منذ أن كنت صغيرة وأنا أقرأ. أنزوي في ركن واتلهي بالقراءة عن الدنيا. شجعني أبي رحمة الله عليه وكذلك أمي وجدتي أحضرت لي ألواناً خشبية كي أرسم. وظل أمل الكتابة بعيداً عني. كلما قرأت أكثر أزداد إعجاباً وعجزاً. وأسأل نفسي: كيف يكتب هؤلاء؟ الاجابة لا تأتي أبداً كما تقول الكاتبة أميمة عز الدين مضيفة تشجعت وكتبت قصة ساذجة لا تمت إلا لموضوعات التعبير وأنا في الثانوية العامة وفي العام الجامعي الأول ذهبت لندوة الكاتب الكبير محمد جبريل الذي علمني كيف تكون القصة القصيرة. لم يحاول أبداً السخرية مني بل. شجعني وطلب مني أن أقرأ كثيراً وإعطائي عناوين لبعض الكتب. التهمتها وبدت الرؤية واضحة. فما كتبته ليس سوي موضوع إنشائي سخيف. بعد عامين ذهبت لندوة الأستاذ محمد جبريل وقرأت قصتي. وأخبرني أن علي التريث قليلاً. أحبطت وأيقنت أنني لن استطيع أن أكون كاتبة علي الإطلاق. حتي كتبت قصتين وأرسلت إحداهما للراحل الجميل محسن الخياط الذي كان مشرفاً علي صفحة أدباء الأقاليم بجريدة الجمهورية منذ أكثر من عشرين عاماً والأخري أرسلتها لأستاذي جبريل. فوجئت بقصتي منشورة بباب أدباء الأقاليم وفرحت كثيراً وفي الأسبوع التالي وجدت أستاذي جبريل ينشر لي القصة الثانية. لا أنكر أبداً أن الكاتب محمد جبريل أول من ساعدني ولقنني الكثير من الدروس. لم يكن أبداً متعالياً بل كان يمرر ما يريد في صورة أمثلة بسيطة دون تكبر أو صلف..تضيف سعد أبي بذلك كثيراً وكذلك أمي. أما جدتي فلقد كانت تمسك الجريدة وتمرر أصبعها علي اسمي في سعادة لا أنكر أن الزواج قد اخذ مني ككاتبة الكثير فلقد ظللت عشر سنوات لا أنشر.. فقط أقرأ ثم أقرأ وقليلاً ما أكتب. فالمرأة عندما تتزوج يصبح البيت والأولاد كل همها ورسالتها الأولي في الحياة. ولهذا فبعد حصولي علي الماجستير في إدارة الأعمال قررت التفرغ لأولادي. ورغم عدم استكمالي للدراسات العليا إلا أن أولادي لهم الفضل علي تطور كتاباتي فلولاهم ولولا حكاياتي لهم لما استطعت أن أكتب للأطفال. والحقيقة أن أولادي هم كل حياتي. فلا أملك عقلية تجارية أو حتي حالمة أمامهم بل علي العكس أتعامل معهم كما لو أننا من نفس الجيل. نتعلم من بعضنا. لا أحاول أن أكون اما تقليدية فنحن نضحك ونتشاجر ونفكر معاً. وأفرح أحياناً وينتابني حالات صخب أحياناً أخري مثلهم..تخرجت أميمة عز الدين في كلية التجارة جامعة الزقازيق عام 1991 وحصلت علي الماجستير من جامعة قناة السويس عام 2004 تقول لم أخطط كي أصبح كاتبة. فقد كان حلم أبي أن أصبح طبيبة. ولكني التحقت بكلية التجارة فلم يؤهلني مجموعي بالثانوية العامة للالتحاق إلا بكلية الطب البيطري جامعة أسيوط. رفضت أمي بشدة اغترابي أو سفري أو أن أصبح طبيبة بيطرية. فاخترت كلية التجارة وأنا مجبرة وكارهة لنفسي والدنيا ولم ينقذني من حالة الإحباط إلا قراءاتي في الأدب وكل شيء. وطبعاً الكتابة التي تمثل بالنسبة لي حالة من الفضفضة والبوح. رغم أنها أحياناً ما تصنف علي أنها "شغل مجانين" وفراغ ورفاهية لكنها لكل من عشقها حياة أخري كاملة. نتورط فيها بإرادتنا. ولا نستطيع الفكاك منها إلا بالموت. تضيف.. كثير هم من شجعوني أذكر أبي رحمة الله عليه. وجدتي وأمي شفاها الله. فقد انتبه أبي لموهبتي مبكراً لأنه حرم من تعليمه. فكان يريدني أن أكون "الست الدكتورة" وعندما لم أحقق حلمه ووجدني أسبح في بحر آخر شجعني ووجدتها فرصة لأكون ذات قيمة أمامه وأمام نفسي وكان يعشق سيرة عباس محمود العقاد ويظل يرددها وكيف أنه بني نفسه بنفسه وتعلم حتي صار مفكراً وكاتباً كبيراً. وبالطبع فقد تأثرت بها كثيراً. أما زوجي فهو طبيب وأستاذ الجراحة العامة بكلية الطب جامعة الزقازيق وهو يمثل كفة الميزان الأخري لدي ولدي الأولاد فهو متزن وعاقل ويحسب لكل خطوة ألف حساب ودائماً اعتمد عليه في الأمور التي تحتاج إلي خبرة وتعقل. وهو متفهم الآن إلي حد كبير لحالة الكتابة. في البداية كان غير راض تماماً عنها ويظنها ستصرفني عن الأولاد والبيت. حاولت بقدر الإمكان أن أمسك العصا من الوسط لكن بالطبع سيحدث خلل ما في ناحية. فنحن بشر ولا نخضع للقياسات والنظريات. أحاول بقدر طاقتي أن يكون للبيت اليد العليا. فيأتي الأولاد أولاً وبعدهم الكتابة فرغم عشقي الشديد لها إلا أنني أعشق أولادي أكثر. والحمد لله فقد صدرت لي عدة روايات كالحرير المخملي عام 2007 ونصف ساعة بالممر عام 2008 ومجموعة قصصية بعنوان ليلة الوداع الأخير عام 2010 وكلها أعتز بها أما كتاباتي للأطفال فمازالت جنيناً لم ير النور بعد. وأعترف أن الكتابة للطفل تجربة شاقة ورائعة في نفس الوقت خاصة تلك الأيام فالأطفال بالفعل اختلفوا عن أيامنا. لا سبيل معهم إلا الإقناع. فالشدة لا تجدي معهم شيئاً ولا اللين أيضاً. أحاول أن أكون صديقتهم وصاحبتهم نتحدث أنا وهم في كل شيء. لا أحاول التبرم من آرائهم المخالفة لرأيي. إما يقنعونني أو اقنعهم وفي الغالب هم من يقنعونني. أعترف أني أمامهم باهتة الملامح والشخصية. أذوب في شخصياتهم المتعددة والجامحة وأحاول ترويض مشاكلهم ومشاكستهم التي أعشقها. بدأت الكتابة للأطفال عندما بدأت في الحكي لابني الكبير محمد منذ أكثر من عشر سنوات. أعجبته الحكايات. في البداية اعتمدت علي قصص الغير حتي نفد الرصيد وبدأت في ارتجال قصص له قبل النوم حتي ينام. العجيب أنني كنت أظن أن حكايتي انتهت لكنه في الليلة التي تليها كان يسألني أن أكمل فاضطر إلي التأليف الارتجالي مرة أخري وتظل معه الحكاية حتي دفعني لكتابتها علي الورق وصار هو من يحكم علي جودة العمل. من خلال تذوقه هو. كانت النتيجة مدهشة. وجدت نوعاً آخر من الكتابة. مازلت إلي الآن أمارس طقوس الحكي لهم حتي يومنا هذا لكني أحياناً أقف عاجزة وهذا يحدث كثيراً أمام تساؤلاتهم التي تزداد يوماً بعد يوم مثل أي أم أحاول تمرير قيم كبيرة لكنهم يعرضون عني إذا كانت البداية موعظة حسنة. يأتي هذا التمرير من خلال موقف أو حدوتة. فالأطفال يعشقون الحكي الفوضوي. وبهرجة الحكايات تأتي من تنوع الأحداث. أما الملل فهو عدوهم لذلك تجدهم يتحركون كثيراً.