أخيراً توقف سيل التعازي في وفاة شقيقتي الكبري التي توفيت الأسبوع الماضي رحمها الله.. وأقصد التعازي التي وصلتني علي الفيس بوك والواتس آب طبعاً لا أحد يتذمر من المجاملات في المناسبات المختلفة خاصة العزاء.. إلا أنني لا أشعر في أغلبها بالحميمية.. بل هي تحصيل حاصل لواقع آلي نعيشه.. فهي رسائل باردة تفتقد لدفء العلاقات الإنسانية المباشرة.. مجاملات باردة وجامدة.. تحولت فيها المشاعر إلي صور وملصقات يعبر المرسل من خلالها عن حالة الحزن أو الفرح أو الشجن أو الضيق وغيرها.. للأسف حتي الاتصال التليفوني أصبح عزيزاً بيننا.. إلا من رحم ربي.. في زمن طغت فيه الماديات علي حياتنا وتقلصت المعاني الإنسانية الحقيقية إلي أدني حدودها أرجو ألا يفهم من كلامي أنني ضد التقدم التكنولوجي فهذا غير منطقي.. إنما أنا ضد إلغاء العلاقات الإنسانية المباشرة.. يحسب لهذه التكنولوجيا أنها قلصت المسافات البعيدة بالتواصل السريع بين الأباعد في دول العالم.. ولكنها- للأسف- باعدت المسافة بين أفراد الأسرة الواحدة. أنستنا تكنولوجيا التليفون الذكي وتطبيقاته التأثير الإيجابي للعلاقات الإنسانية المباشرة في عالم واقعي وليس افتراضياً.. عندما كانت مشاعرنا تصل إلي بعضنا البعض من خلال نبرة الصوت.. التي تنقل إلينا حالة من يخاطبنا فتفرح لفرحه. وتحزن لحزنه. أرجوكم أعيدوا قيمة الأخوة والصداقة والجوار الحقيقية قيماً كثيرة نحتاج لإعادتها في حياتنا.. ونبتعد قليلاً عن العالم الافتراضي الذي نعيشه.. مجتمع جامد بلا روح عالم يفتقد لديناميكية العلاقات الاجتماعية المباشرة والتواصل بالمشاعر الإنسانية الصادقة. وينطبق بالطبع هذا الكلام علي التهاني في المناسبات المختلفة الاجتماعية والدينية.. حيث لا تجد من يكلف نفسه بالاتصال تليفونياً.. وإنما يكتفي الجميع بالصور والفيديوهات من الفيس بوك وأخواته.. ولهذا السبب ازدادت العزلة التي فرضها علينا العالم الافتراضي الذي نعيشه.. حيث لا يجد الكثير منا من يفضي إليه بهمومه مباشرة- ويطبطب عليه بالتعبير الدارج- ليخفف عنه.. واكتفي الجميع بالمحادثات- الشات- علي تطبيقات الهاتف اللي طلع أذكي منا وسرق مشاعرنا.. أيضاً. وفي النهاية أرجو أن ينتبه الآباء إلي ما نحن مقدمون عليه من تغيرات سلوكية. وأخلاقية في الابناء والتي بدأت بالتنمر وحالات الانتحار بسبب الألعاب الذكية..!! وكما بدأت دول العالم المتقدم العودة للطبيعة في حياتها.. أرجو أن نعود نحن إلي القيم الأصيلة التي نعرفها.. ويحثنا عليها ديننا الحنيف من صلة الأرحام والأخوة الصادقة لشد أزر الأخ لأخيه.. والتفاعل مع الآخر وعدم تجاهله. واحترام الكبير والرفق بالصغير وكل هذه القيم لا تأتي بالتليفون الذكي.. وإنما بالممارسة.. واقتراح أخير أن تقرر كل أسرة إغلاق الهواتف الذكية لأفرادها لمدة ساعة أو أكثر يومياً.. ليتفرغ الجميع للحوار المباشر.. ومناقشة كل ما يهم الأسرة.. ويعيد الدفء للأسرة المصرية.. ويعايشوا الواقع بدلاً من العالم الافتراضي.