مازلنا نواصل كشف النقاب عن حق الدولة الضائع في شوارعها وخدماتها وكل ما ينسب لها من صناعات رديئة لا تصلح عنواناً لصناعة مصرية وبلد يمتلك من التاريخ وجودة الحياة الكثير. هذه الحلقة من حلقات "الاقتصاد الأسود" أو "السري" الذي يبتلع بين أنياب جشعه وعدم انتمائه للوطن المليارات سنوياً لا يدفع عنها شيئاً ولا يراكم أي فائض قيمة في الاقتصاد ولا يسدد حق الدولة التي توفر له الماء والكهرباء والبنية التحتية التي تكلفت المليارات والتي يستفيد منها حيتان سرقة الكهرباء والمياه والشوارع والأرصفة في كل مكان ويكفي أن نعرف أن 29% من جملة مياه الشرب النقية التي تشربها تذهب هباءاً وفاقداً في رش الشوارع وغسيل السيارات والمغاسل غير المرخصة رغم كل ما تعانيه البلاد من فقر مائي وملايين تنفقها في تنقية المياه. وعلي امتداد الخط بين الميادين وشوارع وسط البلد التي استولي عليها الباعة الجائلون وكسب من ورائها أصحاب المحلات "ومافيا الفروشات" الملايين شهرياً يقع شارع عبدالعزيز كنموذج صارخ لمليارات تدخل جيوب أشخاص بعينهم يحتكرون تجارة المحمول وقطع غياره وقد تحولوا من مجرد مستأجرين لمحلات بإيجارات رمزية إلي "حيتان" كبيرة ووكلاء لكبري الشركات العالمية وشركات الاتصالات في الداخل والخارج. لم يعد الشارع مقراً لبيع الأثاث كما هو الحال منذ أكثر من 50 عاماً مضت أو الأدوات الكهربائية بل تحول ملاك المحلات لمؤجرين من الباطن بالمتر لمستوردي الأجهزة والقائمين بصيانتها حتي أن المحل الذي لا يزيد إيجاره علي عشرة جنيهات يؤجر اليوم ب 85 ألف جنيه شهرياً والحال لا يقتصر علي المحلات فقط فقد امتدت "الفاترينات" للشوارع الجانبية ومداخل العمارات ولا أحد يراقب أو يحاسب. الأخطر أن شوارع المنطقة المحيطة كالعطار ومحمد علي تحولت هي الأخري للتأجير بالمتر للتعامل مع أنشطة استهلاكية يدفع أصحابها مئات الجنيهات يومياً ثم يعودون لجنيها من المواطن بتقديم خدمات وقطع غيار مزيفة حتي أن سعر تصليح المحمول ارتفع في سنوات قليلة من 50 أو 80 جنيهاً إلي 500 جنيه لقطع غيار مستعملة أو غير أصلية. كل هذه الأنشطة وغيرها تمارس في شوارع كثيرة في كل محافظات مصر تمتص ما يجنيه المواطن بكده وعرقه ولا تقدم شيئاً للدولة تستوي في الضرائب والخدمات لتتكدس الأموال في يد فئة قليلة تزداد كل يوم جشعاً وطمعاً.