إذا كان يوم العيد قد مضي وفات فإن آثاره يجب أن تظل باقية في القلوب والنفوس والعقول حتي يحل بالناس عيد جديد. فالأعياد لا تذهب آثارها بمجرد مرور أيامها. وإنما تبقي هذه الآثار فاعلة في حركة الإنسان. ونحن نخص هنا الأعياد الإسلامية لأنها أعياد دينية. والدين الإسلامي عميق في القلب والعقل لأنه يرتبط بعبادات هي جزء من الدين والحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم: "بني الإسلام علي خمس" يؤكد ذلك ومن هذه الخمس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. فالذين يحجون بيت الله الحرام إنما يقصدونه لأنه أول بيت وضع للناس لعبادات الله سبحانه وتعالي. ويبذلون في هذه الرحلة الغالي والنفيس لديهم داعين الله تعالي أن يتقبل منهم. فرحلة الحج ليست رحلة سياحية يري الإنسان فيها أماكن لم يرها من قبل. وإنما هي رحلة دينية إيمانية تربط الإنسان بأول بيت وضع في الأرض ليعيد الناس ربهم حوله ويتجهوا إليه في صلاتهم أينما كان موقعهم من أرض الله الواسعة. وهذا يعبر عن الوحدة التي تجمع الناس إذا خلصت قلوبهم ونياتهم وهم يتجهون إلي الله طالبين منه المغفرة والثواب فالناس ليس لهم مطلب من حجهم سوي الاغتسال من ذنوبهم وأن يتقبلهم ربهم طاهرين منيبين إليه. فالرحلة مقصود بها المكان. وهي مقصودة في زمان معين حيث يقول سبحانه وتعالي: "الحج أشهر معلومات". واشترط الله علي من يحج بيته أن يكون نظيف القلب نظيف الفعل. وقوله سبحانه: "فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج" يؤكد ذلك فهذا النفي للفعل المعيب يؤكد ا ن الحج إخلاص لله. والمخلص لله يتجرد من كل ما يسيء إليه حتي تبادل المناقشة بين طرفين وهو المعني بالجدال في الآية الكريمة هذا الجدال ممنوع في الحج. وإذا كان النص الكريم يدل علي ذلك فإن مما يؤكده اجتماع المسلمين في وقت واحد وفي مكان واحد ويعملون عملا واحدا أبرزه قولهم لربهم: "لبيك اللهم لبيك" وكلمة لبيك تدل علي مثني التلبية وهي تعني الاجابة بعد الاجابة. وهو تعبير ينفرد به النداء الأعظم في الحج وهو التلبية لان التلبية فيه تكون لله وليس لأحد سواه. ومما يؤكد ذلك ان الحاج وهو يؤدي المناسك يفرغ ذهنه من كل شيء إلا مما يؤديه. فهو ينسي المال والأهل والوطن ليعيش في المكان الذي اختاره الله ليكون ملاذا آمنا للحجاج ومن يشاهد مواكب الحجيج في أماكن الشعائر يجدهم في وحدة شاملة حيث المكان واحد والنداء واحد والثوب واحد والرجاء في الله واحد. وهو قبول العمل خالصا له سبحانه. إن الحج ليس رحلة سياحية وإنما هو رحلة ايمانية والايمان يجرد الإنسان من كل احتياجاته الشخصية في سبيل دعاء يقبله الله منه وهو التوبة والإنابة إليه. وهو سبحانه جدير بالقبول فقد أخذ علي نفسه عهدا بقبول الدعاء الذي يوجهه العبد إليه. حيث قال سبحانه: "ادعوني أستجب لكم".