لا أريد أن أخوض في الانتخابات التي انتهت هذا الأسبوع.. فالجميع يعرف جيدًا ما حدث فيها.. وكيف جرت.. فهي لا تحتاج مني إلي أي تعليق.. ولكن الذي يستوقفني.. هو استمرار الغالبية الصامتة في العزوف عن المشاركة في هذه الانتخابات.. وعدم ذهابها إلي صناديق الانتخابات.. وهذا أبلغ رد علي ما حدث في الانتخابات.. فإن استمرارالأغلبية الصامتة في موقفها من الانتخابات يعكس دلالة مهمة.. لها أكثر من معني ورمز. لكن ما استوقفني .. هو الحكم الصادر بإعدام طارق عزيز نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي في عهد صدام حسين.. تذكرت المجد الذي كان يعيشه الرجل خلال تربعه علي كرسي المنصب.. وكيف كان الناس تتمني مجرد الاقتراب منه.. أو مصافحته.. وكان ملجأ للناس.. يرجونه لحل مشاكلهم.. أو مساعدتهم.. أو التوسط لهم.. يا سبحان الله.. أبعد كل هذا المجد والسلطة.. يتغير الحال.. ويصبح الرجل الذي كان الناس يرجونه بالأمس.. هو الذي يرجو الناس أن يعفوا عنه ويخففوا الحكم إلي السجن بدلاً من الإعدام.. ليس الرجل وحده بل أسرته المقيمة في الأردن منذ عام 2003 يرجون الدنيا كلها التدخل لإنقاذ الرجل.. لا أدري لماذا قفزت صورة طارق عزيز أمامي.. وأنا أتابع الانتخابات البرلمانية عندنا.. وقلت في نفسي: ما هذه الدنيا.. هل الإنسان الذي يجلس علي قمة السلطة.. يجد نفسه ذليلا لدرجة أنه يبحث عن العفو بكل الطرق والوسائل.. قلت: يا سبحان الله.. الناس هتموت علي المنصب.. ومستعدة تدفع حياتها وأموالها وأولادها مقابل دخولها مجلس الشعب.. وأمامها نماذج من الكبار الذين جلسوا بالفعل علي كرسي أعلي سلطة.. اليوم يواجهون الإعدام!! هل جاء في تفكير طارق عزيز.. ولو للحظة واحدة.. أنه سيواجه الموت بحكم قضائي.. وبهذه الصورة المهينة.. ماذا فعل المنصب لوزير خارجية العراق نائب رئيس الوزراء.. ومن قبله الرئيس العراقي نفسه صدام حسين.. هذه هي النهاية المؤلمة للمجد.. لا أحد يتوقع طوال سعيه للمنصب.. أن هذا المنصب قد يكون وبالاً عليه في يوم من الأيام.. المؤسف أن ايطاليا.. أعلنت أنها سوف تقوم بمحاولة لتخفيف الحكم عن طارق عزيز.. خلال زيارة موريتسيو ماساري وزير خارجيتها للعراق.. الأحد القادم.. من هنا أتساءل: أين العرب؟! درس طارق عزيز.. هل يعيه كل من يجلس علي كرسي السلطة.. هل يفهم كل مسئول هذه النهاية.. ويعرف جيدًا.. أن من يظلم.. يُظلم ولو بعد حين.. وأن الله يُمهل ولا يُهمل.. هل يعرف الكبار.. أن المناصب لا تدوم.. وأن من بيده السلطة والنفوذ.. يمكن أن يفقدها بأسرع مما وصلت إليه.. فهل نتعظ؟!!! الأكثر من ذلك.. ما ظهر هذه الأيام.. من كشف الأسرار.. وفضح ما يجري في الغرف المغلقة.. موقع ويكيليكس علي النت.. موقع كشف الأسرار.. الذي هز الكبار.. وكشف الحقيقة.. هذا الموقع يذيع الوثائق السرية لوزارة الخارجية الأمريكية.. وما تحتويه من فضائح.. ومواقف غير معلنة للقادة والرؤساء الأمريكان.. خاصة فيما يتعلق بقضايانا المصيرية.. وقد توقفت أمام الوثيقة التي تكشف حقيقة موقف مصر من غزو العراق.. حيث قالت سفيرة أمريكا في القاهرة سكوبي.. في إحدي رسائلها إلي الخارجية الأمريكية: إن الرئيس حسني مبارك يستمتع بتكرار العبارات التي حذر بها الرئيس الأمريكي جورج بوش من غزو العراق علي مسامع أعضاء الكونجرس الذين يزورون القاهرة.. وهذه الوثيقة تؤكد أن ما كتبه الرئيس بوش في كتابه.. ليس صحيحا.. وان الوثائق السرية لا تكذب.. وليست هناك أية مصلحة لموقع ويكيليكس لإذاعة أية وثائق غير صحيحة.. فالموقع تحت يديه ربع مليون أي 250 ألف برقية دبلوماسية سرية أمريكية.. وقد نشرت بالفعل مختلف الصحف العالمية العديد من هذه الوثائق.. وهي تكشف دور أمريكا مع مختلف دول العالم.. ومواقفها السرية غير المعلنة تجاه مختلف القضايا.. وان العديد من هذه الوثائق حديث جدًا.. يعود إلي بداية العام الحالي وما قبله طبعا.. هذه الوثائق .. مسروقة طبعا من الخارجية الأمريكية.. والبنتاجون.. وهو ما دفع روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي.. لإجراء عملية تحقيقات واسعة.. لمعرفة كيفية تسريب هذه الوثائق لموقع ويكيليكس.. ولوضع نظام صارم لمنع تكرار مثل هذا التسريب.. لأهم وأخطر الوثائق السرية الأمريكية.. هذه الوثائق كشف أيضا الآراء الصريحة وغير المعلنة لرجال الدبلوماسية الأمريكية.. في عدد من زعماء العالم.. منهم ساركوزي رئيس فرنسا.. وبيرلسكوني رئيس الحكومة الايطالية.. والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل.. والرئيس الليبي معمر القذافي.. والرئيس الروسي ديمتري مدفيديف.. وطبعا لست في حاجة إلي تكرار ما قيل عن هؤلاء.. فهي موجودة علي الموقع ونشرها العديد من صحف العالم.. ولكني أكتفي بما جاء في هذه الوثائق من أن مسئولاً إيرانياً كشف أن إيران أرسلت السلاح ورجالاً من الحرس الثوري إلي لبنان خلال حربها مع إسرائيل عام 2006 داخل سيارات الإسعاف.. كما أكدت الوثائق أن رئيس الوزراء التركي رجب أردوجان يكره إسرائيل ويحتقرها. المهم.. لا أدري ما هي العلاقة.. بين ما حدث في الانتخابات البرلمانية المصرية.. والحكم بإعدام طارق عزيز.. وكشف وثائق سرية أمريكية.. هل هو المجد والسقوط.. أو الحقيقة المؤلمة.. أو ضحايا مغريات المنصب الخادع.. أو أشياء أخري!!! لا أدري. E.mail:[email protected]