الحقائق القديمة صالحة لإثارة الدهشة . هذا ما يفاجئنا به الكاتب "سامح كريم" بإصداره الجديد "في الشعر الجاهلي لطه حسين .. تقديم ودراسة وتحليل" . والصادر حديثًا عن الدّار المصرية اللبنانية في 420 صفحة من القطع الكبير . ينقسم الكتاب إلي قسمين كبيرين يضم الأول : التقديم والدراسة والتحليل . ويضم الجزء الثاني الوثائق وهي نص كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين . ونص مقالة نشأة الشعر الجاهلي لمرجليوث ونص ثالث كتبه مرجليوث بعد اتهام طه حسين وتقديمه للمحاكمة بسبب الكتاب وفيه يبرِّئ مرجليوث العميد طه حسين . من تهمة النقل والتأثر . وهذا المقال يعد إضافة حقيقية انفرد بها هذا الإصدار بعد أن أمعنت بعض الأقلام المتعصبة في تجريح العميد والطعن في معتقداته . وهي اتهامات لا تزال تثار إلي الآن . ويأتي مقال مرجليوث ليضع الكثير من النقاط فوق الكثير من الحروف . يعد الجزء الأول من الكتاب وهو الخاص بالتقديم والدراسة والتحليل إضافة كبري إلي حقل الدّراسات الأدبية . ويضرب المثل في تحري الدقة والإحاطة بتفاصيل موضوعه . وهو جهد ينوء به الفرد . ويحتاج إتمامه إلي مؤسسات كبري . لكن سامح كريم بما عُرف عنه من متابعة للقضايا الثقافية الجادة قام بهذا العبء منفردًا . وهو جزء كبير حيث يقع في مائتي صفحة وقف أمام كل التفاصيل التي أثيرت عن الكتاب وصاحبه . وينقسم إلي ثلاثة أبواب تناولت : الشك في صحة الشعر الجاهلي ودوافعه . والشك في شعر شعراء الجاهلية . أما الباب الثاني فوقف أمام نقد المفكرين والعلماء والنقاد لكتاب في الشعر الجاهلي . أما الباب الثالث من القسم الأول فيتناول تطورات البحث في قضيته "في الشعر الجاهلي" ونتائجها . أهدي سامح كريم كتابه إلي "عميد الأدب العربي المظلوم حيًّا وميِّتًا وإلي الذين يهاجمونه ويحاولون الخروج من عباءته حتي لو مزقوها". يربط المؤلف سامح كريم بين كتاب في الشعر الجاهلي وبين دعوة طه حسين إلي الإصلاح وهما جناحان متلازمان لدي طه حسين وبعض معاصريه حيث يرون أن يكون التعبير الأدبي - نثرًا كان أو شعرًا - مرآة للحياة التي يوجد فيها . وأنه ينبغي أن تناقش جوانب هذه الحياة سواء العقلية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية والثقافية إلي آخر هذه الجوانب التي ينتج عنها شكل معبر عن الحياة . وأنه لا ينبغي أن نطمئن إلي ما قاله السابقون في هذه المجالات ونأخذه كما هو دون بحث أو تمحيص . بل يجب أن نناقشه . ونشك فيه شكًّا علميًّا دقيقًا . فالسكون والركون إلي المتاح دون مناقشته يؤدي إلي الجمود والتحلل وهي الآفة التي ظل طه حسين يقاومها فكرًا وعملاً . الغريب أن حياتنا انقسمت منذ "في الشعر الجاهلي" لطه حسين إلي فريقين يمثل العميد الأول منهما وهو تيار الإصلاح والتجديد والدعوة إلي التقدُّم . والآخر يمثل تقديس التراث وكان رائده محمود محمد شاكر الذي رَدَّ علي طه حسين كثيرًا . وهما تياران ما زالا يحكمان حياتنا إلي الآن . في الأدب كما في الدين . كما في السياسة والمجتمع . وكأننا محكومون بمجموعة من الثنائيات القاتلة . التي جعلتنا محلك سر . فلا تقدُّم في أي مجال . القسم الثاني من الكتاب يضم ثلاثة أجزاء هي نص كتاب "في الشعر الجاهلي لطه حسين" . ويليه مباشرة مقال مرجليوث الشهير في نشأة الشعر العربي والذي اتُّهِم طه حسين بأنه تأثر به في دراسة الشعر العربي . ونقل عنه في محاولة لاعتبار طه حسين مشايعًا للباحثين الغربيين ولإلقاء الشك حول الحقائق الأدبية والاجتماعية التي توصَّل إليها في كتابه . وأخيرًا كيف رأي مرجليوث أزمة طه حسين في وطنه في مقال يبرئ فيه العميد من تهمة التأثر أو السرقة . ويستخلص سامح كريم من مقال مرجليوث هذا حقيقتين الأولي هي أن العملين كليهما قد نشرا في وقت واحد تقريبًا وأن كلاً من الكاتبين قد توصَّل إلي آرائه مستقلاًّ تمامًا عن الآخر . والثانية هي أن آراء مرجليوث في الشعر تناقض آراء طه حسين . فمرجليوث ينكر أن يكون الجاهليون قد عرفوا نظم الشعر . وأن ما وصل إلينا من صنع شعراء المسلمين الذين احتذوا فيه لغة القرآن . علي حين يذهب طه حسين إلي الثقة في وجود شعر جاهلي ولكنه يشكك في صحة كثير من نصوصه التي وصلت إلينا .