«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات من الأراضي المقدسة .. د/عبد الله بهنساوي
نشر في المصريون يوم 27 - 01 - 2006

من الفرائض التي تتمتع بخصوصية شديدة، فريضة الحج، تلك التي فرضها الله علينا مرة واحدة في العمر مع توفر شرط الاستطاعة، وفي الحديث عن الاستطاعة، نجد انفسنا أمام مدخلات كثيرة وتساؤلات أكثر تدور حول هذه الاستطاعة بحثاً عن ماهية الاستطاعة، هل المقصود بها القدرة البدنية؟ أم القدرة المالية؟ أم القدرة الصحية؟ ولم يتساءل أحد حول القدرة المعرفية تلك التي على ما يبدو هي أهم هذه القدرات سالفة الذكر. إذا كتب الله لك التوجه لآداء مناسك الحج ، فإنك ستكون أمام عدة عقبات لابد من التغلب عليها حتى يتيسر لك السفر الى الأراضي المقدسة أولاها، الانضمام الى إحدى حملات الحج للقيام بجميع الأمورالمتعلقة بمناسك الحج التي مهما كان يعلمها المتوجه الى الأراضي المقدسة فإنه يجهل البعض منها، بسبب أن هذه الفريضة فرضها الله تعالى علينا مرة واحدة في العمر، قد يكون البعض على دراية كاملة بالمناسك لسعة اطلاعة، أو للتعمق في الدراسة، أو للحج أكثر من مرة ولكن مع ذلك تبقى بعض الأمور التي يفاجأ بها الحاج، في حاجة الى تفسير، ومن المفترض أن هذه هي مهمة الحملة التي ينضم اليها الحاج، وبكل أسى وأسف نجد معظم حملات الحج تخلو من أي جانب معرفي حول المناسك، والهدف الأسمى يتمثل في الجانب الاقتصادي، بقصد تحصيل اكبر حجم من الأموال، وإنفاق اقل حجم منها على الحاج من مسكن، أو مأكل، أو تنقلات، أو رسوم التأشيرة ورسوم المطوف، أو تذاكر الطيران ، أو الحافلات .. إلخ ، أما عن آداء المناسك فذلك لا يمثل اي مشكلة، لذلك نقترح من أجل آداء حج صحيح يقبله الله تعالى أن لا يمنح الترخيص بمزاولة هذا المشروع إلا لمن لة دراية واسعة بالحج وأركانه ومناسكة وفلسفته كالعلة من الطواف أو السعي أو رمي الجمرات أو ... إلخ كما أنه قبل إصدار الترخيص بمزاولة هذا العمل يحب التأكد من اكتمال فريق العمل من مرشدين دينيين ووعاظ ثابتين أو معارين. أما مسألة إجراءات السفر من استخراج التأشيرات أو حجز الطيران للمسافرين جواً، أو حافلات النقل البري للمسافرين عن طريق البر، أو حجز السفن للمسافرين بحراً فمن الممكن أن تقوم بها شركات السياحة، لما لهذه الشركات من حرفية في مثل هذه المسائل. قد يكون في كل حملة واعظ ديني منتدب، أو موفد مجاملةً لشرح المناسك والتأكيد على آداء هذا أو ذاك، والتحذير من ذلك أو هذا، وقد يكون البعض مخلصاً، ولكن في المقابل قد يكون البعض الآخر مهملاً، الأمر الذي يؤدي الى ضياع الحج من الحاج. ويكون ذلك بسبب ضعف هذا الواعظ الديني علمياً، ومن ثم يجب على من يوفد لمرافقه حملة ما للحج أن يخضع لاختبارات دقيقة حتى يكون أهلا لنيل هذا الشرف الكبير. فقد لوحظ أن معظم هؤلاء الوعاظ ليسوا بقادرين على تحمل هذه المسؤولية ويفتون عن غيرعلم معتمدين على المقولة التى كثيراً ما تسمعها أثناء الحج ( الاختلاف بين الفقهاء رحمة ) نعم هذا صحيح ولكن بشرط عدم التتناقض أو التضاد بين الفتاوى، إذ فليس من المقبول عقلاً ان يجيز فقيه عملاً بدون فداء، ويجيز الآخر نفس العمل مع ضرورة الفداء ( الدم ) ويرفض الثالث نفس العمل رفضاً قاطعاً سواءاً بفداء أو بدون فداء، فهل هذا هو المقصود بمعنى الاختلاف بين الائمة رحمة؟ وفي خضم هذا التباين يقع الحاج في الشك. إن إحدى حملات الحج هذا العام لم يبت أعضاؤها بمزدلفة ولم يصلون بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وتساءل الحجاج، ما العمل؟ هل الحج باطل؟ فكانت الاجابة لا؛ لأن الحج عرفة، وقال آخر يجب الفداء على كل عضو من الحملة حتى يصلح حجه، وقال ثالث إن المبيت بمزدلفة نافلة وليس ركناً من أركان الحج ومن ثم فليس على الحجاج شيء، إن المتسبب في هذا الخطأ هو راعي الحملة شخصياً، وعندما سألة أحد أعضاء الحملة عن ذلك كانت إجابته ( لبيك اللهم لبيك .. لبيك اللهم لبيك ..) كما فعل زكي رستم مع فريد شوقي في فيلم رصيف نمرة خمسة؛ بقصد التملص من الموقف. وعندما بدأت الثورة تستعر حوله من جميع اعضاء الحملة تقريبا، قال: إن الشرطة هي التي حولت مسار الحافلة من عرفات إلى المجهول، ظل الركاب حوالي سبعة عشر ساعة في ذلك الصندوق المغلق – أقصد الحافلة – ومن ثم فقدت تلك الرحلة الروحية روحانيتها وتحولت الى جدال في الحج، وكما هو معلوم لاجدال في الحج. فما هي الفتوى في ذلك، وهل ستكون قاطعة؟ أم الاختلاف بين الائمة رحمة؟ الله أعلم. إن بعض أصحاب الحملات لا يلتزمون بما هو وارد بالعقود فيما يتعلق بالمسكن أو الماكل أو التنقلات اعتماداً منهم على عبارة ( سامحونا جزاكم الله خيراً ) والحجاج يتسامحون حتى يجزيهم الله خيراً لأنهم لم يتوجهوا إلى الأراضي المقدسة إلا لكي يجزيهم الله خيراً. إذا تأملت الحجيج، تجد أن معظمهم شديد السذاجة فيما يتعلق بأعمال الحج؛ وذلك على ما يبدو بسبب خلو الخلفية الدينية لديهم من أية معرفه حول فريضة الحج. البعض لا يتنافس بل يتصارع أثناء الطواف حول الكعبة الشريفة على هيئة تدافع وتزاحم وقتال، يفترس فيه القوي الضعيف ويسحق الشاب فيه العجوز، وتزاحم المراة فيه الرجل، ويعيق فيه السليم المعوق، ناهيك عما يحدث عندما يصل الطائفون إلى الحجرالأسود أو حتى بمحاذاته وكأنهم أتوا خصيصاً لعبادة الحجر الأسود. ونحن لاننكر قدسية الحجر الأسود، ولا ننسى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبله، ولا ننسى أيضاً أن سيدنا عمر بن الخطاب قبله بعد ما قال مقولته الشهيرة: " والله إنني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك"، ومن لا يتيسر لهم القتال للاستلام أو التقبيل؛ يتزاحمون بمحاذاته للإشارة اليه قائلين ( بسم الله وبالله، الله أكبر ) وهنا تجد الزحام والتكدس الذي يعيق مسيرة الطواف في أكبر مشاهد التقاتل والتزاحم على الصعيد الانطولوجي قاطبة. ومن السلوكات المرفوضة أيضاً، إصرار البعض على صلاة ركعتي سنة الطواف في مقام إبراهيم ، خلف مقام إبراهيم مباشرة مهما كان عدد الطائفين ومهما كانت شدة الزحام، تجد بعض الأقوياء من الشباب يتحاوطون حول المصلي لمنع الطواف أوعرقلته حتى ينتهي من صلاة الركعتين، ثم يصلي رفيقه الآخر محاطاً برفاقه، وهكذا تباعاً. السعي بين الصفا والمروة من مناسك الحج الأساسية، والمسعى لابأس أن نشبهه - مع شدة الاحترام بقدسية المكان الذي قطعته سيدتنا هاجر ذاهبة آيبة بحثاً عن الماء لسيدنا اسماعيل عليه السلام - بحلبة المصارعة و تزاحم يصل الى حد العراك ، قد يستغرب القاريء أو يستنكر ما أكتب ولكن أشهد الله أن كل ما تقرأ هو الواقع المؤلم بعينه، لا أكتبه الا مستهدفاً الاصلاح الاثيولوجي وتنقية هذه العبادة الروحية من براثن المادة التي يجب التجرد منها تماماً على الأقل اثناء تواجدنا في الأراضي المقدسة. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، من المسؤول عن ذلك؟ هل المسؤولية تنظيمية؟ أم المسألة هنا مسألة ابستمولوجية تتعلق بالوعي الديني أم الوعي الأخلاقي؟ إن التدافع بين الحجاج جريمة أو على الأقل يتسبب في وقوع جريمة من أبشع الجرائم ألا وهي القتل، وقد قيل في هذا الصدد إن هدم الكعبة أهون على الله من قتل بريء مسلم، حقاً إن وعي الحجاج قد يكون أحد أسباب التسيب ولكن إدارة الحملات يبدو أن العاتق الأكبر يقع عليها، ومع شدة إعجابي وثنائي على حكومة المملكة العربية السعودية وتقديري الكبير لها على حسن تعاملها واستعداداتها الهائلة لاستقبال ضيوف الرحمن، إلا أنني اقترح ضرورة التشديد من أجل منع الحجيج غير المدونين في حملات حج رسمية من دخول الأراضي المقدسة، ولعل الزحام المكدس في الطرقات عند منطقة منى أولئك الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء ويعيقون حركة سير المارة من مركبات أو من الناس فهم جميعاً ليسوا من الحجيج الرسميين بل هم من المقيمين بالمملكة العربية السعودية، أو من اصحاب تاشيرات المرور بدون توقف، أو من الذين دخلوا المملكة العربية السعودية في رمضان من أجل العمرة وظلوا بها حتى موسم الحج هؤلاء لا خيام لهم ولا مأوى لهم الا الطريق. اقترح أيضاً تدريب رجال الشرطة السعوديين على الطرق والاتجاهات، فقد لوحظ عدم درايتهم بشعاب مكة – لأنهم ليسوا من أهل مكة - لدرجة أنك إذا أردت أن تقع في التيه فاسأل رجل الشرطة ( بالتأكيد عن غير قصد ). أما عن رمي الجمرات، ذلك المشهد المرعب الذي يذهب اليه الحاج وما يدري سيعود أم سيموت؟ نحن في حاجة ماسة الى توعية المسلمين بأن ما نرجمه هو رمز مكاني للشيطان لا الشيطان نفسه وتوعيتهم بأن هناك آداباً للرجم تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم من حيث حجم الحصاة، ومن حيث كيفية الرمي، وماذا يقال عند كل رمية ( بسم الله الله أكبر ) ثم الدعاء بعد الرمي في الجمرة الصغرى والجمرة الوسطى. ومن حيث مواقيت الرمي، فليس من المقبول عقلاً ولا حتى مثيولوجياً، ان المساحة الآرضية التي كانت مكدسة عن أخرها بمائة الف حاج مع الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، تكفي لما يقرب من ستة ملايين من الحجاج اليوم تقريباً. في عرفات، تلك الأرض الطاهرة التي سميت بعرفات لأنها الأرض التي تعرف فيها أبونا آدم على أمنا حواء، تلك الأرض التي وطأتها قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم، بخاصة جبل الرحمة، كل الحجيج يريدون تلمس البركة بالوقوف لا على جبل الرحمة فحسب بل على قمة الجبل كما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يتسع مكان يكفي بالكاد لسبعة أو لعشرة أو حتى مائة من البشر لملايين البشر؟ من أجل حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور، ننظر الى هذة السلبيات ونحاول القضاء عليها؛ لننقي فرائضنا من البدع والوهم والمادة، ولنسمو بعبادتنا الى سماء الروح وطهر العقيدة وسكينة القلب والفؤاد. صدق أو لا تصدق المواطنون والوافدون، من القضايا التي تطرح داخل الدول من أجل التنظيم السياسي والاجتماعي، وهذا الأمر لابأس به بل هو امر واجب وحق محمود، ففي بعض الدول تعطي الحكومة للوافد صلاحيات لايتمتع بها المواطن من مثل امتلاك سيارات رخيصة الثمن، بارقام خاصة ( ليست مدفوعة الجمارك ) هذه السيارات لا يحق للمواطن امتلاكها، كذلك تحويل المبالغ النقدية بالعملة الحرة ( بنسب معينة ) حق للوافد، يحرم منه المواطن كما يحدث في دولة مثل الجمهورية الجزائرية، وفي دول أخرى يمنح المواطن صلاحيات يحرم منها الوافد من مثل العلاج المجاني أو امتلاك الأراضي أو الترقيات الرفيعة مثل دول الخليج، ولكن ما يثير الدهشة الى حد الفزع،أن تثار مشكلة المواطن والوافد أثناء آداء فريضة الحج، الكل يلبسون ملابس الإحرام (الإزار والرداء) ، الكل يتجه بكليتة الى الله ناسياً وطنه، ناسياً أهله، ناسياً اسمه، لايفكرإلا في غفران الله ورحمته وعفوه، آملاً العودة كيوم ولدته أمه، بخاصة والجميع يرتدي تلك الملابس التي تشبه الأكفان الى حد بعيد. في خضم ذلك المشهد الروحاني النادر السامي، والجميع يردد بلغة واحدة، وبلسان واحد بالرغم من اختلاف الألسنة: ( لبيك اللهم لبيك ) كان الجمع كله يتاهب للذهاب الى منى في صباح يوم التروية تمهيداً للتوجه الى عرفات ( أهم مناسك الحج ) قد لاتصدق، يصعد راعي الحملة الى الحافلة قائلاً بصيغة آمرة ناهية: "الوافدين يننزلون ويبقي المواطنين"، فما كان الرد إلا من قبل المواطنين أنفسهم الذين أبوا واستنكروا تلك العنصرية التي لامجال لها في هذا الزمان أو في هذا المكان، وعندما سئل عن السبب قال أن للمواطنين مكاناً في منى غير مكان الوافدين، وكان القصد أن يكون المواطنين بمكان قريب من منطقة الجمرات، أما الوافدين، فلا ضير أن تكون المسافة بين الخيام بمنى، على بعد ستة كيلو مترات من منطقة الجمرات، وكما هو معلوم أن المواطن والوافد كلاهما يدفع نفس المبلغ، وقد يدفع الثاني أكثرمما يدفع الأول ، ولعل الله سبحانه وتعالى أراد أن ينبه الى ذلك الآمر ويبين للعباد أن لا مجال للتفرقة في هذا المشهد بغير حق وأن ( لافرق لعربي على أعجمي الا بالتقوى ) فيما حدث عندما نزل الوافدون من الحافلة واستقلوا حافلة أخرى، لتسكن بتدبير من الله في الخيام القريبة جداً من مكان الجمرات بأوامر المطوف الذي رفض استبدال المواطنين محل الوافدين؛ لعدم الاخلال بالنظام المبرمج على جهاز الحاسوب، واضطر المواطنون من السكن في خيام تبعد حوالي ستة أو سبعة كيلومترات من مكان الجمرات والتي كانت معدة للوافدين، هل
تصدق؟ أم لاتصدق، هذه أيضاً من السلبيات التي يجب نسيانها أو تناسيها على الأقل ونحن نلتف بأكفاننا. أما عن التغذية ، فقد تعودنا تبعاً لتربيتنا العربية الاسلامية ألا يكون الغذاء محلا للمساومة أو الحديث فنحن قوم نأكل ما يقدم لنا من طعام حتى وإن كان مخالفاً لما اتفق عليه في العقد. هل تصدق أن تذهب سيدات لآداء فريضة الحج بدون محارم شرعية لهن؟ صدق، فإن التحايل هو المخرج، فقد تمكن بعض أصحاب الحملات من التحايل واستخراج تأشيرات حج لهؤلاء السيدات ولأزواجهن، وتسافر الزوجات ولا يسافر الأزواج، فما الحكم الشرعي في ذلك؟ لست أدري. نداء إن مسألة الاختلاط في الحرم المكي الشريف، مسألة على ما يبدو مرفوضة من الناحية الشرعية، فكيف يحرم الاختلاط حتى بين الأرحام ويسمح به بين الأجانب داخل ساحة الحرم المكي الشريف؟ فالرجل يقف ليصلي وأمامه امرأة وبجانبه الأيمن امرأة اخرى وبحانبه الأيسر امرأة ثالثة وخلفه امرأة رابعة، وغالباً ما يكون الحرم مزدحماً بل يكون مزدحماً للغاية لدرجة التلاصق بين الاكتاف والأفخاذ والأيادي، ناهيك عن الطواف الذي يمكن وصفه بكتل بشرية متلاصقة ينصهر خلاله الرجال بالنساء مهما حاول الرجل تحاشي المراة، ومهما حاولت المراة التباعد عن الرجل، قد يكون هذا التلاصق غير مقصود بل هو غير مقصود بالفعل ولكن يبقي الوجود التلاصقي بين الجنسين، ، والقضية نفسها في السعي فهل من حل لهذه المشكلة؟ أعتقد أن ثمة حلول نقترح منها: 1 - تحديد أماكن خاصة بالنساء داخل الحرم المكي الشريف، تأسياً بالمسجد النبوي الشريف ، وليكن احد الطوابق ( الثاني او الثالث ). 2 – تحديد مواعيد لطواف النساء من دون الرجال. 3 – تقسيم المسعى الشريف طولياً بدءاً من الصفا بمحاذاة مسعى المعوقين انتهاءاً بالمروة وأعتقد ان الحكومة السعودية لما لها من قوة ومهارة مشهود لها على المستوى العالمي قادرة على القيام بمثل هذا التنظيم. ونقترح أيضاً النظر بعين النقد و الجد الى هذا المشهد السنوي، ولا بأس من الاستفادة من تجارب دول إسلامية كثيرة تمكنت من تحقيق نجاحات باهرة في مجالات الإعداد والتنظيم من مثل دولة الامارات العربية المتحدة أو جمهورية مصر العربية أو غيرهما فيكفي ان تتكلف المملكة العربية السعودية جزاها الله خيراً، سقاية الحجيج وتوفير الأغذية لهم وإيوائهم والمشاركة في تنقلاتهم، فضلاً عن إقامة الجسور والأنفاق التى لاتضاهيها مثيلاتها على مستوى العالم، وحفظ أمن الحجيج وسلامتهم، ولا بأس من مساهمة دول عربية او اسلامية اخرى في الاعداد لموسم الحج كما كان يحدث حتى قبل الاسلام بين القبائل، فكانت قبيلة يسند اليها سدانة الكعبة وأخرى سقاية الحجيج، وأخرى تتمتع بشرف حمل مفاتيح الكعبة المشرفة، فإذا تجردنا من النزعة الذاتية ونحونا الى الموضوعية لرفرفت الملائكة فوق رءوس الحجيج تنشرالمغفرة الالهية، وتغدو رحلة الحج رحلة روحية طاهرة ويزداد إبليس مذلة وحقارة على مذلته وحقارته. لم يبق الا ملاحظة قد يرفضها فقط أصحاب المصالح، الا وهي توافد الحجيج من دول مجلس التعاون الخليجي من دون أي قيود مما يؤدي الى زيادة الزحام، لا ننادي بالاخلال بشروط الاتفاق بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بحرية التنقل بين دولها من دون قيد أو شرط،، بل على العكس، فإننا ندعو جميع الدول العربية والاسلامية الى تطبيق هذه البادرة المباركة، ولكن فقط نقترح أن تحجم هذه الظاهرة خلال موسم الحج فقط تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، فالأراضي المقدسة ( الحرم المكي الحرم النبوي ) ليس ملكاً لدول الخليج بل حقاً لكل مسلم في انحاء الأرض الأربعة. إن ما تقرؤه صادق صدقاً مطلقاً وأنا مسؤول عن كل حرف كتبت وعلى أتم استعداد لإثباته ويمكن التحقق من كل ذلك بسؤال أي حاج من حجيج هذا العام أو اي عضو من أعضاء الحملة التي كنت أنا أحد اعضائها " لاأريد اثباتها صراحة " حتى لايعتقد البعض انني مغرض أو متحامل أو أنحو الى التتشهير، ولكن إذا سئلت عن اسم الحملة بشكل رسمي فلا شك أنني سأذكره. كلي أمل ان ينشر كل سطر كتبته وليتأمل القاريء العادي وليتأمل المسؤول. ديننا مستهدف، ونحن جميعاً حماته، لعل الله عز وجل يرحمنا، * أكاديمي متخصص في فلسفة الأديان ً: [email protected] E-mail

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.