ليست الحياة إلا سلسلة من الحكايات المتصلة علي مدار الأيام والتجارب.. أن يصبح الإنسان هوموضوع التأمل نفسه فهذا بالتأكيد أمر صعب.. فإن التقاط العقل لمشاهد منفصلة على مدار الحياة يمكن أن يكون بالنسبة لأى شخص عملاً صعباً ومراوغاً فهو يقتضى النظر لمسافات بعيدة ووهمية عاشتها بالذاتا قليلاً وبصورة مفارقة وهى أنا الآن. لكن الفكرة تستهوينى وتغرى على الكتابة ليس استرجاعاً لزمن أو استدعاءاً لوقائع بل تأملاً متسائلاً عن الأيام التى عشتها فى التجارب التى مررت بها والخطوات التى سرتها فى طريقى، لم تكن محددة أو واضحة لكن تدريجياً تحددت أو اتضحت.. هكذا أظن! ومفردة التكوين دقيقة لأن الحياة ما هى إلا تكويناً متصلاً ودائماً بلغة المسرح، وعلى مدار الأيام والتجارب يظل التكوين مشروعاً دائماً يكاد يكون يومياً ويظل احتمالاً لا خبرة منقضية ويظل رهاناً لا فعلاً متحققاً، ولعلنا نذكر التسمية التى ذكرها د. شكرى عياد لتكون دالة على حياته ومشروعه الفكرى وهى بالعيش على الحافةا.. إلا أننى نقيضاً لذلكذ وليس هذا اجتراءاً على مقام د. شكري- عشت فى وسط الطريق فى قلب التزاحم والناس والعمل اليومى والإصرار.. البحث العلمى عندى ليس مراجع وافتراضات وقراءات منهجية فقط، ولكن سؤال اجتماعى، والعمل الثقافى ليس إستهواءاً نخبوياً لكنه مشروع أطرحه واختبره فى الشارع والمسرح والجامعة. وهكذا أحاول الآن التركيز على فواصل أو نقاط أراها دالة على تكوينى بالمعنى الذى أشرت إليه.. أى باعتباره فعلاً متجدداً وممارسة متصلة يومية.. اتساءل ما الذى أثر فى تكوينى وإلى أين يفضى بى هذا السؤال لو جعلته موضوعاً للتأمل؟! أتذكر بجلاء أن المواجهة المبكرة مع الموت كان لها أثر شديد العمق على نفسى، لو كنت حسبت هذه المواجهة أكثر من مرة ففى طفولتى فقدت الأب والجدة ثم الخال الذى كان بمثابة الأب، وخلف هذا أثراً دائماً فى نفسى بحيث أصبح أى فعل يرتبط لدى بسؤال معلق لدى حتى أخره، فهناك تراكماً لا يمكن إنكاره فإن كل فعل يمضى بلا توقف نحو نهاية ما تخصه، ولا أستطيع القول إن مسألة نهاية الأمور أو الأشياء كانت أمراً معطلاً لحياتى بل على العكس قد بدت وكأنها تفجر منابع لا تنضب للتأمل وتحفز على المحاولة المستمرة ولا تكل تجاه المزيد من الصدق فى الفعل سواء مع الذات أو مع الناس، ففى قرارة النفس هناك ايمان عميق لا ينحصر فى الانتماء الدينى أو العقلى لكنه إيمان بأن ثمة تكلفة لكل فعل وثمة ثمن أو مقابل سواء للخير أو الشر، وبالتالى فأياً كانت النهايات التى تمضى نحوها الأفعال فهى لا تتساوى قط، وقديماً قبل الأديان السماوية كان الإغريق يرمزون لهذا النوع من الإيمان بالإله بنيميسيسا.. وخلاصة القول أؤمن بأن هناك نهاية لكل شئ وثمن للخير والشر. وأريد بالانتقال لعلاقتى بوالدى والتى جسدت أحد محاور حياتى فكانت العلاقة بالأب رجل القضاء الصارم الذى حرص على تعليمى أشياء مرتبطة بالجدية والتواضع والنزاهة برغم قصر المدة التى عايشته فيها، علاقة شديدة الخصوصية وكان يجيد الحكى وجعل من الحدوتة المأخوذة سواء من القصص الدينى أو قصص الحيوانات التراثية المجرى الذى تصب فيه منظومة القيم التى تربيت عليها.