¼ ويأتينا شهر يونيه.. ليذكرنا بنكسة الخامس من يونيه عام 1967. عندما بدأت حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل. والتي انتهت باحتلال إسرائيل لقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. وهضبة الجولان في سوريا والضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية من الأردن. وإذا كان لنا أن نتذكر أيام النكسة. فإننا في الوقت نفسه نراها بداية انطلاق لشعب عظيم رفض الهزيمة بكل الكبرياء والشموخ وصمم علي استعادة أرضه وحقه. في 1967 لم ندخل حرباً. ولم تكن هناك معارك. وفقدنا الأرض لأخطاء سياسية قبل أن تكون عسكرية. فقد انتظر جمال عبدالناصر. الزعيم التاريخي لمصر أن تقوم إسرائيل بتوجيه الضربة الأولي في الحرب. حتي يكسب التأييد والتعاطف العالمي.. ولكنه أخطأ التقدير والتوقع. لأن الضربة الأولي كانت حاسمة. ولم يكن في مقدوره التحمل أو الرد. فخسر كل شيء. ففي الخامس من يونيه. فإن الطيران الإسرائيلي ولمدة ثلاث ساعات متصلة. قام بشن غارات علي المطارات العسكرية في مصر. وفي الأردن وفي سوريا.. ودمر الطائرات الحربية وهي جاثمة علي الأرض. واستخدم نوعيات جديدة من القنابل التي دمرت المطارات أيضاً. وبخروج الطيران المصري من التحليق فوق سماء المعارك. فإن مصر خسرت الحرب قبل أن تبدأ. وصدر عن نائب رئيس القائد الأعلي للقوات المسلحة المشير عبدالحكيم عامر. أمراً عسكرياً بالانسحاب من سيناء إلي غرب قناة السويس. وهو القرار الذي لم ينفذ بحرفية ومهارة. مما ساعد علي زيادة الخسائر البشرية. * * * ¼ ولن نتحدث كثيراً عن مسئولية عبدالناصر أو مسئولية عبدالحكيم عامر في الهزيمة وسوء التخطيط والإهمال. ولكننا سنتحدث عن الشعب العظيم الذي ألهم قادته. والذي منحهم الثقة. والذي أعاد الاتزان للقرار السياسي والعسكري والذي رفض الهزيمة وطالبهم بمحو العار. فقد وقف جمال عبدالناصر يعلن تحمله المسئولية ويقرر أنه سيعود جندياً مقاتلاً في صفوف الجماهير. وأنه لذلك سوف يتنحي عن الحكم.. وسواء كان عبدالناصر صادقاً في قرار التنحي أو كان ذلك نوعاً من المناورة علي شعبه. فإن الشعب المصري العظيم خرج في مظاهرات هائلة لا يمكن لأي جهة الإعداد لها. وتنظيمها. حيث طالب عبدالناصر بالبقاء. وأن يقود مصر إلي معركة التحرير. أذهلت وقفة الشعب القوية العالم. فقد كانت هناك توقعات بالاستسلام وبالانهيار. وبأن إسرائيل التي احتلت الأراضي العربية لن تخرج منها أبداً. وأمام مساندة الشعب له. فإن عبدالناصر أطلق شعاره الخالد بأن ما أُخِذَ بالقوة لا يُسْتَرَدُ إلا بالقوة. ومع هزيمة 1967 فإن عبدالناصر الخالد. بدأ أعظم وأهم سنوات قيادته لمصر إلي أن توفاه اللَّه في عام 1970 قبل أن يري ثمار عمله. فقبل عام 1967 كان عبدالناصر مغيباً عن الواقع العالمي. وعن القراءة السليمة للأحداث. وكان يخاطب شعبه ويدغدغ مشاعره علي حساب المستقبل والحسابات المنطقية. وبعد 1967 فإن عبدالناصر أعاد بناء الجيش المصري بشكل مختلف. واعتمد علي جيش من حملة المؤهلات ومن المتعلمين. وكانت له وقفة قوية مع الصديق السوفيتي ليحصل علي الأسلحة الحديثة. وكانت له رؤية جديدة في تعاملاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ساعدت إسرائيل علي الفوز في يونيه 1967. * * * ولم يكن عبدالناصر في المواجهة وحده. ففي 29 أغسطس 1967 وفي الخرطوم. العاصمة السودانية. فإن القادة العرب اجتمعوا في مؤتمر للقمة. ربما كان هو الأهم والأكثر شهرة في تاريخ القمم العربية. في قمة الخرطوم 1967 فإن القادة العرب خرجوا علي العالم بنوبة صحيان أعلنوا فيها "اللاءات الثلاث".. بلا للصلح مع إسرائيل.. ولا اعتراف ولا تفاوض قبل أن يعود الحق لأصحابه. ومع اللاءات الثلاث فقد بات واضحاً أنه لا صوت سيعلو فوق صوت المعركة. وأن العرب مع مصر ومع سوريا ومع الأردن. لاستعادة الأراضي المحتلة. وأن معركة الكرامة سوف تأتي مهما كانت التضحيات.. وكان أن بدأ الاستعداد.. وكان قد بدأ الإعداد للحرب المقدسة القادمة. وتحملنا.. تحملنا الكثير من إمكانيات مصر ومقدراتها.. أهملنا كل مجالات التنمية لكي نستعد للمعركة.. وعشنا سنوات من الصبر والأمل والإيمان بأن الأرض أرضنا عن أبينا وجدنا.. وأنها ستعود. وستعود معها الكرامة والنصر. وتحملنا ظروف التهجير. وهي أصعب ظروف إنسانية لسكان مدن القناة الذين تم تهجيرهم إلي مدن الداخل لحمايتهم من قذف المدفعية الإسرائيلية لمنازلهم. ولكي يتم تحويل مدن القناة إلي معسكرات حرب وتدريب ومناورات. وبدأنا في الوقت نفسه أهم المعارك لاستعادة الثقة والاستعداد لحرب التحرير. فقد دخلنا في مرحلة حرب الاستنزاف. والتي شهدت إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" بواسطة لنشات الصواريخ المصرية أمام سواحل بورسعيد وعشرات ومئات من عمليات التسلل وعبور القناة للالتحام مع الجنود الإسرائيليين وإفقادهم الأمان والاطمئان. وعندما استعاد المقاتل المصري ثقته وقدراته من خلال التدريب المستمر والسلاح الجيد. ومن خلال العبور المستمر للقناة في حرب الاستنزاف. فإن القيادة السياسية كانت علي قناعة بأن هذه الأسود المصرية تنتظر ساعة الحسم والقرار. وأنها علي استعداد للتضحية والاستشهاد في سبيل الوطن. فإن القرار السياسي والعسكري كان جاهزاً ومعداً لدي مقاتل آخر من المدرسة الوطنية المصرية الأصيلة. لدي محمد أنور السادات. ابن مصر. الذي تولي المسئولية بعد وفاة عبدالناصر عام 1970 الذي صبر وتحمل الكثير من التعليقات الساخرة التي كانت تؤكد وتشيع أنه لن يكون قادراً علي اتخاذ قرار جديد بالحرب. ولأنه السادات. فقد استطاع ارتداء قناع خفي لا يظهر الوجه الآخر في شخصيته. وفي مخزون أسراره. وتمكن بكل المكر والدهاء من خداع العالم كله وإقناعه بأنه لن يخوض حرباً أو قتالاً. بينما كان في الوقت نفسه قد أعد العدة للحرب. وقد اختار المكان والزمان ووفقاً لقناعاته وتقديراته بعيداً عن الضغوط والظروف المحيطة. ¼ ولأنه السادات بكل اليقين والإيمان.. وبالاعتماد علي المولي سبحانه وتعالي فقد خاض بنا البحر.. وخُضناه معه.. وباسم اللَّه عبرنا.. وباسم اللَّه انتصرنا.. وباسم اللَّه رفعنا العلم المصري فوق سيناء الحبيبة.. وباسم اللَّه نكتب للأجيال التي لم تعاصر هذه الذكريات والأحداث.. نقول لهم: افخروا ببلادكم.. اعتزوا بجيشها.. برجالاتها.. فمصر العظيمة لا تقبل الهزيمة أو الانكسار.