لا احد يرضي أن يكون الامن القومي المصرى مستباح، ولا دولة تسعى للتقدم تسمح لأى شخص أن يتخابر، أو يتعامل مع دول اخرى من اجل إسقاط الوطن، ولا أى عاقل من الممكن أن يدافع عن من أجرم فى حق الدولة، هذا إذا اعتبرنا أن التسجيلات المعروضة على شاشات وصفحات الإعلام لبعض النشطاء صحيحة مائة فى المئة. ايضاً لا يعقل ابداً أن يتم مراقبة مواطن شريف دون إذن قضائى، أو أن يتم تشويه صور النشطاء او غيرهم بتلك الطريقة فى وسائل الإعلام المختلفة، فمن المفترض أن عصر المراقبات قد انتهى إلى غير رجعة، وأن الامن السياسى يختص فقط بحماية الوطن من العملاء والخونة، دون الخوض فى الاعراض أو تشويه الاشخاص دون إجراء تحقيقات، وصدور حكم قضائى بذلك. وجهتان نظر، انقسم حولهما العديد من المتابعين لتلك القضية التى شغلت الرأى العام، والتى تتعلق بشأن مصرى يرتقى إلى صلب الامن القومى، ولكل من الطرفين وجهة نظر لها مبرراتها واسانيدها المقنعة، فمن اذن على حق؟!.. هذا ما سنحاول كشفه من خلال هذا التحقيق. معظم المصريين يتابعون القضية عن كثب، لخطورتها ولشعبية اصحاب الشخصيات التى تم إذاعة تسجيلات لها، وتدور دائماً التساؤلات حول هل من حق الإعلاميين تداول تسجيلات النشطاء فى وسائل الإعلام المختلفة؟!.. هل يجوز من الاساس التسجيل للمواطنين؟!.. وإن كانت تمت بإذن قضائى، فمكانها اذن ساحات القضاء، والعرض فقط فى حالة الإدانة. ايضاً هناك من يشكك فى صحة هذه التسجيلات، وإن كانت صحيحة، هل يجوز التكتم عليها؟! ففى هذه الحالة يصبح للجواسيس الحق فى الاعتراض على الادلة المقدمة لهم، وهم اذن محصنون. هناك من يؤيد عرض التسجيلات وينتظرها عن شغف، وهناك من يؤكد أن هذا ممنوع قانوناً وأن الدولة البوليسية تعود بأبشع صورها، أما النشطاء أو اصحاب هذه التسجيلات فمنهم من اكد انها مفبركة، ومنهم من اشار إلى أن الهدف منها تشويه صورهم، ومنهم ايضاً من تقدم ببلاغات ضد الإعلامى "عبد الرحيم على" للنائب العام، ومذيع "الصندق الاسود" يصر على اذاعة التسجيلات دون خوف أو تردد. رئيس الجمهورية! فعلاً الشارع المصرى منقسم فى هذه القضية، وما يهمنا نحن هو الوقوف على الحالة القانونية لتلك التسجيلات وإذاعتها، لا نؤكدها ولا ننفيها، لا نتهم النشطاء السياسيين، ولا ندافع عنهم، فلسنا جهة قضائية، ولا نحن قضاة يصدرون الاحكام، وكما اننا لا ندافع عن ناشط سياسى أو ندينه، فنحن ايضا لا ندافع عن مذيع تلك التسجيلات، ولا ندينه. ولأن القضية خطيرة، فكانت بدايتها عندما تقدمت العديد من الشخصيات العامة بمذكرة إلى رئيس الجمهورية، تطالبه بإصدار قرار بوقف عرض تسجيلات النشطاء السياسيين على شاشات الإعلام، وصفحات الصحف والمجلات، مشيرين أن تلك التسجيلات تتنافى مع حقوق المواطن المصرى، فى وقت يسطر فيه دستور يعلى من شأن الحقوق والحريات، وأن تلك التسريبات او التسجيلات من المفترض انها سربت من جهاز امنى. واضافت سطور المذكرة التى تم تقديمها الى المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية، أن تلك التسجيلات مكانها الطبيعى ساحات القضاء، مشيرين إلى أن قانون العقوبات المصرى جرم التنصت على المواطنين إذا تم بدون إذن قضائى، وحتى فى حالة وجود اذن قضائى، فيجوز استخدامها فى جهات التحقيق، لكن عرضها على وسائل الإعلام يعتبر جريمة مكتملة الاركان، ويعاقب عليها فى كل دول العالم الديمقراطية، والتى تحترم حقوق الإنسان، وان الصمت عليها فى حد ذاته يعتبر تهديداً للامن القومى المصرى، خاصة وأن نظرة العالم كله ستختلف عن مصر فى تلك المرحلة الدقيقة التى تمر بها، ويقال انها دولة بلا حريات، كما انها ستنقل صورة سلبية لدى المستثمرين. وأكدت المذكرة نصيا على انه: لا يحتاج الأمر إلى التأكيد على أن مشروع الدستور الذى نتطلع جميعا إلى إقراره كأولى خطوات خريطة الأمل نحو دولة ديمقراطية مكتملة الأركان، يؤكد فى نصوصه حماية ما ندافع عنه من حقوق وحريات، فالمادة ( 57 ) تنص على أن للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس وللمراسلات البريدية والبرقية والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة ، وسريتها مكفولة ولا تجوز مصادرتها ، او الاطلاع عليها ، او رقابتها إلا بأمر قضائى مسبق ولمدة محدودة وفى الأحوال التى يبينها القانون. وطالب الموقعون رئيس الجمهورية قائلين":إذا كانت أجهزة الأمن تملك هذه التسجيلات منذ سنوات فماذا فعلت بها ؟ هل انقذت البلد من هؤلاء الشباب ؟ هل قبض عليهم بتهم التخابر والعمالة والخيانه ؟ للاسف لا بل العكس تماما هو ما حدث فبعضهم قبض عليه بتهمة خرق قانون التظاهر ومن هؤلاء الشباب من نال شرف المشاركة فى كتابة دستور 30 يونيو. وذيلت المذكرة فى نهايتها بعشرات التوقيعات من الشخصيات العامة، والذين اتفقوا جميعاً على سطور تلك المذكرة. سيل بلاغات! وفى نفس السياق، تقدم العشرات من النشطاء السياسيين ببلاغات إلى النائب العام، ضد الإعلامى "عبد الرحيم على" الذى يقدم برنامج "الصندوق الاسود" على شاشة إحدى الفضائيات، مطالبين بإذاعة مكالماتهم علنياً، وبينهم من اكد انها تسجيلات مفبركة، كما أنه تم تسجيلها دون الحصول على إذن قضائى، وكان من بين النشطاء الذين قدموا بلاغات إلى النائب العام مصطفى النجار واسماء محفوظ. وبعدها انطلق سيل آخر من البلاغات من بعض الشخصيات العامة، والنشطاء الحقوقيين حتى الذين لم تطولهم تلك التسريبات، كما تقدم الناشط السياسى احمد ماهر مؤسس حركة 6 ابريل، والناشط السياسى محمد عادل، والناشط السياسى احمد دومة، والمحبوسين حالياً فى سجن العقرب، بسبب حشدهم للمواطنين للتظاهر دون الحصول على تصريح ببلاغات الى النائب العام، ضد الإعلامى عبد الرحيم على بسبب ايضاً تلك التسريبات. وفى الاربعاء الماضى، اصدر المستشار هشام بركات النائب العام تكليفاً لنيابة الاستئناف بالتحقيق فى البلاغ المقدم من 5 منظمات حقوقية، والذين طالبوا بفتح تحقيق عاجل حول إذاعة ونشر تسجيلات لمكالمات هاتفية خاصة بين النشطاء السياسيين. واشار البلاغ إلى ان ما حدث يمثل انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة، وتنصت غير قانونى، ويعيد إلى الاذهان ممارسات نظام مبارك، وجهازه البوليسى المعروف بأمن الدولة، معتبراً انها جريمة مكتملة الاركان، ومشيراً إلى أن القانون ينص فى مادته على أنه يعاقب بالحبس كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلاً او مستنداً متحصلاً عليه بإحدى الطرق المبينة. جريمة أمن دولة! ومن جهته قال الدكتور نبيل مدحت استاذ القانون الجنائى بجامعة عين شمس، أنه من الناحية القانونية البحتة ما يذاع فى وسائل الإعلام المختلفة، سواء المسموعة أو المرئية أو المكتوبة من انشطة لبعض المواطنين، تنطوى على شبه ارتكاب جرائم ضد امن الدولة الخارجى، مثل تلقى تمويلات أو اموال، لحشد المواطنين فى تظاهرات ذات طابع سياسى، أو تسريب معلومات أو مستندات تتعلق بأى من اجهزة الدولة او الشعب المصرى إلى دول اخرى خارجية، فإنها بتلك الطريقة تكون على مسئولية من ينشر تلك المعلومات او الوثائق، وتعتبر بمثابة بلاغ إلى النائب العام ليبدأ فى التحقيقات حول تلك الوقائع او الجرائم المشاراليها. واوضح قائلاً: وسائل الإعلام مسئوليتها هو الكشف عن الفساد، ويجب على الجهات المسئولة والمعنية التحقيق فيها فور إذاعتها او نشرها، وإذا تم هذا تحت قيود فلن تعمل وسائل الإعلام. واستكمل قائلاً: أن المعلومات والوثائق المنشورة، والتى تؤكد أن هناك تمويلات تلقاها بعض النشطاء تحت نطاق المساعدات الاجنبية، مثل ما اشيع فى عدة برامج سياسية وتمولها الولاياتالمتحدةالامريكية، تحت مسمى الديمقراطية، والحكم الرشيد، واصرارها على تطبيق نموذج هذا الحكم فى منطقة الشرق الاوسط، وعلى ثرواتها القومية فإن هذا يصب اذن فى صالح المواطن الامريكى، وفى عبارة اخرى ترتقى تلك الجريمة الى جريمة التخابر لصالح هذه الدولة أو تلك الدول. واضاف الدكتور نبيل مدحت قائلاً: خلاصة الامر إن بدأت التحقيقات وثبتت فلابد أن يتم احالة هؤلاء النشطاء إلى المحكمة الجنائية، اما فى الحالة الاخرى فإن هناك مسئولية جنائية على المذيع إذا كانت تلك التسجيلات مفبركة او غير صحيحة، فهنا يتم تقديمه الى المحاكمة بتهمة البلاغ الكاذب.