«الأعلى للجامعات» يحدد جدول اختبارات الدبلومات الفنية 2025 لكليات الهندسة    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بمجلس الشيوخ    منها «مدد الإعارات والإجازات للعمل بالخارج».. الجريدة الرسمية تنشر 6 قرارات جديدة ل«الوزراء»    القائم بأعمال رئيس جامعة مصر للمعلوماتية: اليوم تحقق حلمنا بتخريج أول دفعة    محافظ المنوفية يستعرض الموقف الحالي لمنظومة النظافة والمشروعات    الرئيس السيسى يستقبل وزير دفاع إيطاليا ويؤكد أهمية تعزيز زخم علاقات القاهرة بروما    الداخلية السورية: مزاعم حصار محافظة السويداء كذب وتضليل    العثور على دقيقة مفقودة في تسجيلات المجرم الجنسي إبستين تثير الجدل.. ما القصة؟    مناورات عسكرية مشتركة بين روسيا والصين في أغسطس    بفريقين مختلفين.. الأهلي يخطط لخوض وديتين يوم الأحد المقبل    هل يرحل ديانج عن الأهلي؟.. طالع التفاصيل    قبل الرحيل.. الجفالي يظهر مع فتوح في التأهيل المنفرد    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواجه تونس في أجندة سبتمبر    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    إسلام جابر إلى المقاولون العرب    براءة المتهمين بمساعدة سفاح المعمورة لارتكاب جرائمه في الإسكندرية    حريق في مصنع صابون سائل بأكتوبر    حكم عاجل من القضاء بشأن دعوى إثبات نسب ضد إسلام جابر لاعب للزمالك    3 شباب يستدرجون فتاة من ذوي الإعاقة ويعتدون عليها في العجوزة    "شارع 19" لفرقة مركز الجيزة يقدم ليلته الثانية بالمهرجان القومي    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    رئيس الوزراء: استراتيجية وطنية لإحياء الحرف اليدوية وتعميق التصنيع المحلي    35 ألف طالب تقدموا بتظلمات على نتيجة الثانوية العامة حتى الآن    مصنعو الشوكولاتة الأمريكيون في "ورطة" بسبب رسوم ترامب الجمركية    بعد ترشحه لرئاسة ساحل العاج.. من هو الحسن واتارا؟    هيئة فلسطينية تثمن جهود مصر لإدخال كمية كبيرة من المساعدات إلى قطاع غزة    روسيا تلغى تحذير تسونامى فى كامتشاتكا بعد الزلزال العنيف    رئيس مجلس الدولة: نثمّن دور النيابة الإدارية في دعم دولة القانون    ضبط عاطل و بحوزته 1000 طلقة نارية داخل قطار بمحطة قنا    وظائف خالية اليوم.. فرص عمل ب 300 دينارًا بالأردن    مي طاهر تتحدى الإعاقة واليُتم وتتفوق في الثانوية العامة.. ومحافظ الفيوم يكرمها    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    رئيس جامعة بنها يترأس اجتماع لجنة المنشآت    "التضامن" تستجيب لاستغاثات إنسانية وتؤمّن الرعاية لعدد من السيدات والأطفال بلا مأوى    الصحة تناقش إنشاء شبكة عيادات ذكية لخدمة سكان الإسكندرية    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    لترشيد الكهرباء.. تحرير 145 مخالفة للمحلات التي لم تلتزم بقرار الغلق    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    مبيعات فيلم أحمد وأحمد تصل ل402 ألف تذكرة في 4 أسابيع    ما حكم كشف وجه الميت لتقبيله وتوديعه.. وهل يصح ذلك بعد التكفين؟.. الإفتاء تجيب    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    215 مدرسة بالفيوم تستعد لاستقبال انتخابات مجلس الشيوخ 2025    فى لفتة إنسانية.. الأجهزة الأمنية بالقاهرة تنجح فى إعادة فتاة لأهليتها    معلومات الوزراء: مصر في المركز 44 عالميًا والثالث عربيا بمؤشر حقوق الطفل    «تنمية مستدامة»    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    حميد أحداد ينتقل إلى الدوري الهندي    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 30 يوليو 2025    ملك المغرب يؤكد استعداد بلاده لحوار صريح وأخوي مع الجزائر حول القضايا العالقة بين البلدين    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجمة الميني جيب
نشر في أخبار الحوادث يوم 25 - 06 - 2013

كانت سماح أول من لبست الميني چيب فى الحجاب فأصبحت خلال ساعات حديث الصباح والمساء!..
كانت ظاهرة المينى چيب والسيقان العارية قد بدأت فى مصر داخل الاحياء الراقية.. وكانت نساء الطبقات المخملية فى سن الشباب لايلبسن إلا فى الأندية والسهرات والحفلات دون ان يشعرن بحرج أو خجل أو خوف من المعاكسات الثقيلة، خاصة وانهن فى حماية سياراتهن الفارهة ولايمشين فى الطريق العام إلا مسافات قليلة.. وفى شوارعهن التى اعتادت جنون الموضة سواء فى ملابس السيدات أو تسريحات الشعر المستوردة!
سماح مشت بالمينى جيب طوال الطريق من بيتها فى شارع الحكيم، وحتى مكتب المحامى الذى تعمل فيه سكرتيرة على حدود الحي.. وبالتحديد فى المنطقة الواقعة بين حى الشرابية حيث تسكن.. وحى الظاهر الذى كان فى ذيل قائمة الاحياء الراقية.. ولم يكن هذا الترتيب يضايق سكان الظاهر طالما أنهم داخل تصنيف الاحياء الرقاية حتى وان احتلوا المركز الأخير!
أول يوم ظهرت فيه سماح المينى چيب خطفت العيون، ولحست العقول وأثارت جدلا كبيرا بين عقلاء الحى وعواجيزه من ناحية.. والشباب الذى اعتصم فى الشوارع فى مواعيد خروج وعودة سماح.. حوار العقلاء والعواجيز كان يحكمه العقل وينتهى إلى ضرورة لفت نظر الست بدور أم سماح.. وحوار الشباب كانت تحكمه الغريزة ومناقشة مواطن الفتنة الصاعقة التى كانت تشع من سيقان سماح النارية وحضرها البديع وتلك الجيبة القصيرة للغاية ولايزيد طولها عن بضعة سنتيمترات رأى الشباب أن سماح لم تكن بحاجة إليها لتكتمل متعة المشاهد المثيرة!.. خاف الكبار على ابنائهم.. وتفنن الصغار فى الهروب من مراقبة أبائهم.. نساء الحى وصفن سلوك سماح بقلة الأدب.. وبعضهن عاب على سوء التربية.. ذهب وفد منهن لمقابلة أم سماح ومعاتبتها.. وتوجيه النصح لها.. ودافعت أم سماح عن ابنتها الوحيدة باستماتة:
ياناس حرام.. هو أنا عاش لى عيل غير سماح.. البنت وحدانية ويتيمة.. سيبوها فى حالها وبلاش افتراء!
انصرفت النساء واحدة تلو الأخري.. كن يعرفن أن أم سماح اذا فقدت اعصابها تطيش منها الشتائم وتطير من فوق لسانها البذاءات، فهى أولا واخيرا بائعة الطعمية الشهيرة على احدى نواصى شارع الحكيم!، وتجاربها فى الغضب مريرة وضحاياها كثيرون!
فشل الجميع فى اثناء سماح عن مهزلة المينى چيب.. وكأنها هى التى اخترعته!.. وكنت أنا واحدا ممن يمشون خلف سماح عن بعد يسمح بالرؤية المطلوبة.. وبخطوات بطيئة.. ولم تكن سماح تعيرنا اهتماما تقديرا منها لأننا تلاميذ الثانوى المراهقين.. لكنها لقنت الجيل الاكبر منا سنا درسا بعد درس حينما كانت تلتفت فجأة ثم تسب البصاصين بعبارات جارحة!.. إلا أن نجمة المينى چيب كما كنا نطلق عليها بعد ان تخلصت من متاعب الطريق، لم تكن تعدى ما يحدث داخل صالون الثورة؟.. لم تكن تعرف - ايضا - أن لها اسماء كودية فى اكثر من مكان بالحى حتى يتجنب من يتحدث عنها غضبة الست بدور أو رد فعلها.. الشباب اطلقوا عليها.. »مارلين« نسبته إلى نجمة الاغراء الامريكية مارلين مونرو.. وامام المسجد كان يلمح إليها بنبت ابليس فى خطب الجمعة.. وستات البيوت اذا قالت احداهن «اللى ما تشماشى!» فهى تقصد سماح.. وسماح فقط!.. أما صاحب صالون الثورة عم فاروق الحلاق فكان يلوك سيرتها باسم «هند».. ربما للشبه الكبير فى ملامح الوجه وتضاريس الجسد بين سماح وهند رستم!
صالون الثورة!
كان عم فاروق أحد الشخصيات البارزة فى الحي، فهو صاحب صالون الحلاقة الذى يتردد عليه عشرات الزبائن يوميا.. والويل كل الويل لمن يترك صالونه ولو للحلاقة مع سبيل التجربة فى الصالون الجديد الذى ضم إليه صاحب أحدث وسائل قص الشعر وتقليم الأظافر مع أرق أنواع الصابون والمعجون والعطور وأطقم الفوط الجديدة.. لكن صاحب الصالون الجديد لم يسلم من حملات التشهير التى يطلقها عم فاروق ببراعة ضد خصومه؟.. ولأن عم فاروق كان يعتبر نفسه من رجال السياسية منذ أطلق على صالونه اسم «صالون الثورة» تيمنا بثورة يوليو وعشقا لزعيمها جمال عبدالناصر، فقد التحق بعضوية كل التنظيمات السياسية والثورية بدءا من الاتحاد القومى وحتى الاتحاد الاشتراكى مرورا بجمعية «يوليو» التى انشأها عم فاروق خصيصا لرصد اعداء الثورة وكتابة تقارير ضدهم للاجهزة الامنية.. وبالطبع لم ينس فاروق ان يسجل اسم صاحب الصالون الجديد باعتباره من رجال الثورة المضادة ومحبى الملك!.. ربما لهذه الاسباب حرص معظم سكان الحى على صداقة الرجل وتجنب الخلاف معه والتردد على صالونه، إلا ان السبب الأهم كان «لسان» عم فاروق الذى لايرحم.. تنطلق من عنده الشائعات وتتطلخ فى صالونه سمعة النساء.. يبوح بالأسرار ويفبرك الحكايات ويخترع الأكاذيب!.. ورغم عشقه للسياسة ودفاعه عن الثوار إلا انه وبذكائه المعجون بالخبث لاحظ ان حواراته الممتدة مع زبائن المحل لم تعد لها جاذبية الماضى بعد أن شعر الناس بالملل من حكاوى السياسة وتشويه العهد الملكى.. وحينما تأكد الرجل ان زبائنه ينامون مع حكايات السياسة وجد ضالته فى نجمة المينى چيب التى عرفها كل بيوت الحى ورسم لها الرجال والشباب صورا خاصة فى خيال كل منهم!.. بدأ عم فاروق يلمح بعلاقة خاصة بين سماح والمحامى صاحب المكتب الذى تعمل فيه.. كان يطرح اسئلته مع الزبائن ويتظاهر بحسن نواياه ورغبته فى معرفة الاجابات عنها: لماذا يوصلها المحامى كل ليلة بنفسه حتى باب بيتها؟!.. وماذا تفعل سماح فى مكتبه بعد المدينة عشرة مساء كل ليلة؟!.. هل يليق ببنت الحى ان تصبح فى خلوة مع هذا المحامى الغريب عن الحى بعد انصراف الموكلين من المكتب؟!.. وما هو شكل الخلوة حينما يخلو المكتب إلا من صاحبه المحامى وسكرتيرته التى تنكشف ساقاها تحتى المينى چيب؟!.. ولم يكن زبائن عم فاروق يخوضون معه فى سمعة جارتهم الشابة الحسناء، لكن ما يرويه عم فاروق كان يثير فضولهم ويسيل لعابهم، خاصة قصة بوليس الآداب الذى يراقب مكتب المحامى والخطر الداهم الذى يهدد جارته سماح فيما لو تم ضبطها متلبسة بجريمة مخلة بالشرف فى مكتب هذا المحامى فتجلب لهم العار جميعا!.. قصة اخترعها عم فاروق وصدقها كعادته مع كل الحكايات والشائعات التى يطلقها.. وبعد أيام يصدقها!.. ولأنه كان صديقا لضباط قسم الشرطة ومجاملته لهم بعدم تقاضى أجر الحلاقة منهم بدءا من المأمور ورئيس المباحث ومرورا بضابط النوبتجية وانتهاءا بالمخبرين، كان ينسب شائعاته إلى أجهزة الأمن ومصادره فيها.. وكثيرا ما يصدقه أهل الحي، فهم يشاهدونه يوم الاثنين، يوم اجازته، داخل قسم الشرطة يتنقل بين رؤوس الضباط والمخبرين من العاشرة صباحا وحتى غروب الشمس.. أما باقى أيام الاسبوع فيواصل شائعاته عن تحريات بوليس الآداب عن سماح.. والصور التى التقطت لها وهى عارية.. والتسجيلات الفاضحة لما يجرى فى مكتب المحاماة.. فإذا تجرأ أحد الزبائن وسأله لماذا ينتظر بوليس الآداب كل هذا الوقت دون ان يقبض على سماح يأتى رده سريعا:
الموضوع مش سهل.. دى شبكة كبيرة والمباحث لازم توصل لكل اعضائها.. أصل كمان طلعت واحدة من الوسط الفنى فى الشبكة.. ممثلة معروفة.. والموضوع خطير!
البسطاء من أهل الحى كان كل منهم يتخيل ممثلة معينة ويحكى عنها لأهل بيته على أنها الممثلة التى تقوم بتسريح بنات الشبكة ومن بينهن سمع!.. ولم يكن غريبا أن يفرض الحى كله مقاطعة شاملة على سماح والست بدور التى اوشكت على الافلاس وبارت تجارتها ووصلت المقاطعة إلى حد تحريم طعمية أم سماح!.. إلا ان المقاطعة نفسها لم تفلح مما أثار عم فاروق الذى لاحظ ان الاحوال المادية لسماح وامها لم تتأثر حتى بعد ان سحبت بدور العربة والطاسة وكل أدوات المهنة التى صارت من الذكريات لينصرف زبائنها إلى مطعم الشامى!.. وهكذا بدأ عم فاروق يروج لحكاية جديدة تؤكد ان شبكة الآداب هى التى تنفق الآن على سماح وأمها!.. والتقط امام المسجد الخيط والتهتت خطبة وهو يحذر الاهالى من المال الحرام وكل جسد نبت من حرام فالنار أولى به!
ذات يوم أحتفل عم فاروق بوصول الحرارة إلى تليفونه منزله.. كان أول بيت يرن فيه جرس التليفون بالحى كله.. توافد اعضاء الاتحاد الاشتراكى على بيته للتهنئة واحتساء الشربات!.. وحبس بينهم عم فاروق يمتدح الرئيس عبدالناصر ويجتر ذكرياته مع البرقيات التى أرسلها إليه من قبل. كانت البرقية الأولى اعتذارا رقيقا من عم فاروق إلى الزعيم الملهم ورجاء من عم فاروق بأن يغفر له الزعيم الخطأ الفادح يوم اسماه أبوه «فاروق».. وأضاف ان عزاءه الوحيد للزعيم انه سمى ابنه جمال!.. والبرقية الثانية وحتى العاشرة كانت تهانى بأعياد الثورة والجلاء والنصر والوحدة والعمال.. أما أطول البرقيات فكانت دائما فى عيد ميلاد الزعيم فى 18 يناير والمسمى فى مصر بعيد الطفولة!
.. وبقدر سعادة عم فاروق بتليفونه الجديد بقدر ما اصابته منه كراهية شديدة، فبعد ثلاثة أيام فقط تلقى مكالمة من جهاز أمنى رفيع المستوى.. حدثه رئيس الجهاز بنفسه.. وكان فاروق يتصبب عرقا فى عز البرد مع كل جملة ينطق بها المسئول الأمنى الذى يعرف دبة النملة فى مصر!.. ظل جسد فاروق يرتجف وجحظت عيناه.. وارتبكت الكلمات فوق لسانه وهو يسمع تحذير المسئول الكبير:
أى كلمة تانى عن سماح هتلاقى نفسك فى السجن الحربى.. سامع؟!
سامع يا افندم!!
فاهم الكلام...؟!
فاهم يا افندم!!!
وتبتعه عم فاروق على الخط وقد انغلق فى وجهه!.. أمطار الشتاء الرهيب كانت تهطل والعرق يملأ وجه الرجل الذى لم يكن بمقدوره هذه المرة ان يقص سر المكالمة على أحد.. لم ينم ليلته!!.. أغلق محله ثلاثة أيام وأدعى المرض.. سؤال حائر كان يلح على ذهنه بلا اجابة.. هل وصل المينى چيب إلى هذا الجهاز الذى يحمى الرئاسة؟!.. وكان المشهد الذى اذاعه التليفزيون يلح على خاطر عم فاروق وكأنه ناقوس خطر.. انه مشهد الشيخ عاشور الذى كان نائبا للاسكندرية فى مجلس الأمة ووقف امام الزعيم على الهواء يشكو إليه فساد الاخلاق الذى وصل إلى ملابس النساء.. وقال الشيخ عاشور من تحت قبة البرلمان بالحرف الواحد:
الستات فى الاتوبيس ياريس بيبقوا قاعدين والبضاعة باينة!!!
وقتها لم يعلق الرئيس سوى ببعض العبارات التى سخرت من النائب.. وبعد أيام أحى النائب للجنة القيم وتم فصله فى البرلمان!
اتهم عم فاروق نفسه بالغباء.. فالزعيم لم يغضب من المينى چيب الذى يكشف بضاعة النساء فى وسائل المواصلات، لكنه غضب من الشيخ الذى انتقد المينى جيب!.. تألم فاروق طويلا.. تمنى لو عرف قبل ان يموت كيف وصلت سماح إلى قمة هذا الجهاز الامنى الخطير!.. لكن الأهم أنه من وقت المكالمة وإلى الأبد صار ممنوعا من أية اساءة توجه إلى سماح.. بل كان مطلوبا منه ان يدافع عنها وان يرد غيبتها؟
نفذ عم فاروق التعليمات حرفيا.. واصيب زبائنه بالذهول كلما فتح أحدهم سيرة سماح امامه فإذا به يروغ ويهرب ويتهرب ويغير الموضوع!.. لكن يبدو ان المصائب لاتأتى فرادى.. فما كاد الرجل يفيق من انكسارته امام فتاة المينى چيب حتى فوجىء بما هو أخطر!!
نار.. ودموع!
صباح يوم الاثنين ذهب فاروق إلى قسم الشرطة فى موعده المعتاد.. وخرجت زوجته إلى السوق تاركة ابنها جمال نائما فى سريره.. لكن أهل الحى ينتبهون على حريق ضخم يندلع من شقة عم فاروق.. ألسنة اللهب تتصاعد بسرعة البرق.. وصراخ نساء الحى يرتفع.. ويصل الخبر إلى عم فاروق فينفض مهرولا إلى بيته يسابق الريح.. وقف امام بيته يلطم كالنساء.. عجز ان يقتحم النيران.. وعجزت مثله الست بدور التى مزق صياحها القلوب وهى تخبر الجيران بأن سماح انطلقت كالسهم إلى بيت عم فاروق ونسيت أنها بقميص نومها.. وانقسم الجيران إلى فريقين أحدهما يبعد عم فاروق عن النيران ويمنعه من ان يلقى بنفسه داخل البيت لانقاذ ابنه.. وفريق آخر يقوم بنفس الشيء مع الست بدور التى ظن الجميع ان سماح احترقت هى الأخرى داخل المنزل المنكوب.. لكن سماح تظهر فجأة وهى تحمل جمال وتجرى به إلى خارج المنزل.. كان يبدو عليها الاعياء البالغ وهى تقاوم الاختناق.. اجلسوها على مقعد قريب وانطلقت زغاريد النساء فرحة بنجاة جمال، بينما كان بعض الرجال يهنئون عم فاروق، وبعضهم الآخر يتصل بالاسعاف لانقاذ سماح التى غابت عن الوعي!
وصلت المطافىء.. وانشغل الناس بمساعدة رجال الاطفاء.. وفجأة يشق عم فاروق الزحام يسأل عن سماح ليشكرها.. قالوا له أنها تجلس على المقعد فى انتظار الاسعاف، لكنه وجد المقعد من غير سماح!!.. سأل عنها أمها فأجابته وهى تبكى ان سماح لابد ان تكون وسط الزحام فهى لم ترها منذ أطمأنت عليها وهى جالسة على المقعد يداويها الجيران.. ينفض الزحام وتصل سيارة الاسعاف.. لكن سماح لاحس ولا خبر!!.. كأن الأرض انشقت وابتلعتها.. لا هى فى بيتها.. ولا فى الشارع.. ولابين النيران التى خمدت.. ولا فى الحى كله!!.. تحولت سماح إلى لغز كبير.. المباحث تدخلت.. المحامى الذى كانت تعمل لديه.. وجميع أهل الحي.. الكل يبحثون عنها يتقدمهم عم فاروق.. والست بدور تجوبه الشوارع والحوارى تنادى بأعلى صوتها:
يا سماح.. ردى على امك.. جيتبك!!
تمضى الايام.. ولا جديد..
اسرائيل تتحرش بسوريا وعبدالناصر يسخر من ايدن رئيس وزراء بريطانيا وطبول الحرب تدق بين مصر واسرائيل بعد اغلاق باب المندب.. حديث السياسة يعود ليفرض نفسه على اهل الحي.. لكنهم سرعان ما يعودون للحديث عن لغز سماح حتى بعد ان وقعت النكسة.. كانت سهرات أهل الحى تتقاسم بطولتها قصة انسحاب الجيش المصرى -س يناء.. ولغز اختفاء سماح من الحى!
انكسر عم فاروق.. لكنه لم يخلع صورة عبدالناصر من صالون الثورة.. لم يعد يسأل عن زبائنه الذين انفرط عقدهم واتجهوا جميعا إلى الصالون الجديد هرب من كآبة عم فاروق ودفاعه المستميت عن عبدالناصر حتى بعد ان مات!.. وبقيت سماح كالاسطورة التى يضيف إليها أهل الحى ويحذفون.. جاء احدهم يوما ليقسم انه شاهد سماح فى سيارة مرسيدس باشارة مرور بميدان عابدين، لكنه من ان اقترب منها حتى اسرعت بها السيارة لتختفى عن النظر!.. وأرسل أحد ابناء الحى الذى هاجر بعد النكسة إلى احدى الدول الأوروبية خطابا إلى أهله يؤكد فيه انه شاهد سماح فى القطار الى يربط بين لندن وباريس.. ولأنه كان على رصيف المحطة وكانت هى تجلس بجوار النافذة لم يستطع اللحاق بها بعد ان تحرك القطار!
كانت الست بدور التى فقدت بصرها تسمع كل هذه الأنباء وتعيش على أمل ان تصدق احداها.. خاصة وان سماح تزورها فى المنام بين حين وآخر لتطلب منها ان تنتظرها على محطة المترو بغمزة صباح يوم الخميس!
.. وبالفعل كانت الست بدور تقف منذ الصباح الباكر كل خميس على رصيف محطة المترو وما ان يصل المترو حتى تجرى بين عرباته ونوافذه وهى تنادى بأعلى صوتها.. على سماح!.. لكن بلا مجيب!
الخميس 24 يناير.. وصل المترو.. وقف لحظات على رصيف المحطة.. كان الركاب قد تعودوا على مشهد الست بدور.. واشفقوا عليها.. لكن فى هذا الصباح سمع السائق وهو يتحرك بالمترو صراخ الركاب.. توقف.. نزل.. فوجىء بأن الست بدور سقطت تحت العجلات.. وتحولت إلى اشلاء بعضها التصق بقضبان المحطة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.