عندما تتحول الخصخصة في مصر.. من بيع للشركات الخاسرة إلي بيع للشركات الرابحة.. وللأجانب تحديداً أحمد السيد النجار تعود جذور هذه القضية إلي شهر أبريل من عام 2009، عندما عقدت المنظمة العربية لمكافحة الفساد - تأسست عام 2005 كمنظمة غير ربحية - مؤتمرا لها في العاصمة اللبنانية «بيروت»، وهناك طرح الباحث أحمد السيد النجار - رئيس الوحدة الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ورئيس تحرير تقرير «الاتجاهات الاقتصادية الاستراتيجية» الصادر عن المركز - ورقة بحثية مهمة عن الإطار القانوني والبرلماني للرقابة المالية في مصر وكيفية تطويره، قبل أن يتم نشرها في كتاب يضم كل الأوراق البحثية التي تم طرحها في المؤتمر في نوفمبر من العام الماضي، ولأن الجزء التاسع والأخير من الدارسة يتعامل مع مشروع «الخصخصة» وكيف ضربه الفساد في عمق العمق، فإن ذلك دفع وزارة الاستثمار- المسئول الأول الرسمي عن الخصخصة - للرد علي ما جاء في الدراسة، وكان لافتاً أن رد وزارة الاستثمار جاء مذيلا بتوقيع مستشارين لوزير الاستثمار د.محمود محيي الدين، وليس بتوقيع الوزير شخصيا، لكن الأمر لم تقف حدوده عند ذلك فحسب، بل استغل أحد مستشاري الوزير وجوده للمشاركة في ورشة العمل الإقليمية المقامة في البحرين في مارس 2010 ليشن هجوماً علي المنظمة العربية لمكافحة الفساد وعلي الباحث أحمد السيد النجار شخصيا، وهو ما دفع عامر الخياط - الأمين العام للمنظمة- للرد بنفسه علي أقوال وزارة الاستثمار فيما يتعلق بما جاء في البحث عن الخصخصة، قبل أن يكتب الباحث أحمد السيد النجار ردا علي رد وزارة الاستثمار. في الصفحتين القادمتين نستعرض أجزاء من دراسة الخصخصة وردود وزارة الاستثمار والمنظمة العربية لمكافحة الفساد وأيضا الرد - الذي ينشر لأول مرة- للباحث أحمد السيد النجار، ولابد لمن يقرأ كل هذا أن يتساءل في جزع: «من أين يأتي كل هذا الفساد في مصر»؟! والأهم من أين يأتي أصحابه بكل هذه الجرأة علي الكذب؟ يصدر النجار دراسته المهمة عن الخصخصة بقوله: «بالرغم من أن القطاع العام، قد حقق نجاحات مهمة ومكن مصر من بناء أعظم مشروعاتها علي مر العصور وهو السد العالي، ومكنها أيضا من بناء قواعد مهمة للصناعة الثقيلة والصناعات الاستهلاكية، ومن تحويل قطاع الصناعة إلي القطاع الأكثر حركية وتأثيرا في الاقتصاد، كما مكنها من أن تواجه التحديات الخارجية المتمثلة في إسرائيل بالذات خلال الفترة الحرجة بين حربي 1967، و1973، التي أثبت الاقتصاد المصري وبالذات قطاعه الصناعي خلالها، قدرته علي تشكيل رافعة مهمة للقوة الشاملة للدولة في مصر...بالرغم من كل ذلك، فإن الحكومات المصرية المتتابعة منذ بدء الانفتاح الاقتصادي، قد تركت هذا القطاع يغرق في سوء الأداء وضعف كفاءة قياداته والفساد الذي ينهشه، وحملته بسياساتها الاجتماعية بدلا من دفع التحويلات الاجتماعية مباشرة إلي مستحقيها، مما عرضه للخسائر وانتهي الأمر بطرح هذا القطاع للبيع للقطاع الخاص المصري والأجنبي ضمن عملية التحول نحو الاقتصاد الرأسمالي الحر في مصر، بدلا من إصلاح هذا القطاع، مع فتح المجال أمام القطاع الخاص للعمل في جميع قطاعات الاقتصاد. متوصلا إلي قناعة مفادها أن «عملية البيع تلك لم تكن أكثر من حلقة في السلسلة العالمية من عمليات بيع القطاع العام في الدول النامية والدول الاشتراكية السابقة، إلي القطاع الخاص المحلي والأجنبي بضغوط قوية من صندوق النقد والبنك الدوليين ومن الدول الدائنة، تلك العمليات التي انطوت علي مستويات مذهلة من الفساد ونهب المال العام بالذات في بلدان مثل مصر حيث لا توجد شفافية في غياب الديمقراطية الحقيقية التي تعني الفصل بين السلطات والتوازن بينها ووجود آليات فعالة لتداول السلطة» أما السبب في ذلك فيرجعه النجار إلي أنه عندما تم طرح مفهوم الخصخصة في مصر، فإن ذلك تم علي أساس بيع الشركات الخاسرة، لكن ما حدث هو العكس تماما، إذ تم بيع الشركات الرابحة بضغوط من صندوق النقد الدولي والدول الدائنة ليتحول الأمر باختصار شديد إلي: «أكبر نهب تتعرض له مصر في تاريخها الحديث، وأكبر إهدار للمال العام ولكل ما بنته الحكومات والأجيال السابقة علي يد حكومات الرئيس مبارك» علي حد تعبير الدراسة. وإذا كان مشروع الخصخصة قد بدأ منذ أوائل التسعينيات، فإن النجار يؤرخ لتسارع وتيرة الخصخصة والفساد أيضاً مع مجيء حكومة نظيف في منتصف عام 2004، مستعرضا مجموعة من نماذج عمليات الخصخصة الفاسدة التي تم من خلالها نهب المال العام وتبديد الأصول التي بنتها الأجيال والحكومات السابقة وهي المشروعات التي نوجز نصوصاً عنها كما ورد في الدراسة طبق الأصل. 1- صفقة بيع شركة النصر للغلايات (المراجل البخارية): تعتبر هذه الصفقة علامة مميزة علي الفساد الذي يمكن أن يكتنف عملية الخصخصة. وتبلغ المساحة المقامة عليها الشركة 31 فداناً أي 130.2 ألف متر مربع، وتقع الشركة في منطقة منيل شيحة علي النيل مباشرة قبالة حي المعادي علي الجهة الأخري من النيل. وقد قدمت خمسة عروض لشراء هذه الشركة عند عرضها للبيع، وكل العروض قدمت من شركات أجنبية تنتمي إلي الولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان. وكانت الشركة قبل خصخصتها تضم 1100 عامل، وكانت تنتج أوعية الضغط من طن واحد إلي 12 طنا وبسعات تصل إلي 1300 طن بخار في الساعة ومراجل توليد الكهرباء وأوعية غازات سائلة ووحدات تنقية مياه الشرب وتحلية مياه البحر وغيرها من المنتجات. وكانت الشركة تحقق أرباحا حتي العام المالي 1991، قبل أن تدخلها وزارة قطاع الأعمال العام وكان الوزير وقتها د. عاطف عبيد، في توسعات استثمارية طويلة الأجل ممولة بقروض قصيرة الأجل وهي حيلة تم من خلالها تحويلها إلي شركة مديونة وخاسرة قبل أن يتم بيعها. وربما كان دفع هذه الشركة إلي هاوية الديون والخسارة عملا متعمدا لتبرير بيعها، لأنه ليس هناك أي منطق في دخول شركة سيتم بيعها في استثمارات جديدة توقعها في أزمة مديونية. لكن «تخسير» الشركات الرابحة والمهمة هو سلوك تلجأ إليه الجهات المسئولة عن خصخصة القطاع العام في العديد من البلدان النامية لتبرير بيع شركات إستراتيجية تقوم بدور حيوي في الاقتصاد أمام المعارضين لهذا البيع. وقد أسندت عملية تقييم ثمن الشركة إلي بيت خبرة أمريكي يتبع شركة «بكتل» العقارية العملاقة. وتم تقدير ثمن الشركة من قبل بيت الخبرة المذكور بما يتراوح بين 16 و24 مليون دولار. وهو سعر يقل كثيرا عن سعر الأرض المقامة عليها الشركة لو تم تقييمها كأرض بناء حيث يبلغ هذا السعر ما يوازي نحو 100 مليون دولار أو نحو 330 مليون جنيه آنذاك. وهذا يؤكد أن بيت الخبرة الأمريكي «بكتل» وضع تقديره المتدني لسعر الشركة لصالح المشترين المحتملين وعلي رأسهم الشركة الأمريكية التي تقدمت بعرض لشراء الشركة المصرية. وتم البيع إلي شركة أمريكية - كندية هي شركة «بابكو آند ويلكوكس» دون التزام الشركة المشترية بسداد الديون والضرائب المستحقة علي شركة النصر للغلايات. وبعد خصم هذه المستحقات، أصبح المتبقي من ثمن الشركة نحو 2.5 مليون جنيه مصري أي أقل من ثلاثة أرباع مليون دولار وبعد عملية البيع تم إسناد عملية محطة كهرباء الكريمات بقيمة 600 مليون دولار إلي الشركة الأمريكية - الكندية المشترية لشركة المراجل البخارية المصرية. 2- خصخصة شركة الزجاج المسطح: بلغت قيمة الأرباح الإجمالية للشركة المصرية للزجاج المسطح في الاثني عشر شهرا المنتهية في 2001/9/30، نحو 50.3 مليون جنيه بنسبة 33.5% من رأسمالها المدفوع البالغ 150 مليون جنيه، ونحو 27.5% من إجمالي حقوق المساهمين التي بلغت نحو 183 مليون جنيه في نهاية سبتمبر من العام الماضي، ونحو 8.3% من إجمالي قيمة الاستثمارات البالغة نحو 600 مليون جنيه. أما الأرباح الصافية فقد بلغت 27.1 مليون جنيه في الاثني عشر شهرا المنتهية في نهاية سبتمبر 2001، بما يوازي 18.1% من إجمالي رأس المال المدفوع، ونحو 14.8% من إجمالي حقوق المساهمين، ونحو 4.5% من إجمالي قيمة استثماراتها. ورغم أن الفارق بين إجمالي الأرباح وصافي الأرباح، يعد ضخماً ويحتاج لمراجعة بنود المصروفات العادية وغير العادية، فإن الشركة تظل متميزة الأداء. وتقوم الشركة بصناعة الزجاج المسطح الشفاف، وهي واحدة من الشركات النادرة في الدول النامية وفي المنطقة بصفة خاصة، ولها سمعة إقليمية ودولية جيدة، وتدخل منتجاتها ضمن أعمال العديد من القطاعات وعلي رأسها قطاع العقارات. وخلال عملية المنافسة بين الشركات الراغبة في شراء الشركة المصرية للزجاج المسطح، قدمت تلك الشركات أسعاراً منخفضة كثيراً عن القيمة الحقيقية للشركة. وكانت شركة «جارديان» الأمريكية هي أول من تقدم بعرض للشراء، وهذه الشركة تقدم سنوياً تبرعات ضخمة لإسرائيل، أي أنها شركة معادية لمصر والعرب عموما. وقد قدمت الشركة في عرضها الأول سعراً متدنياً للغاية للسهم، ثم عرضت شركة بلكنجتون شراء الشركة بسعر160 جنيهاً للسهم، مما دفع شركة «جارديان» الأمريكية لرفع عرضها إلي 169 جنيها للسهم. ومقابل هذا العرض الأمريكي، قامت شركة بلكنجتون بتقديم عرض منشور في إعلان صحفي من الشركة في 2002/5/13(جريدة الأهرام) لشراء السهم بسعر 171 جنيها، ثم قدمت عرضا جديدا في 2002/5/20(جريدة الأهرام) لشراء السهم بسعر 175 جنيها علي أن تشتري 70% علي الأقل من أسهم الشركة تضاف إلي ال 10% التي تملكها بالفعل لتصبح مالكة لنسبة 80% من أسهم الشركة علي الأقل. ووفقا لأعلي سعر، فإن ثمن الشركة بأكملها يصبح 306.3 مليون جنيه منها 30.6 مليون جنيه قيمة الحصة القائمة فعلاً لشركة بلكنجتون، ليتبقي 275.7 مليون جنيه، منها نحو 214.2 مليون جنيه حصة الشركات العامة. وقد نجحت الحملة التي تم تحريكها من وزارة قطاع الأعمال نفسها ومن رئيس الوزراء آنذاك، في إبعاد الشركة الأمريكية لتذهب الصفقة إلي مستثمر كويتي تربطه علاقات عمل مع رئيس الوزراء المشار إليه والتساؤلات المطروحة: هل هناك منطق في بيع شركة إستراتيجية رابحة تمول مالية الدولة ويندر وجود مثيل لها في الدول النامية، إلي القطاع الخاص وبالذات الأجنبي؟! هل السعر المعروض لشراء الشركة(306.3 مليون جنيه) يتناسب مع قيمة الأرض والآلات والاسم التجاري وشبكة التسويق الداخلي والخارجي للشركة والاستثمارات التي تم ضخها فيها (600 مليون جنيه)؟! 3 - صفقة بيبسي كولا: تعد صفقة بيع الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (شركة بيبسي كولا المصرية) واحدة من أهم وأكبر صفقات خصخصة الشركات المصرية العامة حتي الآن. كما تعد عملية تقييمها والسعر النهائي الذي بيعت به نموذجاً تطبيقياً للإشكاليات والمحاذير المرتبطة بعملية التقييم أيا كان الطرف الذي يقوم بها. وتبدأ صفقة بيع «بيبسي كولا المصرية» وهي شركة كانت تحقق أرباحاً جيدة، بصدور تكليف من الحكومة المصرية في 3 فبراير 1993 لبيع الشركة وتوسيع قاعدة مالكيها. وتم طرح كراسات الشروط للراغبين في الشراء في مارس من العام ذاته وسط محاولات دعائية لترويج عملية بيع الشركة. ونظرا لأن الشركة تملك قطعة أرض كبيرة في شارع مصطفي كامل في الإسكندرية، فإن سعر تقييم الشركة ارتفع لدي إدخال قيمة هذه الأرض في الحسبان كأرض يمكن استخدامها في أي غرض وليس كأرض مستخدمة في غرض معين لا يمكن تغييره. ولدي إعادة تقييم أصول شركة بيبسي كولا المصرية تم تقدير أقصي قيمة سوقية لها عند 140 مليون جنيه مصري، وذلك من خلال المكتب الاستشاري للشركة القابضة للصناعات الغذائية. حيث أوصي المكتب بأن تكون قيمة بيع شركة بيبسي كولا المصرية بما يتراوح بين 100 و140 مليون جنيه مصري علما بأن شركة بيبسي كولا المصرية تملك 8 مصانع لتعبئة الزجاجات و18 خطا إنتاجيا بطاقة خمسين مليون صندوق، فضلاً عن أسطولها الضخم من سيارات النقل التي تقوم بتوزيع المنتجات في جميع أنحاء مصر، كما يتراوح حجم المبيعات السنوية للشركة بين 70 و80 مليون جنيه مصري بأسعار عام 1993. ومع وجود عرض من شركة مصروب المصرية بلغت قيمته 103 ملايين جنيه مصري ويشتمل علي 23 مليون جنيه قيمة أرض متنازع عليها، قام رجل الأعمال المصري محمد نصير وشركاؤه برفع سعر تقييم شركة بيبسي كولا المصرية إلي 129 مليون جنيه مصري. وفي بداية عام 1999 أعلنت شركة بيبسي كولا أنها اشترت حصة تبلغ 77% من الشركة المصرية لتعبئة الزجاجات (بيبسي كولا المصرية) وبلغ حجم الصفقة 400 مليون دولار (جريدة الأهرام، 1999/2/5.)، وهذا المبلغ يوازي 1360 مليون جنيه، أي أكثر من 8.6 مرة قدر سعر شراء الشركة كلها من الدولة!! وفضلا عن التحفظات بشأن سعر المصانع وخطوط الإنتاج وأسطول السيارات، فإن تقييم سعر الأرض المملوكة للشركة كان مثيرا للجدل، إذ أن سعر التقييم لم يضع في الاعتبار احتمالات استخدام تلك الأرض في أغراض غير بناء المصانع أو المخازن، مثل بناء العقارات أو غيره، علما بأنه ليس هناك نص يلزم الشركة بعدم استخدام الأرض في أغراض أخري بعد أن مر أكثر من خمس سنوات علي بيع الشركة من القطاع العام للقطاع الخاص. وتملك الشركة أراضي في شارع مصطفي كامل بالإسكندرية وسعرها كأرض بناء يوازي حالياً قرابة ضعف الثمن الذي بيعت به الشركة كلها، كما تملك الشركة أرضاً في شارع الهرم بالقاهرة وعند تقدير قيمة هذه الأراضي وقت بيع الشركة، وفقاً لأسعار السوق للأراضي التي تستخدم للبناء فإنها تفوق إجمالي سعر بيع الشركة من القطاع العام إلي القطاع الخاص. 4 - عملية خصخصة البنك المصري الأمريكي: يعد البنك المصري الأمريكي أحد أفضل البنوك المصرية من حيث الأداء، حيث بلغت أرباحه نحو 337 مليون جنيه بواقع 5 جنيهات للسهم في عام 2005 وبلغت مخصصات القروض فيه قيمة رمزية هي جنيه واحد نظرا لأن قروض البنك سليمة وعملاءه ملتزمون بالسداد، وهو وضع ممتاز لا يتوافر لأي بنك آخر تقريبا، ويمتلك بنك الإسكندرية نحو 30.8% من أسهم البنك المصري الأمريكي، بينما يملك بنك أمريكان اكسبريس 41%، ويملك صغار ومتوسطو المستثمرين باقي الأسهم. وإذا كان الأمر الطبيعي أن يأتي المشتري إلي البائع، فإن رئيس بنك الإسكندرية سافر إلي باريس عدة مرات لإنهاء صفقة البيع بدلا من التفاوض مع مندوب بنك كاليون، وبرر هذا الأمر بأن التفاوض مع كل مجلس إدارة البنك الفرنسي أفضل من التفاوض مع المندوب. وهذا الأمر يضفي بعض الشبهات التي لم تكن لها أي ضرورة، وكان من الأفضل البعد عنها. الصدمة الكبيرة في هذه الصفقة فقد تمثلت في أن وزيرين في الحكومة الراهنة-الدراسة منشورة في أبريل 2009 - أحمد المغربي وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، ومحمد منصور وزير النقل هما من قام بشراء البنك بالاشتراك مع كريدي أجريكول فرنسا «كاليون»، حيث ستصبح حصة الوزيرين من صفقة الشراء 25% مقابل 75% لبنك كاليون. وجدير بالملاحظة أن أحمد المغربي كان عضوا بمجلس إدارة بنك «HSBC» البريطاني، وهو أحد البنوك التي تقدمت بعرض لشراء البنك المصري الأمريكي بسعر منخفض بلغ 31 جنيها للسهم، وهو أمر يبرر الظن بإمكانية حدوث تواطؤ واتفاق بين البنك المذكور وبنك كاليون الذي اشترك معه المغربي في صفقة شراء البنك المصري الأمريكي، من أجل تخفيض الأسعار المعروضة لشراء البنك المذكور. كما أن محمد منصور كان عضوا بمجلس إدارة «كاليون» وأعلن أنه قدم استقالته في 28 ديسمبر 2005 بعد أن أصبح وزيرا، لكنه كان قد حسم صفقة البيع التي تم توقيع عقدها بعد في 5/1/2006 كما أن هذه الاستقالة سواء كانت حقيقية أم شكلية، فإنها لا تنهي ارتباطه المصلحي مع البنك الذي يملك حصة كبيرة فيه. وهو أمر يظهر سوء عاقبة دخول رأس المال إلي الحكم وسيطرته علي مواقع مهمة فيه. 5 - صفقة عمر أفندي تميزت صفقة بيع «عمر أفندي» بأنها أول صفقة يخرج فيها أحد أعضاء لجنة التقييم التي شكلتها وزارة الاستثمار ليروي تفاصيل محاولة الوزير فرض تقييم محدد للشركة بالمخالفة للتقييم الحقيقي الذي أجرته هذه اللجنة. وقد تم الضغط علي أعضاء لجنة تقييم «عمر أفندي» للتوقيع علي هذا التقييم المعد سلفا من وزارة الاستثمار. لكن المهندس يحيي حسين عبد الهادي خرج رافضا لهذه الطريقة في إهدار قيمة الأصل العام المملوك للشعب وقدم بلاغا للنائب العام حول إهدار المال العام في صفقة «عمر أفندي» مشيرا إلي أن الفارق بين تقييم اللجنة التي شكلتها الوزارة وبين السعر المعروض في «عمر أفندي» يبلغ نحو 690 مليون جنيه. وبغض النظر عن أن النائب العام قد حفظ البلاغ، فإن حقيقية وجود فارق هائل بين تقييم أقل من معتدل لسعر «عمر أفندي» وبين السعر البالغ التدني الذي كانت وزارة الاستثمار تريد تمريره لبيع هذه الشركة، قد أصبح واضحا وتحولت القضية لقضية رأي عام. وعودة إلي شركة «عمر أفندي نفسها، فإن عدد فروعها يبلغ 82 فرعا متعددة الأدوار تبلغ مساحتها الإجمالية نحو 77 ألف متر مربع وتقع في قلب القاهرة والمدن الكبري في أفضل وأغلي المواقع سعرا، ويبلغ عدد المخازن الرئيسية 7 مخازن تبلغ مساحتها نحو 61.3 ألف متر مربع، وعدد المخازن الفرعية 65 مخزنا مساحتها 13.3 ألف متر مربع، و35 شقة واستراحة، و12 فيللا ببلطيم، و10 وحدات سكنية بمرسي مطروح، و146 سيارة نقل بضائع، و55 سيارة ركوب، و11 مقطورة. ويبلغ عدد العاملين في الشركة 5820 عاملا. وقد تم بيع 90% من شركة عمر أفندي إلي شركة «أنوال» المتحدة السعودية بمبلغ 589.5 مليون جنيه بسعر 38.53 جنيه للسهم، مع احتفاظ الشركة القابضة للتجارة بنسبة 10% من أسهم الشركة، بدعوي متابعة تنفيذ بنود العقد والحفاظ علي حقوق العاملين، علي أن يعاد النظر في تمليك هذه النسبة للعاملين مستقبلا في حالة توفر السيولة لديهم. 6 - استكمال خصخصة «الإسكندرية للأسمنت»: تعد خصخصة هذه الشركة منذ عام 1999 نموذجا لكارثة البيع لمستثمر استراتيجي مع احتفاظ العاملين أو الشركة بأسهم أقلية، حيث ثبت بالتجربة أن الشركة المشترية تعمد إلي تخسير الشركة محاسبيا علي الأقل وتحويل أصولها إلي الشركة الأم للإضرار العمدي بصغار المستثمرين وبحصة المال العام لإجبارهم علي بيع حصتهم في الشركة. وقد حدث هذا الأمر حرفيا دون أن تحرك وزارة الاستثمار وقطاع الأعمال ساكنا، بل إنها مستعدة لتجربة البيع لمستثمر استراتيجي كما تعلن بشأن العديد من الشركات الأخري المطروحة للبيع. وقد تم بيع 73% من أسهم الشركة إلي شركة أجنبية هي بلوسيركل، وذلك في عام 1999 بسعر 80 جنيها للسهم، وهو سعر اعتبره عدد كبير من المساهمين يقل عن القيمة الحقيقية للسهم لذلك لم يقبلوا ببيع أسهمهم. وقد احتفظت الشركة القابضة للصناعات الكيماوية بنحو 1.47% من أسهم الشركة، ارتفعت إلي 6.97% بعد أن استردت الشركة الأسهم المباعة لاتحاد العاملين لعدم التزامهم بالسداد. وهذه الحصة تتيح للشركة القابضة الاعتراض علي قرارات مجلس إدارة بلوسيركل إذا كانت هذه القرارات في غير صالح الأقلية داخل الشركة والمتمثلة في صغار المستثمرين والشركة القابضة نفسها. وقد قامت شركة بلو سيركل ببيع الفرن الخامس الجديد تماما إلي شركة أنشأتها تحت اسم بلو سيركل مصر بمبلغ 69 مليون جنيه أي أقل كثيرا من سعر التكلفة، وهو نهب صريح لحقوق صغار المستثمرين والشركة القابضة وتحويل للأصول من الشركة التي يملكون حصة فيها إلي شركة تملكها بلوسيركل. ورغم اعتراض صغار المستثمرين، فإنهم لم يستطيعوا تجميع حائزي نسبة 5% من أسهم الشركة للاعتراض علي القرار، بينما صمتت الشركة القابضة التي تملك 6.97% من أسهم الشركة بشكل مريب ويبرر الشكوك في أنه ربما يكون صمتا غير نزيه. وفي يناير من عام 2005 عقدت الجمعية العامة للشركة القابضة للصناعات الكيماوية اجتماعها برئاسة وزير الاستثمار وقررت بيع حصة الأقلية في شركة الإسكندرية للأسمنت باعتباره حلا للنزاع القانوني الذي استطال كثيرا ولم تحصل الشركة القابضة علي أي عوائد أو أرباح خلال منذ عام 2000. والأسوأ من كل ما سبق أن الشركة القابضة ووزير الاستثمار قبلا ببيع الأسهم الباقية بحوزة الشركة القابضة إلي الشركة المالكة لأغلبية الأسهم بسعر 30 جنيها للسهم، علما بأن آخر سعر لتداول هذا السهم قبل بيعه كان 48 جنيها. وهذا يعني أن الشركة القابضة احتفظت ب 836 ألف سهم سعر الواحد منها 80 جنيها عام 1999، ولم تحصل علي مليم واحد من أرباحها منذ عام 2000 بسبب رفض الشركة المالكة لأغلبية الأسهم، ثم قبلت في النهاية أن تبيع السهم بسعر 30 جنيها بحصيلة 25 مليون جنيه فقط بدلا من 66.9 مليون جنيه كان من الممكن أن تحصل عليها ثمنا لهذه الأسهم لو باعتها عند البيع الأول!!