آلام السيد المسيح عليه السلام هي حلقة من حلقات الرسل والأنبياء في معاناتهم مع أقوامهم الذين عاندوا رسالات التوحيد وأصروا علي الكفر حتي وصل بهم الأمر في بعض الأحيان إلي قتل الكثير من الأنبياء والرسل أو محاولة قتلهم. السيد المسيح عليه السلام قابل شر بني إسرائيل في مهده وتحمل رحلة الآلام بالصبر والرحمة وبمقابلة الشر بالحب والدعوة لأعدائه بأن يهديهم الله إلي سبل الرشاد.. ونحن الآن نمر بمرحلة أخري من العذاب ونشر الشرور بين الناس رحلة تسمي إجرام.. رحلة فتن وقتل وحرق دور العبادة ونشر الذعر بين أبناء الوطن الواحد. لقد كان في قول الحبيب الجفري مثلا يحتذي به: »لا تقل مسلما حرق كنيسة أو مسيحيا حرق مسجدا وإنما قل مجرما فعل هذا أو ذاك». حقا هو مجرم فليس في الرسالات السماوية ما يدعو أن يدمر بعضنا بعضا أيا كانت ديانته بل هناك دعوة صادقة تحث علي البر والعفو والتسامح. هذا المجرم لابد من إيقاف فاعلياته وعدم مؤازرته بل الإمساك به ونصحه فإن لم يُجدِّ فعقابه من خلال القانون.. من هنا فقط لا ينظر أحدنا للآخر علي أنه عدو لدينه بل عدو لنفسه ولمجتمعه ووطنه فيقبل الجميع العقاب بصدر رحب بدون تداعيات. من الممكن احتواء أي حادث بهذا الفكر العقابي للمواطن المذنب دون البحث عن ماض لشحن أتباع هذا الفريق أو ذاك بناء علي أرضية مشتعلة خمدت بعض الوقت ولكنها كالنار تحت الرماد.. وعلي الأئمة والقساوسة أن يبددوا مخاوف المواطنين بأن علاج فتن الماضي إنما يبدأ بصفحة العقاب القانوني دون السؤال عن ديانة المذنب. المجتمع أخطأ طويلا وكثيرا في احتواء الاحتقانات السابقة ولكن الفرصة لم تضع بعد إذا خلصت النوايا بأن حساب الماضي لا يمكن تطبيقه الآن وكأننا في ثأر لم ينته بعد وكفي المؤمنين شر القتال وأن الصفحة البيضاءالجديدة سوف تكفل عقاب المجرم لأن اللعب بالدين أشد من اللعب بالنار لأنه يحرق أمة ولا يحرق صاحبه فقط. أدعو أبناء الوطن الذي احتضن علي أرضه الرسالات السماوية واستقبل الأنبياء والرسل أن تعم روح السماحة والحب والإخاء بيننا وأن نقدم بأنفسنا الدرس للمسئولين ولقد كانت المسيرة التي جمعت المسلمين والمسيحيين تحت شعار «ايد واحدة» نموذجا يحتذي به بعد حادث الخصوص والكاتدرائية. علي من يدَّعون أنهم رجال دين من الطرفين أن يخلعوا عن أنفسهم أي شعارات دينية أو طائفية في أعقاب أي حادث وأن يترك الأمر للقضاء يقول فيه كلمته حتي وإن كانت لا ترضي أيا من الأطراف فهي أحق من الفوضي التي تهدم المسجد والكنيسة. علينا أن نجاهد أنفسنا أولا وأن نفكر جيدا قبل استخدام بعض الكلمات الجليلة، مثل «حي علي الجهاد» التي تعني في الأصل وقت الحرب علي الأعداء ولا تقال علي خلاف أو جريمة بين بعض أفراد الوطن وإلا خرج الناس جميعا كلما قتل أو أصيب أحد أفرادها للجهاد بقتل الآخر وهنا لا داعي للدولة أو القانون!