الدولة تبيع الشركات بدعوى تراكم الخسائر والمديونيات في حين أنها تنفذ برنامج الخصخصة بضغوط من البنك وصندوق النقد الدوليين أحمد عز يبقي وزير الاستثمار هو المستفيد الأول من برامج بيع شركات القطاع العام بما يفعله من إضافة عائد بيع الشركات والخصخصة إلي الاستثمارات الأجنبية المباشرة كمؤشر علي نجاحه في زيادة حجم الاستثمارات يأتي بعده المشترون الذين ينقسمون إلي فئات رئيسية أولها الشركات العالمية الأجنبية وهي المستحوذة علي أكبر الشركات في عمليات البيع. عدد من الأمراء السعوديين مثل الأمير عبدالله إبراهيم والمستثمرين السعوديين والعرب ومعهم رجال أعمال مصريين مثل أحمد عز في «الدخيلة» ووزير الإسكان في بنكي «القاهرة»و«الإسكندرية»، وأضف إلي ذلك مؤسسات مالية وبنوك وشركات استشارية ساهمت في الترويج والتقييم لعمليات البيع بالإضافة إلي سماسرة حصلوا علي ملايين الجنيهات من الباطن خلال هذه الصفقات. وعلي مستوي القطاعات فقد استفادت شركات القطاع الخاص والعالمية التي تعمل في نفس قطاع شركات القطاع العام التي أوقف نشاطها بعد خصخصتها. هؤلاء هم المستفيدون من عملية الخصخصة وبيع القطاع العام دون النظر إلي وجود عمليات فساد تخللت الصفقات، فالحكومة تبيع شركات القطاع العام بدعوي تراكم الخسائر والمديونيات، بينما هي في الواقع تنفذ سياسات البنك وصندوق النقد الدوليين وهو ما حدث مع شركة المراجل البخارية التي اشترتها شركة «أمريكية كندية» قامت بإيقاف محطات إنتاج الغلايات بالكامل فاستفادت الشركات الأخري التي تنتج الغلايات وهي أجنبية بالطبع، لأن مصر تحولت لاستيرادها من الخارج، إضافة إلي مجموعة المستوردين أيضاً استفادوا من وقف الإنتاج. هكذا تتم عملية الخصخصة وبيع شركات القطاع العام، فالذين اشتروا الشركات هم أول المستفيدين وشركات القطاع الخاص التي تعمل في نفس القطاع استفادت من إغلاق الشركات بعد شرائها وتضررت إن لم تكن أغلقت تماماً بسبب شركات اشتراها رجال أعمال لتركيز احتكار السوق في شركات معينة مثلما حدث مع شركة «الدخيلة» التي اشتراها أحمد عز فازدادت الشركة في التضخم، وأخذت شركات أخري بقطاع الحديد في الانهيار، أما المستثمرون العرب فهم أبرز المستفيدين في قطاع الأسمنت الذي ذهب للأجانب بالكامل وفندق الميريديان الذي ذهب للمستثمر السعودي الأمير عبدالله إبراهيم والأهرام للمشروبات التي ذهبت إلي 7 مؤسسات مالية. أما عن واضع سياسة الخصخصة ومنفذها محمود محيي الدين وزير الاستثمار فقد استفاد بالأساس في ضم نتائج هذه الصفقات إلي حصيلة زيادة الاستثمارات الأجنبية كمؤشر علي نجاحه في زيادة الاستثمارات المباشرة من وجهة نظره ويعد بذلك علي رأس قائمة المستفيدين، والتي تضم أيضًا رجال الأعمال المصريين أصحاب التوكيلات العالمية المنافسة لشركات القطاع العام التي تعمل في المجالات نفسها. يؤكد محمد المهندس عضو مجلس إدارة غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات أن أي مشتر لشركة قطاع عام قائمة مستفيد لأن التكاليف التي سيتحملها مهما كانت أقل من تكاليف إنشاء مصنع جديد حيث يشتري المستثمر الشركات باعتبار أنها خاسرة ومحملة بالأعباء، فيأخذ مثلاً مصنعاً في موقع متميز بسعر أقل كثيرًا من قيمته الحقيقية وبالنسبة للمجمع الصناعي فالعمال يتم تحويلهم إلي المعاش المبكر والمعدات يجري تطويرها أو إحلال بدائل لها توفر الاستثمار في نفس النشاط الصناعي وقد يأخذ الأرض ويبيع جزءًا منها. ويضيف المهندس: القطاع العام قطاع استراتيجي به أخطاء ولكن يمكن إصلاحها والحكومة هي التي أثقلته بالأعباء والخسائر وهناك نماذج لشركات قطاع عام ناجحة مازالت مستمرة مثل مصر للألومنيوم فلماذا لا تطبق تجربتها علي باقي الشركات؟! في تقييم برنامج الخصخصة منذ عام «1992 حتي 2006» المنشور علي موقع وزارة الاستثمار إذ أن دراستهم أثبتت أن مواقع المستثمرين لشراء الشركات تباينت مابين توافر إمكانية زيادة الأرباح في المستقبل والاستفادة من الاسم التجاري وإمكانيات وفرص التصدير، وحسب بيانات وزارة قطاع الأعمال العام في تقريرها عن برنامج الخصخصة كما يذكر أحمد النجار في كتابهاً «الانهيار الاقتصادي في عصر مبارك» فإن الحكومة المصرية منذ بدء برنامج الخصخصة عام 1993 حتي مايو 2003 قامت ببيع 194 شركة من شركات القطاع العام فضلاً عن 38 مصنعًا تم بيعها أو تأجيره وبلغت قيمة هذه الشركات المباعة 16 مليارًا و618 مليون جنيه وهو العائد الذي استفاد منه محمود محيي الدين باعتباره مؤشرًا علي زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كانت أكبر صفقات تمت خلال الفترة حتي عام 1994 بيع شركتي بيبسي كولا التي أشرنا إليها وصفقة شركة كوكا كولا «النصر لتعبئة الزجاجات» تم بيعها إلي شركات «ماك انفستمنت وماك بفرد جز، وأتلانتك وسوفت درنك»، وكانت حصيلة البيع حتي عام 1994، 418 مليون جنيه وازدادت بعد بيع حصص قليلة في البورصة لشركات أسمنت طرة وشركات أدوية وإسكان. وفي قطاع الأدوية وهو من أهم القطاعات الاستراتيجية طرحت الحكومة أسهم 5 شركات وهي: «ممفيس للأدوية»، والشركة العربية للأدوية، وشركة القاهرة للأدوية، وشركة النيل للأدوية وشركة الإسكندرية للأدوية بنسبة «40%» من أسهم كل شركة منها للبيع بالبورصة وزعت بين «30%» لجمهور مستثمرين وصناديق استثمارات ومؤسسات مالية و«10%» لاتحاد العاملين المساهمين بالشركة، وأضيف إليهم عاملون بالشركة دخلوا بأسمائهم الشخصية. ويقول أسامة رستم - عضو غرفة الأدوية باتحاد الصناعات - إن الدواء صناعة استراتيجية تتعلق بالأمن القومي، ولهذا فإن قرار التراجع عن بيع شركاته وإنشاء شركة قابضة تقوم بالإدارة بطريقة السوق الحرة هو الحل الأمثل، مشيراً إلي أن »البيانات الصادرة عن شركة «i.m.s» وهي من كبري شركات تحليل الأسواق « بالعالم، فيما يتعلق بالأدوية أظهرت أن حصة شركات الأدوية التابعة للحكومة تراجعت حصتها بالسوق حيث كانت عام 2004 تمثل «5.18%» من إجمالي كميات الدواء بالسوق انخفضت عام 2009 إلي «12%» فقط، وهذه الحصة التي فقدتها تحولت تلقائياً إلي شركات القطاع الخاص المصري القائمة التي ازدادت حصتها بالسوق من «38%» عام 2004 إلي 51% عام 2009، والشركة العالمية حصتها من 32% إلي «4.39»، وأما حجم الأدوية المستوردة فتمثل نسبة «5%» من حجم كميات الأدوية في السوق المصرية عام 2009. وأشار رستم إلي أن هناك حوالي 4 شركات يملكها رجال أعمال مصريون هي كبري الشركات بالسوق ومنها شركة «إيبيكو» وتمتلكها مؤسسات مالية وبنوك وشركة «أكديما» التي يمتلكها الدكتور عوض تاج الدين - وزير الصحة السابق - التي تمتلك نسبة تصل إلي «43%» في «إيبيكو» والشركة الثانية «فاركو» ويمتلكها الدكتور حسن عباس هو وأبناؤه الذين يديرونها، وشركة «المهن الطبية» وتمتلكها مؤسسات مالية وأيضاً شركة «أكديما» ولها أسهم بالبورصة، وهناك أيضاً شركة «إيفا» وشركة «جلوبال نايي» وهي إحدي الشركات العالمية العاملة في مجال الأدوية، أما قطاع الأسمنت فقد باعته الحكومة، فمن بين 13 مصنع أسمنت قائماً، فضلاً عن المصانع التي حصلت علي رخص جديدة منذ عام في مزاد هيئة التنمية الصناعية لم تبق سوي شركة حكومية واحدة فقط في قطاع الأسمنت وبقية الشركات باعتها الحكومة إلي مجموعة «لافارج» الفرنسية العالمية، ومجموعة السويس ذهبت إلي «أسمنتي إيطالي» مجموعة إيطالية ومجموعة «سيمكس» المكسيكية واستحوذ الأجانب علي نسبة كبيرة من صفقات بيع شركات القطاع العام في قطاعات أخري غير الأسمنت، مثل شركة النصر للغلايات «المراجل البخارية» واشترتها شركة «بابكواند ويلكوكس» الأمريكية الكندية التي أسند إليها عملية محطة كهرباء الكريمات بقيمة 600 مليون دولار، وانتهت بعد ذلك بإيقاف إنتاج الغلايات العملاقة التي تعتمد عليها محطات الكهرباء، وفندق المريديان تم بيعه إلي الأمير السعودي عبدالله إبراهيم «فندق جراند حياة حالياً» بمبلغ 75 مليون دولار، وهذا المبلغ لا يوازي سوي «40%» من قيمة الأرض وحدها. وفقاً لأحمد النجار في فصل خاص حول «انفجار الفساد وذروته برنامج الخصخصة» بكتابه «الانهيار الاقتصادي في عهد مبارك»، ولا تتجاوز قيمة الأرباح الصافية للفندق في أربع سنوات. وشركة الزجاج المسطح يعكس السيناريو الذي تم بيعها من خلاله مدي الاستفادة التي تعود علي المشترين للقطاع العام، حيث كانت شركة «جاريان» الأمريكية أول من تقدم بعرض للشراء، وكانت مملوكة ليهودي هو «دافيد سون» وتقدم سنوياً تبرعات ضخمة لإسرائيل وقدمت سعراً متدنياً في البداية، ولكن شركة أخري «بلكنجتون» عرضت سعراً أعلي وهو 160 جنيهاً للسهم، فرفعت الأخري عرضها إلي 169 جنيهاً للسهم، فرفعت «بلكنجتون» سعرها إلي 171 جنيهاً للسهم ثم 175 جنيهاً حتي تم استبعاد الشركة الأمريكية وفاز بها مستثمر كويتي قيل إنه يرتبط بعلاقات عمل مع رئيس الوزراء السابق، واشتري الفندقين العائمين «إيزيس» و«أوزوريس» التابعين للشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق «إيجوث» الشيخ محمد بن عيسي الجابر. وفي صفقة بيع فندق وكازينو شيراتون القاهرة في مرحلتها الأولي تم وقف إجراءات البيع لتقدم عروض متدنية القيمة من 4 شركات في مقدمتها شركة الخرافي التي عرضت 235 مليون جنيه، والمجموعة السعودية المصرية للاستثمارات 81 مليون دولار، وشركة بروجست «عماد حسين» بمبلغ 125 مليون جنيه وتم بيعه بقيمة «135 مليون دولار». وشركة النوبارية لإنتاج البذور «نوباسيد» تم بيع أسهمها بالكامل إلي الشركة العربية السعودية للاستثمار الصناعي، وشركة الدلتا للطوب الرملي اشترت شركة «بلينا» اليونانية «90%» من أسهمها. أما شركة الأهرام للمشروبات فاشترتها 7 مؤسسات مالية أمريكية «صناديق استثمار» بقيمة 231 مليون جنيه، ثم عرضت شركة «هاينيكن» العالمية شراء كل أسهم الأهرام للمشروبات ب 287 مليون دولار بما يوازي حينها مليارًا و 325 مليون جنيه وبدون شركة الجوبة للمشروبات فإن السعر المعروض من «هاينيكن» العالمية يصبح سعر العرض الذي تقدمت به ملياراً و125 مليون جنيه بما يوازي 7.3 مرة السعر الذي تم بيع الشركة به. وبصفة عامة ووفقًا للخبير الاقتصادي أحمد النجار فإن المؤشر الذي يدلل علي حجم إهدار المال العام الذي انطوت عليه عملية الخصخصة هو الفارق بين التقديرات الخاصة بالقيمة السوقية لقطاع الأعمال العام والقيمة الفعلية التي بيعت بها الشركات، حيث أشير في جريدة الأهرام في أبريل 1990 إلي أنها تتراوح بين 84 و 100 مليار جنيه ما بين 42 و 50 مليار دولار، وكان الدولار يساوي حينها 2 جنيه مصري، وفي الوقت نفسه أشار أحد الكتاب إلي أنها تبلغ وفقًا للتقديرات الحكومية نحو 345 مليار جنيه، أي «5.172 مليار دولار، والدكتور كمال الجنزوري وزير التخطيط ونائب رئيس الوزراء عام 1991 قال إن قطاع الأعمال تتحكم في استثمارات قيمتها 124 مليار جنيه بما يوازي 37 مليار دولار، وعام 1993 قال وكيل أول بنك الاستثمار القومي إن القيمة الفعلية تزيد علي 500 مليار جنيه بينما تبلغ قيمة كل ما باعته الدولة من شركات تمثل الغالبية العظمي من القطاع العام حتي الآن 2.25 مليار جنيه مصري فقط، ناهيك عن أن برنامج الخصخصة أدي إلي قطع الطريق علي تنفيذ استثمارات خاصة جديدة يحتاجها الاقتصاد، حيث إن الأموال التي دفعها القطاع الخاص كانت ستتحول كليا أو جزئيا لبناء استثمارات جديدة، وكون عملية الخصخصة هي بيع لمشروعات جاهزة وغالبيتها الساحقة تحقق أرباحًا ولها أسواقها الفعلية ولا تنطوي علي مخاطرة وبالتالي فإن شراء القطاع الخاص لمثل هذه المشروعات لا يساهم في بناء خبرات استثمارية ملهمة للقطاع الخاص ويكرس الأداء الروتيني له وضعف القدرات الاقتحامية ويكرس أسوأ ما في الثقافة الاستثمارية لهذه الطبقة وهي ثقافة «الخبطة» التي تتركز في عملية الشراء ذاتها بأقل قيمة ممكنة وتفادي المخاطر.