بدأت نيابة الأموال العامة التحقيق في بلاغات تتعلق بخصخصة وبيع 288 شركة تابعة للقطاع العام علي عهد النظام السابق!، فلنا أن نتخيل حجم الجهد الذي سيبذل في نيابة الأموال العامة للتوصل الي ما كان مستورا أيام النظام السابق والتفاصيل المخزية التي أحاطت بالخصخصة والبيع الذي اجتاح القطاع العام المصري وأدي الي وجود حالة عامة من «الغرام والهوس» المتعلق بالتخلص من كافة مؤسسات وشركات القطاع العام!، وبدا الأمر أيامها وكأن هناك من يضمرون انتقاما لا تبرد نيرانه من الشعب الذي كان - قبل البيع - يملك ثروة من المشروعات المزدهرة، مع بعض الشركات المتعثرة التي كانت بحاجة الي بعض الأموال التي يمكن تدبيرها لإقالة هذه الشركات من عثراتها بالتطوير والإحلال والتجديد وما إلي ذلك، ولكن «أمراء الانتقام» من القطاع العام ومالكه الشعب، وعندما تحقق النيابة في ملابسات عملية التخلص من المزدهر والمتعثر من الشركات بوتيرة متسارعة حيث يستجيب ذلك للمتحرقين شوقا من المشترين الذين عرفوا كيف يقعون علي الصيد «الثمين السمين» بأقل الأثمان وأبخسها بمباركة الباعة المسئولين عن ذلك!، ولم يكن الباعة غير من يعتلون مناصب الوزراء ورؤساء الوزارات وغير هؤلاء من المختصين!، ولم تكن سياسة البيع والخصخصة تجد أدني اعتراض من أحد!، غير الذين كانت الدولة في ظل نظامها السياسي المخرب تعتبرهم معارضين للبيع بدافع لي ذراع النظام، وإرضاء لميولهم العقائدية السياسية التي تجعلهم يوالون الأفكار الشمولية التي كرهها النظام السابق واعتبرها ردة عن سياسة الانفتاح!، ولكي تتم «زيجة بيع كل شيء وأي شيء»، كان لابد أن تعمل حكومات هذا النظام علي إفقار منظم لوحدات وشركات القطاع العام سواء في ممتلكاته في المصانع أو الأراضي التي تعتبر سبيلا الي التوسع في المستقبل!، بل كانت وحدات القطاع العام المنتجة لسلع محلية في متناول أيدي الناس تجري أساليب عرقلتها في الحصول علي موافقات استيرادية لبعض المواد الخام ومستلزمات الإنتاج!، فلم يصدق أي مصري أن تقدم الدولة علي بيع شركات الأسمنت التي كانت واحدة منها وهي «أسمنت حلوان» تسد حاجة قطاع كبير في مجال التشييد والبناء، وتصدر بعض إنتاجها الي أسواق دول مجاورة!، ولم يصدق أي مصري أن بعض الوحدات والشركات المباعة - مثل شركة مشروبات الأهرام - تفرط فيها الدولة بالبيع لكل مصانعها وأراضيها في الجيزة والأقاليم، مع انفراد هذه الشركة بالسوق المصرية وبيع منتجاتها للدول الأفريقية وبعضها يفضل «مشروبات شركة الأهرام»!، فما أن تم بيع الشركة حتي بادر ملاكها الي التجارة في بيع مشروبات أجنبية بديلة بمقتضي توكيلات لشركات أجنبية!، ثم تخلص ملاك «الأهرام للمشروبات» بعد ذلك وخلال مدة وجيزة من الشركة بالبيع!، حين سنحت لهم فرصة ربح فلكي معروف!، وهل أجد نفسي في حاجة الي التذكير بشركة كولدير للتبريد، وقد واجهت ضغوطا هائلة ليقتصر إنتاجها علي نوعين من الإنتاج، في حين نجحت شركات أجنبية موردة لأجهزة مختلفة سواء مباشرة باستيلائها علي السوق أو عبر توكيلات مختلفة لرجال أعمال مصريين! وبقيت لنا مشاكل وأزمات شتي حتي الآن خاصة بالعمالة المصرية التي جري الملاك الجدد علي التخلص منها بابتكار «وسائل تخلص» مختلفة!، وتخفيض أعداد هذه العمالة بخروج العمال تحت ضغوط وتعسف هؤلاء الملاك!، ومشاكل التحكيم الدولي والقضايا المرفوعة علينا عندما حاولنا تدارك ما جري من الصفقات غير المتكافئة!، وقد يمكن لبعض التحقيقات أن تسفر عن كشف الكثير من المستور الذي أحاط بعض عمليات البيع!، وبعد أن أصبح الاتهام «بالشمولية» من قبيل إثارة الفزع في نفوس من عارضوا هذه السياسة التي أفقرت مصر!، ولكن المأساة أن سياسة بيع مصر كانت سياسة دولة انتفع بها أفراد!