه وفي تلك القضايا فليتنافس المتنافسون. لدينا مرشحان فلتكن المنافسة بينهما في النقاش الوطني فالمسألة ليست وجاهة او ابهة، ولكنها مسئولية وطنية عظيمة سوف تقع علي كاهلنا جميعا وليس كاهل المشير او حمدين وحدهما. إفساد الإصلاح شاركت في تغطية عملية الاصلاح الاقتصادي، وبصفة خاصة عملية الخصخصة واخيرا تأكدت من انها حق يراد به باطل، وبحكم عملي كصحفي كنت مسئول عن تغطية الملفات التي استحوذ عليها الدكتور عاطف عبيد في فترة زمنية امتدت طويلا منذ بداية الثمانينيات والتسعينيات حتي أصبح رئيسا للحكومة في نهاية عام 9991 كان د. عبيد قد تولي مسئولية وزارات الدولة للتنمية الادارية وشئون البيئة وشئون مجلس الوزراء ووزير قطاع الاعمال العام التي حظيت باهتمام خاص بحكم مسئوليته عن كل شركات ووحدات القطاع العام والقلاع الانتاجية التي اقتربت اعدادها من الخمسمائة شركة! في بداية عملي الصحفي في السبعينيات من القرن الماضي اثناء حكم الرئيس السادات ظهرت فكرة الخصخصة علي استحياء واثناء مسئولية الدكتور احمد ابو اسماعيل وزارة المالية في تلك الفترة كانت الدراسات تعد علي قدم وساق وتشمل الدراسة مشاركة العمال في ملكية وسائل الانتاج بتمليكهم أسهم في المصانع والشركات التي يعملون بها، ولا مانع من بيع الاسهم التي لا يشتريها العاملون علي ان يتم طرحها للجمهور واصحاب رءوس الاعمال، مما يحقق توسيع قاعدة الملكية ومشاركة اصحاب الاسهم في ادارة هذه الشركات وزيادة رءوس اموال هذه الشركات والمصانع وتحديثها وتطويرها تكنولوجيا. عقدت وزارة المالية باعتبارها صاحبة الملكية الحقيقية لهذه الشركات والمصانع واتحاد نقابات عمال مصر الذي تنبه لحقيقة الفكرة وخطورتها علي مصالح العمال ومستقبلهم وبالتالي تهديد الاقتصاد القومي والصروح الانتاجية التي يتكون منها القطاع العام في مصر، واشتدت المعارضة النقابية خلال تلك الفترة فماتت الفكرة في مهدها وحاولت ان احصل علي المعلومات الكاملة حول المشروع الا ان حالة من السرية الكاملة فرضت علي المشروع ودراساته. الهدف الحقيقي من المشروع الذي سربت عنه معلومات كانت ايجابية تهدف الي التخلص من مشاكل القطاع العام التي اهمها انه اصبح يدار بمنطق الشئون الاجتماعية وتم تحميله بأعداد ضخمة من العمال واصبح يحقق خسائر مالية ضخمة ترجع الي تحديد اسعار منتجاته، كما طاله الفساد الاداري والمالي واصبح يتولي اموره اصحاب الثقة وليس اصحاب الخبرة وتولي قيادته الغرباء وغير المتخصصين وكثرة المطالب العمالية، وضرورة التطوير والتحديث وحاجته الي ضخ استثمارات جديدة. ثم ظهرت الفكرة او المشروع (بيع القطاع العام) بشكل اكثر تشويقا وجاذبية اثناء حكم مبارك تحت شعار الاصلاح الاقتصادي الذي سيتم تنفيذه علي مراحل تحت تكثيف اعلامي وسياسي وحزبي واكاديمي غير مسبوق للترويج لفكرة الخصخصة التي تهدف الي مشاركة العمال في الملكية وتوسيع قاعدة المشاركة في الادارة وتطوير وتحديث المصانع والشركات بأحدث تكنولوجيا العصر وتوفير فرص عمل جديدة بهذه الشركات واجراء توسعات في الشركات التي يتم خصصتها وعدم تغير النشاط الاساسي لهذه المصانع والشركات! وبدأ تنفيذ مشروع المعاش المبكر للعاملين واعادة هيكلة الشركات ليس بهدف الابقاء عليها ولكن لبيعها للمستثمرين وتكونت لجنة وزارية لهذا الغرض تضم ممثل وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات وممثل الشركة القابضة وممثلي للاجهزة الرقابية وممثل النقابة العامة للعمال واللجنة برئاسة الوزير. واللجنة كانت تقوم باعتماد بعملية التقييم للشركات والمصانع والاشراف علي عمليات البيع. وتوصلت الي ارقام البيع لبعض الشركات فشعرت بعدم الارتياح وفي نهاية احد المؤتمرات التي كان يترأسها.. عاطف عبيد قبل ان يستقل سيارته وسألت سيادة الوزير هل سيتم بيع القطاع العام بأقل من قيمته؟! فإذا بالوزير يقف علي باب السيارة وهو يقول لي بصوته المميز اضافة الي حدة واضحة مؤكدا وموجها بشكل تحذيري لن نبيع القطاع العام بأقل من قيمته.. واستطرد ان عملية البيع تمر بعدة خطوات متتابعة وان اللجنة العليا تضم كل أجهزة الدولة بما فيها ممثلو العمال بالمناسبة هم الذين وافقوا وروجوا والبعض منهم حصل علي المقابل سواء بالمال او المنصب وان الاجهزة تراقب كل ذلك لانها اموال الشعب!!. عدت فرحا الي الجريدة وقدمت الموضوع علي انني منفرد به فما كان من استاذي الموهوب وجيه ابو ذكري الا ان اعده علي ان يكون بالفعل مانشيت الجريدة بالصفحة الاولي نظرا لاهميته الشديدة.. ثم كان ما كان من اهدار وحدات القطاع العام بأبخس الاثمان حتي ان قلعة صناعة الغزل والنسيج في شبين الكوم بيعت بحوالي 581 مليون جنيه وان قيمتها الحقيقية 5.2 مليار جنيه نصفها كان رشوة لا نعرف لمن.. والاخطر تشريد العمال! معذرة هذه القصة تسكن في الذاكرة التي هرب منها الكثير من الذكريات السعيدة وغير السعيدة وهي الاكثر.. في عيد العمال منذ ايام سمعت سيادة المستشار عدلي منصور رئيس الجمهورية يعلن نفس المانشيت الذي كتبته منذ اكثر من خمسة عشر عاما اذ قال بالحرف الواحد: (لن نبيع القطاع العام بأبخس الاثمان) وتلك هي قصة مانشيت ارجو الا تتكرر مرة أخري فلم يبق الا القليل جدا من قطاع الاعمال العام سابقا بعد ان تم بيع اغلب وحدات القطاع العام الناجحة بأبخس الاثمان.. واتمني الا يباع القليل الباقي بنفس الطريقة! التائبون يعظون! بعد سقوط حكم الإخوان الإرهابيين والي علينا ظهور الباحثين السياسيين في شئون الجماعات الاسلامية بمختلف فروعها الجهادية والسلفية والاصولية وهذا شيء يبدو طبيعيا وكنتيجة لظهور هذه الجماعات المختلفة في افكارها المتفقة علي ضرورة استخدام العنف والتخريب والإرهاب لكل ماهو علي ارض مصر وعلي اتصالها واستقوائها بالخارج تسليحا وتمويلا وقبل كل ذلك تخطيطا. اما الشيء الغريب الذي يستحق التفكير فيه كثيرا وربما لفترة زمنية قد تطول وتطول دون ان نصل الي الحقيقة كاملة هي ان كل الباحثين المتخصصين في الشئون الحركات الاسلامية هم من المنشقين والتائبين والخارجين عن هذه الجماعات وكانوا اعضاء بل قيادات فاعلة بهذه الجماعات لفترات زمنية طويلة جدا، وفجأة اعلنوا استقالاتهم فردا فردا واصبحوا باحثين وفيهم اساتذة جامعيون في كل التخصصات واستمعنا ومازلنا نستمع الي كم الجرائم التي ارتكبتها جماعة الإخوان الإرهابية وفروعها المختلفة، والممارسات الخاطئة والمفاهيم والافكار المضللة للآلاف من اعضائها وقياداتها.. ثم نستمع من البعض منهم علي استحياء طلب التوبة والمغفرة والمصالحة مع هذه الجماعات.. التي ارتكبت كل تلك الجرائم.. من هذه القيادات المنشق البارز ثروت الخرباوي الذي تصدي لفكر هذه الجماعات قبل ثورة يناير وليس بعد سقوط الجماعة الإرهابية وفشلها في ادارة الدولة وافتضاح اهدافها الخبيثة في مشروع الإخونة لكل مفاصل الدولة المصرية، والاتفاق والتخطيط لتقسيم الدولة المصرية، واقامة الخلافة المزعومة! ولكن تبقي عدة اسئلة تحتاج الي اجابات صريحة وواضحة ما الاسباب التي دعت الي انشقاق هؤلاء عن الجماعة الارهابية، ولماذا كان الانتظار كل هذه السنوات حتي ينشقوا وينفصلوا عن تلك التنظيمات الإرهابية وممارستها الاجرامية، وكيف تحولوا الي باحثين في شئون الجماعات التي كانت تدعي انها إسلامية فقط؟!. كلمات ومعان ليس بالدساتير والقوانين فقط تحقق الدول أهدافها. صرف الارباح والحوافز للعاملين الفاشلين تأكيد لموافقة الدولة علي استمرار الفشل والخسائر وقلة الانتاج. تهديدات امريكا وأوروبا واسرائيل لمصر بأي عقوبة.. تأكيد علي ان مصر تسير في الطريق الصحيح. مصر في حاجة ماسة وشديدة الي ايجاد توازن بين الأمن والحرية. تمكين الشباب لا يتحقق بتعيين شاب وزير او نائب وزير، ولكن التمكين يتحقق بالمساواة وتكافؤ الفرص لمن تتوافر فيه شروط التمكين! زواج المال بالإعلام.. اخطر من زواج المال بالسلطة! معظم ضيوف الفضائيات تحولوا الي مذيعين بالفضائيات! رغم أزمة البطالة.. أهم ما تملكه مصر عقول ابنائها! تخريب جامعة الأزهر بأيدي طلابها.. كارثة!