بدأ الرئيس عبدالفتاح السيسي أمس زيارة رسمية للولايات المتحدة تستمر ثلاثة أيام تلبية لدعوة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتعد هذه هي الزيارة الثانية للرئيس السيسي علي المستوي الرسمي. لكنها تعد سابع زيارة للرئيس للولايات المتحدة منذ توليه الحكم في صيف عام 2014 حيث كانت أول زيارة في شهر سبتمبر من نفس العام. أي بعد ثلاثة أشهر من توليه مهام منصبه. للمشاركة في أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. ومن المقرر أن تتناول القمة المرتقبة بين الرئيسين السيسي وترامب سبل تعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين مصر والولاياتالمتحدة في مختلف المجالات. وبما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين. فضلاً عن مناقشة وبحث جملة من القضايا والملفات الإقليمية والدولية التي تهم الجانبين. وتعد القمة المرتقبة بين الرئيسين السيسي وترامب سادس لقاء يجمع بينهما منذ وصول الرئيس السيسي للسلطة.. فقد كان أول لقاء جمع بين الزعيمين في شهر سبتمبر عام 2016 علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حين كان ترامب لايزال مرشحاً في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها حيث حرص الرئيس السيسي في ذلك الوقت علي اللقاء مع المرشحين في هذه الانتخابات. وقد كشف هذا عن تقارب لافت في المواقف بين الرئيس السيسي وترامب حيال العديد من القضايا والملفات التي تهم الجانبين. أما اللقاء الثاني فكان بعد وصول ترامب للبيت الأبيض بأشهر قليلة وتحديداً في ابريل 2017 وعقد خلاله قمة "مصرية أمريكية" في البيت الأبيض. وكان اللقاء الثالث في العاصمة السعودية الرياض علي هامش القمة "العربية الإسلامية الأمريكية" في مايو 2017 وفي سبتمبر من العام نفسه زار الرئيس السيسي الولاياتالمتحدة للمرة الخامسة للمشاركة في اجتماعات الدورة رقم 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث التقي ترامب للمرة الرابعة علي هامش هذه الاجتماعات أما اللقاء الخامس الذي جمع بين الرئيسين فكان في سبتمبر 2018 علي هامش مشاركتهما في أعمال الدورة ال 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. دفء العلاقات ومن هنا فإن القمة السادسة المرتقبة التي ستجمع الرئيسين وترامب تعد تتويجاً لمسيرة التقارب الذي شهدته العلاقات بين القاهرةوواشنطن منذ تولي الرئيس السيسي الحكم في مصر ووصول ترامب للبيت الأبيض حيث نجح الجانبان في تجاوز الكثير من الخلافات والمطبات التي شهدتها العلاقات المصرية الأمريكية في السنوات الأخيرة. كما نجحا في إعادة الدفء والحياة لشرايين كثير من آليات التعاون بينهما في مختلف المجالات. فعلي سبيل المثال تم الاتفاق علي عودة الحوار الاستراتيجي بين الدولتين. ومن المقرر أن تبدأ جلساته في مايو بحيث يتم تذليل كل المصاعب والعقبات التي تعترض تطور العلاقات بين الدولتين في مختلف المجالات. وتأتي زيارة الرئيس السيسي لواشنطن ومباحثاته المنتظرة مع ترامب وكبار المسئولين الأمريكيين في توقيت بالغ الأهمية وفقاً لما أكده وزير الخارجية سامح شكري فهي تأتي في إطار المناخ الإيجابي السائد الآن في العلاقات الأمريكية المصرية علي المستوي الثنائي وإزالة معظم النقاط الخلافية العالقة في العلاقات بين الدولتين. مما أدي إلي وجود حالة من الارتياح العام علي المستوي الثنائي ويتضح ذلك من حجم اللقاءات بين الرئيسين وعودة دورية اللقاءات الثنائية بعد توقف دام فترة طويلة خلاف فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما. وقد عكس البيان الصادر عن البيت الأبيض بشأن زيارة الرئيس السيسي لواشنطن بوضوح أن الولاياتالمتحدة تراهن كثيراً علي هذه الزيارة في دعم وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وكذلك علي الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر باعتبارها أكبر دولة عربية في تعزيز الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط. فقد أكد البيان أهمية دور مصر في دعم الاستقرار الإقليمي وأوضح أن القمة المرتقبة بين السيسي وترامب تأتي لمناقشة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين استناداً إلي العلاقات العسكرية والاقتصادية القوية بينهما وبحث كيفية التعاون في مكافحة الإرهاب كما سيناقش الزعيمان التطورات والاهتمامات المشتركة في المنطقة بما في ذلك تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي ومعالجة النزاعات المستمرة ودور مصر الطويل كدعامة أساسية لاستقرار الإقليم. علاقات ثنائية ملفات وهموم عدة إذن يحملها الرئيس السيسي إلي قمته المرتقبة مع نظيره الأمريكي سواء فيما يخص العلاقات الثنائية بين البلدين أو القضايا والملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. فعلي الصعيد الثنائي ينتظر أن تتركز المباحثات بين الرئيسين علي سبل تعزيز وتفعيل علاقات الشراكة والتعاون بين القاهرةوواشنطن ولاسيما علي الصعيدين الاقتصادي والعسكري وبحث تشجيع الاستثمارات الأمريكية في مصر. فضلاً عن دعم واشنطن لجهود مصر لتحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب. أما علي الصعيدين الإقليمي والدولي فينتظر أن تتناول القمة المصرية الأمريكية مختلف التطورات الخاصة بقضايا وأزمات المنطقة وعلي رأسها تطورات الأوضاع الساخنة في ليبيا حالياً والوضع في اليمن وسوريا إلي جانب بحث تطورات القضية الفلسطينية وسبل إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب والجماعات الإرهابية وسبل عودة الاستقرار والأمن في المنطقة فضلاً عن ملف الهجرة غير الشرعية بين ضفتي البحر المتوسط. ويري مراقبون أن ما يعطي القمة المصرية الأمريكية المرتقبة أهمية خاصة هو وجود نوع من التوافق بين القاهرةوواشنطن في الوقت الراهن حول معظم القضايا والملفات السياسية في منطقة الشرق الأوسط واعتماد واشنطن المتزايد علي دور وخبرة مصر في الكثير من هذه القضايا وحسب المحللين فإن هذا التوافق في المواقف يتضح من القلق المشترك بين البلدين حول غياب الاستقرار في المنطقة بسبب الاضطرابات والأزمات التي تعيشها بعض دول الإقليم والمخاوف من تمدد الجماعات الإرهابية التي تستفيد من حالة الفراغ الأمني الذي تعيشه هذه الدول وهو ما يجعل قضية إعادة الاستقرار والأمن والحفاظ علي مؤسسات الدول الوطنية إحدي أهم القضايا التي تشغل قيادتي البلدين حالياً والتي ستكون حاضرة بقوة في مباحثات الرئيس السيسي مع نظيره الأمريكي. الدولة الفلسطينية لكن العلاقات الاستراتيجية وهذا التوافق حيال الكثير من القضايا لم يمنع من وجود خلافات واضحة في المواقف بين مصر والولاياتالمتحدة بشأن بعض القضايا وعلي رأسها القضية الفلسطينية وشروط تحقيق السلام في المنطقة فقد أعلنت مصر بصراحة وقوة رفضها لقرار الإدارة الأمريكية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ونقل سفارتها إلي هناك معتبرة أن هذه الخطوة تمثل انتهاكاً لقرارات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي وطالما أكدت مصر علي لسان الرئيس السيسي وكبار المسئولين المصريين أن تحقيق السلام والأمن في المنطقة مشروط بإقامة دولة فلسطينية مستقلة علي حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. كما أعلنت مصر بشكل قاطع رفضها لقرار الرئيس الأمريكي الأخير بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية علي هضبة الجولان السورية المحتلة وقد شدد وزير الخارجية سامح شكري علي هذا الموقف في قلب واشنطن وخلال زيارته الأخيرة للعاصمة الأمريكية مؤكداً أن الجولان أرض سورية محتلة. وهكذا نجحت مصر في تحقيق هذا التوازن الدقيق ما بين الحفاظ علي مواقفها حيال بعض القضايا. لاسيما تلك التي تمثل جزءاً من الثوابت الوطنية للدولة المصرية كالقضية الفلسطينية والجولان وغيرها من القضايا العربية وبين تعزيز علاقاتها مع الولاياتالمتحدة وجعل مصر شريكاً استراتيجياً لها. وفي هذا الإطار يري محللون أن ذلك يأتي في إطار رؤية أوسع وأشمل لعلاقات مصر الخارجية عكستها الجهود والتحركات التي قامت بها مصر مؤخراً لإعادة التوازن لسياستها الخارجية وعدم رهنها علي طرف دولي واحد مهما كانت أهميته. فقد تمكن الرئيس السيسي عبر تحركاته الخارجية النشطة في إقامة علاقات متميزة لا تقل قوة أيضاً مع أطراف دولية كبري مثل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي بعيداً عن أحادية العلاقة مع واشنطن كما كان في السابق. مما أعاد التوازن إلي السياسة الخارجية المصرية وجعل من مصر قوة يعتد بها في التفاوض مع القوي الدولية المختلفة. وجعل هذه القوي تستمع بجدية للرؤية المصرية في القضايا التي تخص دول المنطقة لاسيما أن تطورات الأحداث في هذه الدول أثبتت صحة هذه الرؤية.