في مشهد شديد الشبه بمشهد النهاية لرواية أديب نوبل نجيب محفوظ "بداية ونهاية" .. سار الأب بخطوات بطيئة وثقيلة أعلي كوبري الساحل وبعده بعدة خطوات سارت ابنته التي لم تتجاوز العشرين من عمرها.. وتوقف الرجل عند منتصف الكوبري وتلفت حوله حتي يتأكد من خلو الكوبري من المارة في هذه الساعة المتأخرة من الليل ثم نظر الي ابنته نظرة ذات مغزي فتوجهت الفتاة نحو سور الكوبري وتوقفت قليلا وهي تلتفت نحو والدها بعيون دامعة متوسلة ولكنه قابلها بنظرة قاسية ووجه صارم يؤكد انه لن يتراجع عن موقفه ولن تجدي معه اي محاولات استجداء او استعطاف.. فأدركت الفتاة انه لا سبيل امامها سوي تنفيذ ما أمرها به ..و أعتلت سور الكوبري الحديدي وهي تنظر الي المياه السوداء بفعل الظلام نظرات مليئة بالخوف والرهبة .. وعادت بعينيها مرة اخري الي والدها لعله يرحمها ويرق قلبه لها ولكنه ادار ظهره لها وكأنه لايريد ان تلتقي عيناهما فيضعف ويلين.. وفي صمت وهدوء ألقت الفتاة المسكينة جسدها الي النيل الذي احتضنها بين ذراعيه وأسكنها قاعه العميق إلي جوار العشرات من عرائس النيل اللائي احتضنهن منذ آلاف السنين.. انتبه الأب القاسي علي صوت ارتطام جسد الفتاة بالمياه وادرك انها نفذت ما امرها به وانهت حياتها بيدها فغادر المكان بهدوء وصمت دون ان ينظر الي مكان سقوط ابنته .. هذا المشهد الدرامي الحزين سبقته مشاهد عديدة نسجت فيما بينها قصة طويلة تتابعت فصولها حتي قادتنا الي هذه النهاية المأساوية .. دلوعة الساحل منذ نعومة اظافرها و"مايسه" هي دلوعة والدها الذي كان يعاملها معاملة خاصة ومختلفة عن معاملته لاشقائها الذكور الثلاثة وكلما طالبته زوجته بأن يعدل بين ابنائه ويساوي بينهم في الحنان كان يرد عليها بأن "مايسه" هي ابنته الكبري واول فرحته كما انها البنت الوحيدة علي ثلاثة ذكور والي جانب كل هذا فهي تعرف كيف تأكل عقله بمداعبتها له واهتمامها به لذلك كان اول مايفعله بعد عودته من ورشة الموبيليا التي يمتلكها في امبابه حتي يبادر بالسؤال عنها.. الغريب أن عدوي تدليل الاسطي "سمير" لابنته امتد الي باقي افراد الاسرة الين كانوا يدللونها بالاكراه تملقا للاب وتجنبا لاغضابه من منطلق ان ما يغضب "مايسه" يغضبه وما يسعدها يسعده .. وحتي الجيران كانوا يعاملونها برفق شديد مجاملة لجارهم وإتقاء لشره وخاصة انه معروف بين جيرانه بحدة الطباع والعصبية الشديدة .. وعلي الرغم من جمال "مايسه" واناقتها إلا أن احدا من الجيران لم يفكر في خطبتها لابنه بسبب تدليلها الزائد الذي يؤكد انها ستكون عبئا ثقيلا علي اي شخص يفكر في الارتباط بها. شخص واحد فقط لم يلتفت الي هذه الاعتبارات والتخوفات وقرر الاقتراب منها وهو مشدود اليها كالفراشات التي تجذبها النار فتندفع نحو نورها وتحترق بلهبها هذا الشخص هو "سعيد" الذي يعمل محاسبا باحدي المستشفيات الحكومية .. غرق "سعيد" في غرام "مايسه" حتي اذنيه دون ان تشعر هي بمشاعره نحوها او حتي تشعر بوجوده.. كثيرا ما حاول لفت انتباه دلوعة الساحل دون جدوي حتي جاءته الفرصة التي حلم بها كثيرا عندما شاهد محبوبته وهي في مشادة كلامية مع سائق تاكسي بسبب اختلافهما علي اجرة الركوب بعد ان أقلها من المعهد الذي تدرس به في الهرم الي منطقة الساحل .. وتدخل سعيد بكل شهامة ليدافع عن "ابنة حتته" وحبيبته ولكنه نال علقة ساخنة علي يد السائق الذي كان ينتفض غضبا من إهانات الفتاة ولكنه تمالك نفسه لانها في النهاية فتاة ولكنه وجد ضالته في سعيد المسكين ليفرغ فيه شحنة الغضب .. تعاطفت "مايسه" مع جارها المسكين الذي نال علقة ساخنة متطوعا بعد ان تدخل للدفاع عنها وظلت تساعده حتي اوصلته الي باب بيته وطلبت منه رقم المحمول الخاص به حتي تستطيع الاتصال به والاطمئنان عليه.. وكانت فرحة سعيد لا تقدر بثمن وأدرك انه لأول مرة له نصيب من اسمه ولم يلتفت الي الكدمات التي ملأت وجهه الذي اصبح مثل خريطة الحبشة وكان كل همه انه اخيرا لفت انتباهها وفتح باب للحوار معها والاقتراب منها حتي لو كان المدخل هو تعاطفها معه واشفاقها عليه حب مرفوض ظلت عينا سعيد وقلبه معلقان بالهاتف المحمول الذي تحول الي كتلة صماء بارده الي ان ارتفع صوت رنينه بعد طول صمت وخفق قلبه بقوة لدرجة انه شعر وكأن صوت نبضاته اعلي من صوت المحمول وكادت عيناه تقفزان خارج وجهه وهو يقرأ اسمها ولأول مرة يزين شاشة تليفونه..واتاه صوتها كتغريد البلابل وهي تسأله عن حالته فتحشرج صوته وهو يجيب حتي خرج منه سعال قوي وعجز عن الكلام من فرط التوتر واللهفة فزاد قلقها عليه واكدت له انها تنتظر عودة والدها لتأتي معه لزيارته والاطمئنان عليه كاد ان يسقط مغشيا عليه وهو يهز رأسه ايجابا دون ان يتكلم .. وأنهت مايسه المكالمة وبعد ساعة واحدة كانت تطرق باب شقة سعيد بصحبة والدها وكانت تحمل علبة شيكولاته انيقة واستقبلتهم والدة سعيد التي قامت بتربيته بعد وفاة والده في حادث وكافحت حتي تخرج ابنها من كلية التجارة وعلي الرغم من قصر مدة الزيارة التي اقتصرت علي توجيه الشكر من جانب الأب لسعيد علي شهامته مع ابنته الا انها كانت بردا وسلاما علي قلب سعيد الذي لم يصدق ان هذه العلقة الساخنة ستكون اوراق اعتماده الي محبوبته.. ولم يدع سعيد الفرصة تفلت من يده وطرق الحديد وهو ساخن حيث كرر الاتصال بمايسه وبدأ يتقرب اليها وجذبها اليه بساطته وطيبة قلبه وحنانه البالغ معها الذي ذكرها بتدليل والدها لها وسرعان ما توطدت العلاقة بينهما وتحولت الي قصة حب ملتهبة كانت بدايتها علقة ساخنة تلقاها سعيد بكل ترحيب وسعادة..وكان لابد من تتويج هذه العلاقة وتغليفها باطار رسمي وشرعي فاصطحب والدته الي منزل مايسه لخطبتها من والدها ولكن كانت الصدمة المدوية التي زلزلت كيانه عندما قابلهما والدها بفظاظة شديدة واكد له ان ابنته تستحق عريس افضل ماديا واجتماعيا وعايره بأن والدته كانت تخدم في البيوت للانفاق عليه.. وانتفض سعيد غاضبا ورفض اهانة امه واكد له انه يشرفه انه ابن هذه المرأة المكافحة التي ربته بشرف حتي اصبح محاسبا واصطحب امه وغادر الشقة وهو يفكر في كسر انف هذا الرجل المتغطرس .. وبالفعل حسم أمره واتصل بمايسه وطلب منها ان يقابلها والتقي معها بعد أن تحول الي شخص آخرملأ الحقد والرغبة في الانتقام قلبه واقنعها بأنهما لابد ان يتزوجا عرفيا حتي يضعا والدها أمام الامر الواقع ويوافق علي زواجهما رسميا.. ترددت مايسه قليلا ثم رضخت لرغبته ولم تمانع في ان يحتفظ هو بالنسختين حتي لا تقع ورقة الزواج العرفي في يد والدها قبل ان يأتي الوقت المناسب .. وبعد اشهر قليلة شعرت مايسه بأعراض الحمل وطلبت من سعيد اعلان زواجهما قبل ان يظهر الحمل وتكون فضيحة وهنا فوجئت بموقف غاية في الغرابة من جانبه بعد ان قال لها انه دخل بيتهم من الباب وبقلب مفتوح ليطلب يدها ولكن والدها أهانه وأهان امه ورفض ان يزوجه ابنته بدعوي ان هذا النسب لا يشرفه..الآن هو الذي يرفض هذا النسب لأنه لايشرفه.. صعقت الفتاة وكادت ان تسقط مغشيا عليها وتماسكت حتي عادت الي بيتها وهنا سقطت بعد ان خارت قواها .. اتصلت الام بوالدها الذي ترك عمله واصطحب طبيبا وهرع الي البيت للاطمئنان علي ابنته .. وعجزت قدماه عن حمله بعد ان ابلغه الطبيب ان ابنته "حامل" ظل الرجل يدور حول نفسه كالثور الجريح وكاد ان يقتل ابنته لولا تدخل زوجته واخوتها ..وبعد ان عرف منها ما حدث اسرع نحو منزل سعيد وهو يهدده بالقتل اذا امتنع عن الزواج منها رسميا فقال له سعيد الآن انت الذي تتوسل لي حتي اتزوج ابنتك ..والآن انا الذي ارفض هذا الزواج وانكر اي علاقة له بالجنين الذي تحمله الفتاة وطلب منه مغادرة منزله بهدوء لتجنب مزيد من الفضائح. وجر الرجل قدميه جرا وهو يعود الي منزله حطام رجل وظل يدخن بشراهة حتي اقترب الفجر وهنا اندفع نحو غرفة ابنته وامرها بارتداء ملابسها والخروج معه.. رفضت امها بشدة بعد ان شعرت انه ينوي الغدر بالفتاة ولكنه اكد لها انه سيصطحبها الي طبيب حتي يسقط الجنين الذي تحمله في احشائها ووعدها بأنه لن يلمسها.. وفي الطريق تحدث مع ابنته بصوت مكتوم قائلا " البنت اللي تجيب العار لأهلها تستحق الموت..وده اللي لازم يحصل .. انا قلبي مش هيطاوعني اقتلك بإيدي كمان اخواتك صغيرين ولو اتسجنت هيتشردوا .. يبقي الاحسن تنتحري انتي وتخلصينا من عارك وفضايحك.. انا هاخدك علي كوبري الساحل وهاسيبك ترمي نفسك يمكن النيل يغسل عارك" وحدث ما حدث ونفذت الفتاة المسكينة اوامره لتكون ضحية في البداية لتدليل والدها الزائد وفي النهاية لحقد وانتقام الشخص الوحيد الذي احبته وعاد الرجل الي بيته ليخبر زوجته بما حدث وانها هي التي غافلته وقفزت من اعلي الكوبري.. وشاع خبر الانتحار في المنطقة خاصة بعد انتشال جثة الفتاة الغارقة من النيل وهنا فقط اعترف سعيد بأنها زوجته ليس تبرئة للفتاة التي اصبحت في دار الحق ولكن ليتهم والدها بأنه قتل زوجته وابنه الذي تحمله بين احشائها.. وقدم بلاغا بالفعل في نيابة الساحل يؤكد فيه ان زوجته لم تنتحر بارادتها وانما تحت تهديد والدها واجباره لها علي ذلك .. وامرت نيابة الساحل بضبط واحضارالاسطي سمير لسؤاله في اتهام زوج ابنته ولكنه هرب قبل القبض عليه بدقائق ومازال رجال مباحث الساحل يواصلون جهودهم للقبض عليه قبل ان يرتكب جريمة جديدة وخاصة انه هدد بقتل سعيد.. فهل تنتهي فصول القصة عند هذا الحد ام ستكون هناك فصول اخري اكثر دراما