في الخامس من يونيه 1967م استيقظ الشعب المصري علي أخبار متضاربة تتحدث عن ضربات جوية إسرائيلية لقواعد الطيران المصري وعن انسحاب محتمل للجيش من سيناء. ولم يكن هناك من يصدق أن إسرائيل في طريقها لاحتلال سيناء وأن جمال عبدالناصر الزعيم والقائد الأسطوري في طريقه إلي إعلان تنحيه عن الحكم متحملاً مسئولية النكسة وهي الكلمة التي استخدمت بديلاً للهزيمة.. وكانت التوقعات والحملات الإعلامية قبل 5 يونيه تشير وتؤكد إلي أن الحرب مع إسرائيل هي مجرد نزهة وتردد عبدالناصر يا حبيب بكرة هاندخل تل أبيب..!! ولم ندخل تل أبيب بالطبع فقد خسرنا المعركة قبل أن تبدأ. وحدث هذا لأن جمال عبدالناصر لم يستطع أن يقرأ جيداً الصورة علي المسرح السياسي العالمي ولم يدرك أنهم كانوا يريدون رأس عبدالناصر الذي ازداد نفوذه وتأثيره.. وأن الأمريكان قد قرروا التخلص منه ومن دوره علي المسرح العربي والإقليمي.. فالأمريكان تركوا عبدالناصر حراً طليقاً في الساحة الأفريقية والعربية طالما كان عبدالناصر يساعد حركات التحرر الوطني في هذه الدول لطرد الإنجليز والفرنسيين ليسهل علي الأمريكان دخول الدول المستقلة واحتلالها اقتصادياً بديلاً عن الاستعمار العسكري السابق. وعندما أدي عبدالناصر هذه المهمة وبدأ يتحدث عن قضايا إقليمية جديدة تتعلق بوجود إسرائيل فإن أمريكا قررت أن تعاقبه وأن تدمر سمعته السياسية فقدمت المعلومات المخابراتية للثغرات في الدفاعات الجوية المصرية التي ساعدت الطيران الإسرائيلي علي التوغل في الأراضي المصرية وضرب طائراتنا علي الأرض. * * * وكان للنكسة مع ذلك وجوه ايجابية كثيرة. فقد أعاد عبدالناصر اكتشاف نفسه وقدراته في الداخل. واستطاع ومعه رجالات القوات المسلحة إعادة بناء الجيش علي أسس علمية وعسكرية حديثة.. واستوعب ناصر درس الهزيمة وبدأ يدرك أن هناك مفاتيح أخري للقوة في العالم. وتجاوب مع الولاياتالمتحدة لأول مرة واستجاب لمبادرة روجرز للسلام في الحوار مع إسرائيل واستعادة الأراضي المحتلة. وبدأ عبدالناصر يتحدث بلغة أخري فيها من الواقعية أكثر مما فيها من الشعارات.. وفيها من الخطوات الإصلاحية ما يدفع في طريق الاستعانة بأهل الخبرة وتوظيف قدراتهم.. وفيها من الانفتاح علي العالم ما يسمح بعرض أفضل لقضايا بلاده وتقديم المساعدة لها. ونجح عبدالناصر خلال أفضل وأعظم ثلاث سنوات في فترة رئاسته قبل أن يلقي ربه في أن يعيد بناء القوات المسلحة وأن تكون جاهزة لاستعادة الأرض والكرامة. ووضع خطة التحرير التي كانت أساساً للعبور العظيم في أكتوبر 1973م. وحين نكتب في ذكري نكسة 5 يونيه 1967م فإننا لا نكتب اليوم للحديث عن التاريخ بأثر رجعي ولا نكتب لتقييم عبدالناصر وتحميله مسئولية ما حدث.. ولكن نكتب لنذكر أجيالنا الحاضرة أن هذا الشعب لا يستسلم أبداً.. وأنها كانت نكسة كفيلة باسقاط أي أمة وكتابة نهايتها.. ولكنها لم تسقط مصر.. ولم تحطمها. بل كانت أقوي سنوات الصمود المصري وأفضل فترات الاستقرار حيث كان الشعار الوحيد هو أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. والمعركة كانت نكون أو لا نكون.. وبحمد الله كنا ونجحنا في محو آثار العدوان والهزيمة.. وعادت مصر قوية وستظل بإذن الله. * * * ومن ذكريات النكسة إلي حديث الفخار والاعجاب عن معدن هذا الشعب وقدراته ونجاحاته في كل مكان. وكل التهنئة إلي أسر المتفوقين في الثانوية العامة بدولة الكويت الذين أجادوا التربية وأهلوا أبناءهم إلي التفوق والنجاح.. ففي الثانوية العامة بالكويت هذا العام فإن المصريين تصدروا قائمة الأوائل واحتل عشرة من الطلاب المصريين المراكز العشرة الأولي بالنسبة لشعب العلمي. واحتل ستة من الطلاب المصريين قائمة الأوائل العشرة في شعبة الأدبي. ويحدث ذلك كل عام في كل الدول العربية التي تتواجد بها جاليات مصرية. كأمر طبيعي ونتيجة متوقعة. ويحدث ذلك لأن للمصري في الغربة رسالة وغاية وكفاحا. وهذا أسلوب يمتد إلي الأبناء الذين يقدرون المسئولية ويحملون الأمانة. والمصري في كل مكان سيظل نموذجاً للعطاء والإخلاص وجهادا في سبيل لقمة العيش والرزق الحلال.. إننا نفخر بأولادنا الذين حققوا التفوق. وبمعدن هذا الشعب الذي لن يصدأ أبداً. * * * وننتقل إلي حوارات رمضان وأحاديث الشهر الفضيل والسفير البريطاني في القاهرة جون كاسن الذي يقوم بتوزيع التمر علي المارة قبل الإفطار بدقائق قليلة معلقاً علي ذلك بالقول "كل ما تقعد في مصر أكثر. وكل ما تلاقي عادات وتقاليد أحلي. عمرك ما تجيب آخرها".. ورغم أنني من الذين لا يثقون أبداً في رجالة السياسة الإنجليز ومن المقتنعين بأنهم تاريخياً وراء كل أزمات المنطقة إلي الآن إلا أنني لا أملك إلا الاعجاب بهذا السفير الذي يجيد قواعد اللعبة والذي أكل مع المصريين من قبل الرنجة والفتة وذهب إلي الموالد ولسيدنا الحسين.. والتحم بالشارع وعاداته.. هذا سفير يجيد أداء مهمته.. ويستمتع بها أيضا.. و هذا هي الدبلوماسية. * * * أما المدرب الذي لا نثق في قدراته هيكتور كوبر فهو يمزح قبل المونديال ويقول سأطالب باستفتاء جماهيري من أجل تحديد مستقبلي مع المنتخب!! والمزاح دمه تقيل.. وعودته من روسيا مشكوك في أمرها أصلاً..!