لم يفرض الله الحج إلا على المستطيع الذى يملك القدرة المادية والبدنية على السفر للديار المقدسة، ويقوى على خدمة نفسه فى الجو المعاصر لأداء الفريضة وما يعتريه من زحام وتدافع لا يرحم فيه الأقوياء الضعفاء ولا تسعف فيه بعض ثقافات الشعوب الإسلامية اهلها عند أداء الفريضة فى انزال مبادئ الإسلام عند الاحتكاك بالآخرين، فلا يكون لهم من هم إلا دفعهم بقوة ليثمروا، وكأنهم يجاهدون فى الميدان، وليسوا جميعا ضيوفا فى بيت الرحمن، هذه الأجواء التى اصبحت من السمات المعاصرة لاداء الفريضة يجب ان تؤخذ فى الحسبان عند القيام بها، فليس من مقصد الشارع ان يهلك ضعاف المسلمين أنفسهم تحت أقدام المندفعين والأقوياء وهم يطوفون أو يتنقلون بين المناسك، ولهذا جعل الله الفرض واجبا على المستطيع، وحدد النبى صلى الله عليه وسلم الاستطاعة بالقدرة المادية والبدنية التى يكون بها المسلم قادرا على مجاهدة الزحام، ورفع الهلاك عن نفسه. وقد حزنت كثيرا عندما رأيت سيدة مسنة مريضة تبكى يوم عرفة وهى محتبسة بأحد المستشفيات لعلاجها من مرض حال بينها وبين ركن الحج الأعظم، وذلك لما حل بها من هجوم المرض عليها واقعدها عن المراد وهى على بعد أميال قليلة منه، ولو أنها قعدت بمصر ولم تسافر، لكان أهون على نفسها من قسوة الحرمان الذى ابتليت به وحال بينها وبين عرفات، وهى قريبة منه، فقتلها العطش والحنين للماء، وهو يجرى رقراقا تحت قدميها، ولله فى خلقه شئون. وحملت الأخبار أنباء عن سفر حجاج وهم يعانون من أمراض مستعصية تحتاج إلى علاج كيماوى بصفة دورية منتظمة، أو فشل كلوى يحتاج إلى غسيل كل يومين أو أكثر، فلما سافروا إلى الديار المقدسة كان شغل القائمين على الحج بهم عبئا يفوق تفرغهم لرعاية غيرهم من آلاف الحجيج، بل وصل الأمر إلى سفر مسنين مصابين بمرض الزهايمر فكانوا إذا خرجوا من مقار إقامتهم عجزوا عن العودة إليها، وينشغل الآخرون بهم، أو يتركون ذكر الله وعبادته ليتفرغوا للسؤال عليهم أو البحث عنهم، ويعجب المرء من هذا التزيد الذى ليس اصلا فى دين الله، بل يعد من التشدد فى الدين لا يرضاه الله ورسوله. ان مرض الزهايمر مانع من التكليف ورافع له، فلا يكون صاحبه مسئولا أمام الله عن أى فعل يفعله، او لا يفعله من العبادات التى لا تحتاج أو تحتاج إلى سفر وانتقال ومزاحمة ومشقة، ومن ثم لا يكون الحج واجباً عليه، لأنه لا يذكره، ولا يدرى لماذا يفعله، واذا فعله ظاهرا فليست له نية أو قصد يجعله يتوجه بما يفعله لله، أو ينوى به العبادة، لأنه ليست له نية أصلا، فلماذا هذا التزيد، ولماذا هذا التكليف بما لا يلزم الشخص القيام به؟، والمريض بالكلى الذى يحتاج الى غسيل بصفة دورية ، وكذلك اصحاب الامراض المستعصية ليست لهم استطاعة لأداء الحج، ولهذا لا يجب عليهم ان يؤدوه، اللهم إلا اذا كانوا يأملون ان يموتوا هناك ويدفنوا فى مقابر مكة أو المدينة، كما يأمل كثيرون ذلك طمعا فى ان ينالوا من رضا الله، الذى ورد الحديث عنه فى بعض الآثار، لكن تلك الأمانى ليست من مقاصد الحج، لاسيما إذا ما قورنت بالعنت الذى يلقاه الآخرون فى رعاية هؤلاء المرضى، وهم لا يجب عليهم القيام بالحج، إن أداء العبادات أساسه العقل، لأنه أساس التكليف والعقل يجب ان يكون موجودا عند القيام بالعبادة، وعند تطبيق الاحكام المنظمة للقيام بالعبادة، وبدون ذلك لا نكون مصيبين لحكم الله، تقبل الله الحج من الجميع.