وكنت ماشي لوحدي في الشارع, معرفش رايح فين, لكن ماشي, واللي عليا وع البلد غاشي, ليل انما ليل أسود الاخلاق, ليل انما عملاق, أسود سواد خناق. أسود كمليون عسكري بسترة خفاشي وجزمة ضباشي, بينظموا السهرة, الخلق ياحسرة, الخلق مالهاش خلق للسهرة, الخلق عاملين زي عشاق كلهم مهاجير, ومروحين مقاهير يستنظروا بكرة, مقهور أنا وماشي. بتلك الكلمات عبر الشاعر الراحل صلاح جاهين في قصيدته تراب دخان عن حالة الشعب المصري بعد نكسة1967, التي كانت بالنسبة لهم كبئر عميق وقعوا فيه لم يروا بعدها غير ليل أسود, ولأن الفنان والمثقف هو روح وضمير الشعب فكان الأشد تأثرا واحساسا بالهزيمة, وكان هذا واضحا خاصة في حالة جاهين الذي اصيب باكتئاب ولم يصدق ما حدث, خاصة أنه كان قد كتب أغنية لحنها كمال الطويل لتغنيها أم كلثوم عشية هزيمة الخامس من يونيو1967, وهي أغنية راجعين بقوة السلاح وجاءت النكسة في اليوم التالي لتنسف آماله وأغنيته التي صاغها بالأمس, فكانت النكسة هي الموت الروحي والنفسي له. لكن هذا ما يرفضه نجله الشاعر والكاتب الصحفي بهاء جاهين, مؤكدا أن النكسة غيرت من شكل ابداع صلاح جاهين وجعلته يفكر في توصيله لأكبر شريحة ممكنة من المجتمع خاصة أنه متعدد المواهب فأصبح انتاجه الشعري قليل واتجه للإبداع في الأعمال التليفزيونية, وكان ينتج بعضها لكي تصل للجماهير العريضة, ويبث فيهم روح المقاومة والصمود, ويوصل لهم رسالة بأنه مازالت هناك فرصة لتعويض الهزيمة, فكان يعتبر مقاتل في الجبهة الداخلية, وحزنه الشديد كان علي البلد كأي مصري في هذا الوقت خاصة أنه كان محبا لعبدالناصر. لكن من جانب آخر, يري الشاعر محمد كشيك الذي تناول شعراء العامية الكبار بالدراسة وكان منهم صلاح جاهين أن للنكسة والأحداث التالية لها تأثيرا سلبيا علي كل المصريين فغيرت كثير من الروح المصرية وأثرت علي جاهين الذي لم يكن يصدق أن هناك نكسة لكن أشعاره فيما بعد عبرت عن تلك الحالة خاصة لأنه كان مقربا من الرئيس جمال عبدالناصر, وكان يعشقه وبانت ملامح هذا العشق في كل كتاباته, لكن جاهين رغم كل هذا امتلأت قصائده بروح المقاومة والاحساس بالعزة إزاء كل ما يحدث للوطن حتي بعد الهزيمة قال إن مصر أجمل المخلوقات وعندما قابلته في مكتبه اسمعني قصائد حزن وشفافية يمكن أن نرجعها للهزائم التي مر بها في حياته خاصة النكسة وموت عبدالناصر والتي نتج عنها ديوان انغام سبتمبرية وكان اسمه أحزان سبتمبرية وتم تغييره والذي تضمن قصيدته الملحمية علي اسم مصر وفيها أيضا وقف الشريط في وضع ثابت التي تعبر عن حزنه بعد موت عبدالناصر إلا أنه انهاها بشيء من الأمل الذي سوف يجئ من الشباب ركن الشباب فيه ألف مليون شب ومش عاجبهم لا ملك ولا أب فكان مؤمن بأن الحل هو الشباب بما له من القدرة علي المقاومة ولو كان موجود في ثورة يناير لكان شاعر الثورة الأقدر والأكثر تعبير عنها. نبية أمل المقدسة!! مثلت النكسة نقطة فاصلة في حياة كثير من الشعراء ومثقفي مصر وقتها ومنهم الشاعر أمل دنقل فهزت النكسة دواخله وأخرج رائعته البكاء بين يدي زرقاء اليمامة والتي كتبها بعد النكسة بأيام أسأل يا زرقاء.. عن وقفتي العزلاء بين السيف والجدار! عن صرخة المرأة بين السبي. والفرار؟, كيف حملت العا, ثم مشيت؟ دون أن أقتل نفسي؟! دون أن أنهار, ودون أن يسقط لحمي.. من غبار التربة المدنسة, تكلمي أيتها النبية المقدسة, تكلمي.. بالله.. باللعنة.. بالشيطان, لا تغمضي عينيك, فالجرذان تعلق من دمي حساءها ولا أردها!, تكلمي... لشد ما أنا مهان. تلك الحالة من الانكسار والموت المعنوي التي أصابت المبدعين لم تكن متفردة بل كانت حالة جميع الشعب المصري كما يري المؤرخ د. شريف يونس أستاذ التاريخ بجامعة حلوان, موضحا أن رغم مشاعر السخط والخوف في ظل الدولة البوليسية والفساد إلا أن النظام الناصري كان له شعبية كبيرة ولم ينتظر المصريون أن يحصلوا علي أفضل من ذلك, وحاز النظام علي تلك الشعبية عام1956 مع تأميم القناة والعدوان الثلاثي, لذا كان وقع الهزيمة مروعا علي نفوس المصريين لم يتوقع أحد تلك النكسة خاصة في ظل التصريحات العنترية من عبدالناصر والحديث عن خطوات للتصعيد يواصل فيها التلميح علي أن في استطاعة الجيش المصري الدخول لتل أبيب, فكانت الناس مهيئة للنصر, خاصة بعد صبر طويل يعلن بعده انه كانت فترة تجهيز وان في استطاعة مصر التصدي لأي هجوم, كما أن مصر كانت حاملة لواء القضية الوطنية, لذا لم تترك الهزيمة للنظام بشيئا غير انه يحاول أن يداري ماحدث, فكان تنحي عبدالناصر الذي رفضه الشعب واعاد عبدالناصر هذا لأنه لم تكن هناك بدائل حقيقية مطروحة. ولفت يونس الي أن تمسك الشعب بالنظام ليس لوجود أمل لكن لإدراكهم اللحة والقدر الأسود لذلك كانت الهزيمة فجيعة وتركت أثر سيء, وكل تلك التركيبات جعلت الناس تشعر بأنها مسئولة عن الهزيمة لأن الطعنة جاية من القريب وهو النظام الذي تعلقت به, لكن تلك النكسة انهت الي الأبد شرعية هذا النظام لذلك كان هناك اهتمام كبير وخاص بابراز حرب1973 في الأعمال الابداعية فيما بعد, لذا كانت النكسة نقطة فاصلة في تاريخ مصر وفي تاريخ الشخصية المصرية.