تعرف على الضوابط الإعلامية لتغطية انتخابات مجلس النواب 2025    "تعليم القليوبية": طالبة ب"النور للمكفوفين" تحرز المركز الثاني في "تحدي القراءة العربي"    ملك بريطانيا وزوجته يبدآن زيارة رسمية للفاتيكان بلقاء البابا لاون الرابع عشر.. صور    مدبولي يفتتح مصنع لشركة أوبو العالمية فى مصر لتصنيع الهواتف المحمولة بالعاشر من رمضان    شركات السياحة تواصل تلقي وتسجيل طلبات المواطنين الراغبين بالحج السياحي    تنفيذ إزالة التعديات على أملاك الدولة والأراضي الزراعية بكفر الشيخ    النفط يقفز 3% بعد العقوبات الأمريكية على شركات نفط روسيا    نائب الرئيس الأمريكي: إسرائيل لن تضم الضفة الغربية    حصيلة ضحايا الحرب على غزة تتجاوز 238 ألفا و600 شهيد وجريح    «فوت ميركاتو»: صلاح أثار غضب زميله في ليفربول    باسم مرسي: تألق بن شرقي وزيزو؟.. المنافس لديه 8 مليارات.. والزمالك مديون    هانيا الحمامي ويوسف إبراهيم يتأهلان لنصف نهائي بطولة كومكاست بيزنس للاسكواش    ضبط صانعة المحتوى ندوشة لنشرها فيديوهات رقص بملابس خادشة للحياء وتسهيل الدعارة لفتاتين    هاملت وأشباحه يحصد المركز الأول بملتقى شباب المخرجين    حكم الشرع في خص الوالد أحد أولاده بالهبة دون إخوته    نائب وزير الصحة يتفقد مشروع إنشاء مستشفى بغداد ووحدة طب أسرة نخل    العثور على جثة «مجهول الهوية» على قضبان السكة الحديد بالمنوفية    لقاء حول نظام البكالوريا الجديد خلال زيارة مدير الرقابة والتفتيش ب«التعليم» لمدارس بورسعيد    بيتصرفوا على طبيعتهم.. 5 أبراج عفوية لا تعرف التصنع    تحرك شاحنات المساعدات إلى معبري كرم أبوسالم والعوجة تمهيدًا لدخولها غزة    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في الشرقية    ب«لافتات ومؤتمرات».. بدء الدعاية الانتخابية لمرشحي مجلس النواب في الوادي الجديد (تفاصيل)    فاليري ماكورماك: مصر مثال عظيم في مكافحة السرطان والتحكم في الأمراض المزمنة    اندلاع حرائق كبيرة بسبب الغارات الإسرائيلية على البقاع    الداعية مصطفى حسنى لطلاب جامعة القاهرة: التعرف على الدين رحلة لا تنتهى    النيابة العامة تنظم دورات تدريبية متخصصة لأعضاء نيابات الأسرة    البيطريين: إجراء تعديلات شاملة لقانون النقابة وطرحها لحوار مجتمعي    طريقة عمل الأرز البسمتي بالخضار والفراخ، وجبة متكاملة سريعة التحضير    رفع 3209 حالة اشغال متنوعة وغلق وتشميع 8 مقاهي مخالفة بالمريوطية    لعدم استيفائهم الأوراق.. الهيئة الوطنية للانتخابات تستبعد 3 قوائم انتخابية    الداخلية تواصل حملاتها لضبط الأسواق ومواجهة التلاعب بأسعار الخبز    نادي الصحفيين يستضيف مائدة مستديرة إعلامية حول بطولة كأس العرب في قطر    بشير التابعي: زيزو أفضل لاعب في الأهلي    حنان مطاوع بعد فيديو والدها بالذكاء الاصطناعي: "اتصدمت لما شوفته وبلاش نصحي الجراح"    رانيا يوسف تكشف الفرق الحقيقي في العمر بينها وبين زوجها: مش عارفة جابوا الأرقام دي منين!    السادة الأفاضل.. انتصار: الفيلم أحلى مما توقعته ولا أخشى البطولة الجماعية    عندنا أمم إفريقيا.. محمد شبانة يوجه رسالة هامة ل ياسر إبراهيم    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 139 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    بسعر 27 جنيهًا| التموين تعلن إضافة عبوة زيت جديدة "اعرف حصتك"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    البنك الأهلي يحصد شهادة التوافق لإدارة وتشغيل مركز بيانات برج العرب من معهد «Uptime»    عاجل- قرارات جديدة من رئيس الوزراء.. تعرف على التفاصيل    حجز الحكم على البلوجر علياء قمرون بتهمة خدش الحياء العام ل29 أكتوبر    إنجاز طبي جديد بعد إنقاذ مريض فلسطيني مصاب من قطاع غزة    الصحة توقع مذكرة تفاهم مع الجمعية المصرية لأمراض القلب لتعزيز الاستجابة السريعة لحالات توقف القلب المفاجئ    اتحاد الثقافة الرياضية يحتفل بنصر أكتوبر وعيد السويس القومي    محمد صلاح.. تقارير إنجليزية تكشف سر جديد وراء أزمة حذف الصورة    كل ما تريد معرفته عن منصب المفتى بالسعودية بعد تعيين الشيخ صالح الفوزان    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    من بيتك.. سجّل الآن فى حج القرعة 2026 بسهولة عبر موقع وزارة الداخلية    شبكة العباءات السوداء.. تطبيق "مساج" يفضح أكبر خدعة أخلاقية على الإنترنت    تامر حسين يوضح حقيقة خلافه مع محمد فؤاد بعد تسريب أغنيته    أستاذ علوم سياسية: القمة المصرية الأوروبية تعكس مكانة مصر ودورها المحورى    مقتول مع الكشكول.. تلميذ الإسماعيلية: مشيت بأشلاء زميلى فى شنطة المدرسة    سعر اليورو مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 23 أكتوبر 2025 في البنوك المحلية    تهديدات بالقتل تطال نيكولا ساركوزي داخل سجن لا سانتي    روزاليوسف.. ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ    على أبو جريشة: إدارات الإسماعيلى تعمل لمصالحها.. والنادى يدفع الثمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف باء
عبدالرءوف الريدي في رحلة العمر .. "2"
نشر في الجمهورية يوم 16 - 01 - 2013

رغم أهمية الأحداث السياسية التي تناولها كتاب السفير عبدالرءوف الريدي "رحلة العمر" الصادر عن دار نهضة مصر للنشر.. وأهمية رؤيته ومواقفه وشهاداته التي سجلها في الكتاب بشأن هذه الأحداث.. لا سيما أنه أحد الذين شاركوا في صناعة القرار السياسي في مصر خلال واحدة من أهم فترات تاريخ العالم. عندما كان سفيرًا لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية. وقت أن كانت الولايات المتحدة تتهيأ لبدء قيادة العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.
رغم أهمية هذه الأحداث.. إلا أنني لم أستطع القفز إليها فوق الجانب الإنساني في الكتاب الذي قدمه لنا السفير عبدالرءوف الريدي بصورة رائعة.. تجعلك وأنت تقرأ كتابه "رحلة العمر" تشعر وكأنك تقرأ رائعة "الأيام" لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.. فهل السفير عبدالرءوف الريدي هو أديب أغرته الدبلوماسية فاقترن بها وهجر الأدب؟.. أم ما سر هذا الإبداع الذي نراه في كل سطر من سطور الكتاب..؟
انني أرشح كتاب "رحلة العمر" للسفير عبدالرءوف الريدي لكي ينال إحدي جوائز الدولة لهذا العام.. كما أرشحه أيضاً لكي يقوم المركز القومي للترجمة التابع لوزارة الثقافة بترجمته إلي اللغات الأجنبية.
* * *
لقد توقفت كثيرًا أمام الصور الإنسانية الرائعة التي سجلها السفير عبدالرءوف الريدي في كتابه.. والتي بقيت تفاصيلها حاضرة بقوة في ذاكرته منذ كان طفلاً. حتي شعرت بأنه قد اصطحبني معه في رحلة عبر الزمان والمكان إلي "عزبة البرج" في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.
كان والده يعمل بالتجارة في مستلزمات صناعة سفن الصيد.. وكان له متجر كبير في الطابق الأرضي من البيت.. كان الوالد يجلس علي كرسي دوار إلي جانب مكتب كبير.. أمامه "كنبة" يجلس في ركنها الأيسر الشيخ عوض العبد وهو كفيف كان يأتي يومياً لتلاوة آيات من القرآن الكريم.. أما المكان المفضل للطفل. فهو كرسي خيزران علي يسار والده.. كان الطفل يساعد في أعمال المحل. ويحلو له أن يراقب والده. ويستمع معه إلي القصص التي يحكيها البحارة العاملون علي السفن والمراكب الشراعية التي كان والده يمتلك بعضًا منها.. كانت القصص كلها تدور حول البحر.. والبلاد التي ذهب إليها البحارة.. العواصف التي واجهوها.. وكيف أن الأمواج كانت كالجبال.. وكيف أن المركب "شحطت" علي البر.. أما أحسن القصص التي كان الطفل يحب سماعها فهي قصة "رحلة الحج" التي قام بها والده إلي بيت الله الحرام عام ..1934 بدأها الوالد بالسفر وسط مودعيه إلي السويس. ثم السفر إلي جدة علي الباخرة "زمزم" التابعة للشركة الخديوية.. كان الطفل يحب الاستماع إلي هذه القصة من والده كلما جاءت المناسبة بحيث أصبحت تفاصيل تلك الرحلة مطبوعة في مخيلته.
* * *
ورغم أن الكتاب يخلو من صورة لوالدة السفير عبدالرءوف الريدي.. إلا أنه رسم ببراعة صورة إنسانية مؤثرة جدًا لوالدته.. بدأها بالإشارة إلي أن والده سبق له الزواج من أخري أنجبت له ولدين وبنتين ثم توفيت.. أما والدة السفير عبدالرءوف الريدي فكانت فتاة في السابعة عشرة من عمرها.. ولدت وتربت في مدينة الإسكندرية. ثم توفيت أمها وتزوج والدها بامرأة أخري. فانتقلت للعيش بمدينة دمياط مع جدها لأمها وكان قاضيًا شرعيًا.. تقدم الأب لخطبة هذه الفتاة بعد أن سمع عن جمالها وحُسن خلقها.. فوافق والدها.. هكذا انتقلت الأم من عالم مدينة الإسكندرية التي شبت فيها. ودمياط التي عاشت فيها لسنوات ودرست بمدارسها.. إلي عالم آخر هو عالم "عزبة البرج" الذي ينتمي إليه زوجها.. كان عالما غريبا عليها.. حيث لا توجد كهرباء للإضاءة.. ولا توجد مياه جارية في الأنابيب. بل تأتي المياه كل يوم مع "السقا" فتوضع في الأزيار والقلل وخزان بأعلي المنزل.. فما الذي يجمع بين هذه الفتاة الجميلة ابنة المدينة وبين هذا الرجل الذي عرف حياة البحر ولم ينشأ في المدينة؟
يقول السفير عبدالرءوف الريدي: إن هذه الفتاة سرعان ما طورت حياة زوجها والبيت.. حيث تم فرض نظام صارم للبيت في المأكل والملبس.. ثم استطاع الزوج أن يأسر قلب الزوجة بمعاملته الطيبة وحُسن معاشرته.. فأحبته.. ولكنها ظلت طوال حياتها تتوجس من هذا العالم الجديد الغريب عليها.. عالم عزبة البرج والبحر.. ورغم أن أهل زوجها أحبوها فإنهم كانوا يشعرون دائمًا أنها قادمة من عالم آخر. فكان اختلاطها بهم أقل من اختلاطها مع زوجات طبيب القرية وقموندان الساحل ومأمور الفنار.. ومع زوجة أخيها حمدي. الشقيق الوحيد لها الذي جاء من الإسكندرية ليعيش في عزبة البرج. بعد أن أقنعه زوجها بالعمل معه في التجارة للإمساك بالدفاتر والحسابات.
وجدت هذه الفتاة ذات السبعة عشر ربيعًا نفسها مسئولة عن زوج. وعن تربية أربعة أبناء هم أولاد الزوجة المتوفاة.. ثم بدأت هي في الإنجاب. فكان المولود دائمًا أنثي.. في الوقت الذي كانت زوجة شقيق الزوج تلد دائمًا ذكرًا.. هكذا استمر الحال.. فكان الزوج يقول لها "إن خلف البنات يجلب الرزق".. إلي أن رزقها الله بولد بعد 4 بنات.. فتقرر أن يسمي الولد باسم أبيه "السيد" وهو أيضًا اسم سيدي "السيد البدوي" في طنطا.. وزف الزوج الخبر إلي الشيخ فرغلي الريدي شيخ المعهد الديني بدمياط.. فاقترح إضافة اسم "عبدالرءوف" إلي اسم "السيد".. فأصبح الاسم كاملاً هو: "السيد عبدالرءوف السيد شعبان الريدي".
سرعان ما مرضت الأم بمرض القلب بعد أن وضعت طفلة أخري.. فشب الطفل يري أمه مريضة لا تكاد تغادر المنزل.. ورغم إشرافها الدقيق علي شئون المنزل. إلا أن حركتها كانت محدودة.. كما أنها كانت كثيرة القلق علي طفلها. فحرمه هذا القلق من اللعب مع الأطفال علي الشاطئ أو الخروج مع الصيادين في البحر العالي.
أصرت الأم علي أن يتلقي طفلها التعليم الحديث.. فألحقه والده بمدرسة دمياط الابتدائية.. إلا أنه لم يكن طالبا متميزا. ولم يحب الدراسة. وتمني بعد انتهاء دراسته الابتدائية أن يتفرغ للعمل بالتجارة مع والده.. لكن الأم أصرت علي أن يواصل دراسته.. فذهب إلي المدرسة الثانوية مرغمًا.. ومن أجل ضمان النجاح له تم الاتفاق مع بعض المدرسين لإعطائه دروسا خصوصية.. لكنه لم يحب الدروس ولم يحب المدرسة. وكان "يزوغ" من المدرسة والدروس لقضاء الوقت مع الأصدقاء.. والنتيجة أنه لم ينجح لعامين متتاليين في الانتقال من السنة الأولي إلي السنة الثانية فتم فصله من المدرسة. كان في قرارة نفسه سعيدًا بذلك. كما أن والده استسلم للأمر وبدأ يشركه معه في التجارة.. إلا أن الأم المريضة لم تيأس ولم تستسلم.. انتهزت فرصة سفر الأب إلي الإسكندرية وطلبت من أخيها أن يصطحب ابنها إلي المدرسة.. هناك قابلوا الأستاذ سعد زاهر مدرس أول اللغة الفرنسية الذي توسط لدي ناظر المدرسة. فوافق الناظر علي عودة الابن إلي المدرسة.. فرح الأب بهذا النبأ. وقال لابنه: من الآن ستكون مسئولا عن شئونك. سأعطيك مصروفا شهريا بدلا من مصروف يومي. ولن أسألك عما إذا كنت قد ذهبت إلي المدرسة أم لا.. كان ذلك في عام .1946
عاد الابن إلي المدرسة.. شده إليها كثرة الإضرابات والمظاهرات التي كان يشترك فيها مع زملائه ضد الاحتلال الانجليزي.. أحب المدرسة حتي أصبح الذهاب إليها متعة بالنسبة له فنجح في كل سنوات الدراسة الثانوية الخمس بعد ذلك. وكان ترتيبه في السنة النهائية الأول علي المدرسة. فحصل علي المجانية طوال دراسته الجامعية.
في تلك الأثناء.. كانت المتاعب الصحية للأم قد أخذت في الازدياد. فطلب منها الأطباء أن يكون رقادها في السرير وهي شبه جالسة بين عدد كبير من الوسائد.. وبينما كان الابن عائدا إلي البيت ليلة رأس السنة عام 1950 من جولة انتخابية مع المرشح الوفدي محمود الجمال.. دخل إلي أمه فوجدها مستندة إلي وسائدها في سريرها النحاسي. وفي الصالة المجاورة مصباح يعمل بالكيروسين ويلقي شعاعًا خافتًا ينفذ إلي غرفتها.. فتحدث إليها. لكنها لم تجب.. ساوره الشك فاقترب منها ولمسها فلم ترد.. وضع أذنه علي قلبها فلم يسمع دقات قلبها.. خرج الابن ونادي والده. ثم جاء الطبيب. وبعد الفحص أخبرهم بأنها قد انتقلت إلي بارئها الأعلي..!
مازال للحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.