بسم الله ماشاء الله أكثر من 80 ألف مصري توجهوا إلي اداء فريضة الحج هذا العام وفقا للاحصاءات الرسمية فقد حصلت الحكومة المصرية من الحكومة السعودية رسميا علي حوالي 79 الف تأشيرة تم توزيعها بنسبة 40% القرعة و60% للسياحة والجمعيات الأهلية وهناك تأشيرات أخري خارج هذا الاطار عبارة عن منح ملكية توزعها السفارات للمؤسسات وبعض الجهات والهيئات وهناك الف حاج من اسر الشهداء تم استضافتهم علي نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. كنت اتصور ان العدد سيكون في الحدود الدنيا هذا العام وان سوق التأشيرات ستكون كاسدة ولن تجد من يستخدمها وان تكاليف الحج ستكون منخفضة عن الاعوام السابقة باعتبار ان الاسعار يتحكم فيها سوق العرض والطلب. اضف الي ذلك وجود حملات تدعو الي عدم تكرار حج النافلة وتوجيه النفقات الي جهات اخري تحتاج الدعم في دولة تعاني اقتصاديا وتريد الخروج من عنق الزجاجة. لكن ما حدث العكس تماما اقبال منقطع النظير زحام شديد طلب كبير علي التأشيرات رغم المغالاة الشديدة في الاسعار وحساب التكاليف والاهم مجئ موسم الحج في عز فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بصورة غير مسبوقة في المنطقة بسبب عمليات الانقلاب الحراري والمناخي في العالم. تكاليف الحج هذا العام في المتوسط تزيد علي الألف جنيه مع حج القرعة والجمعيات الاهلية اما في الحج السياحي أو بنظام السياحة فالأمر مختلف تماما والاسعار خيالية بعضها يدخل في باب العجائب أو صدق أو لاتصدق بعد ان تجاوزت التكلفة 600 الف جنيه العام الماضي! بحسبة بسيطة لو قلنا ان المتوسط 150 الف جنيه للحاج فان اجمالي التكلفة يتجاوز 12 مليار جنيه هذا الي جانب تكاليف الجهات المشرفة والهيئات المساعدة من طبية وادارية وغيرها!! ماذا تعني هذه الارقام في ظل ازمة اقتصادية ومعاناة وشكاوي مرة لاتتوقف من الغلاء والبلاء وان الامور بلغت الحلقوم وانها فوق طاقة الاحتمال؟ البعض يطرح تساؤلات بعضها مشروع والآخر قد يكون مرفوضا. هل الامر يتعلق بدرجة عالية من الايمان والحرص علي اداء الفرائض واكمال اركان الايمان مهما بلغت الصعوبة والوصول الي الشدة المستنصرية؟ هل المصري بالفعل متدين بالفطرة ولا يعوقه اي شيء يحول دون زيارته للبيت الحرام مرات ومرات؟ هل تذهب هذه الجموع فارة الي الله تعالي لاجئة تسأله في العشر من ذي الحجة ومن ارض المشعر الحرام ان يفرج الضيق والهم والغم والاحزان وان يخلصنا من الكرب والبلاء والغلاء والكواء والشواء؟ هل ذهبوا كفارة عما ارتكبوه من ذنوب وآثام وما اقترفوه من جرائم فساد اهلكت الحرث والنسل؟ هل تسلل الفاسدون الي الحج بحثا عن طوق نجاة حتي ولو بالكذب والخداع وتضليل الناس والضحك علي الذقون؟ الم تلاحظوا ان الحج والعمرة كان بندا رئيسيا في كل جرائم الفساد والرشوة ونهب المال العام؟ وان الكبار منهم كانوا يطلبون الحج والعمرة لهم ولزوجاتهم وابنائهم ايضا؟!! ويا لها من مفارقة غريبة تستحق التأمل والتوقف! يبدو أن الامر له علاقة بفشل حملات التوعية عن ترتيب الاولويات والتوقف لفترة عن حج النافلة او السياحي وتوجيه الاموال الي اعمال خيرية اكثر فائدة ونفعا للمجتمع؟ والدليل الدامغ ان لا احد يستجيب وهو ما يفرض اعادة النظر في الحملة وطريقة الخطاب وكيفية طرح الامور ومناقشتها في اطار ثقافي عام وليس دينيا فقط بمعني انه لايصح الحديث عن ترشيد الحج ونلزم الصمت عن السياحة الخارجية في الدول الاوروبية وغيرها رغم فارق الانفاق والتكلفة فضلا عن الحساسية والحرج الاجتماعي والسياسي عندما يتعلق الامر بالعقائد والعبادات! ملمح آخر اعتقد انه اكثر اهمية وهو وجود خلل في نظام الاوعية الادخارية والاستثمارية التي فشلت او عجزت عن استيعاب فائض الاموال الفردية وتركتهم يبحثون عن طرق انفاق غير سليمة إو غير مجدية اقتصادية والبحث عن وسائل آمنة يضعون فيها اموالهم بعيدا عن المخاطرة فلجأ الكثيرون الي الاستثمار العقاري ووضع الاموال في شقق وقطع اراضي هم لايحتاجون اليها مطلقا واقرأوا ان شئتم دلالات الاقبال الرهيب علي الشقق والاراضي ووجود ملايين الشقق المغلقة في انحاء البلاد. وهذا الفائض الرهيب في الاسكان في كل مكان لو تم توجيه الاموال التوجيه الصحيح نحو الصناعة والتجارة الحقيقية وتنمية الموارد الذاتية والابداع في المجالات المختلفة لكان هناك مصر أخري مصر اكثر رقيا وتحضرا والاكثر قوة في عالم اليوم الذي لا يعرف الضعفاء ولا من يعيشون عالة علي الأمم الاخري! وساعتها لن نكون في ازمة أو حرج مع من يحجون مرات ومرات في كل عام ومن يفضلون السياحة الداخلية علي الذهاب الي تركيا واسبانيا ولبنان وغيرها! قضية اخري أكثر أهمية تتعلق بالفهم الصحيح للدين الحنيف ومعني وحقيقة العبادات. فكل اعداء الاسلام فهموا الحج ومعناه ومغزاه الديني والروحي والعملي فهما صحيحا الا المسلمين لم يفهموه ولم يحاولوا الاقتراب منه او ان يؤدوا الحج كما أمرهم الله. الشيء الوحيد الذي برعوا فيه هو الجدال في شئون الحج ولم يتفقوا علي شيء أنتجوا سيلا من الفتاوي ليس لراحة الناس ولكن لتزيدهم حيرة علي حيرة حتي انهم اختلفوا حتي في المتفق عليه وزادوا الطين بلة حين رفع البعض شعار التيسير في المشاعر في حين تمسك آخرون بما رأوه صحيح السنة ونسوا ان ما يحدث علي ارض الواقع شء آخر. هذا غير كثير من الفتاوي اياها التي تلوي عنق النص وتفتش فيما وراء المعني والمقصود لخلق قواعد جديدة ولايهم ان كانت شاذة او مقبولة عقلا أو نقلا. ومن الغرائب ان يتم بناء احكام علي استثناءات ومواقف خاصة جاءت في اطار النسيان والجهل بالاحكام ويتم الصاقها بهدي النبي صلي الله عليه وسلم في مواقف خاصة لأناس مخصوصيين واستغلالا لقوله الكريم.. افعل ولا حرج؟! العالم الغربي والقوي المعادية للاسلام عرفت القوة الكامنة في الحج كعبادة روحية وعملية درسوا وخططوا وتابعوا وحاولوا اجهاض هذه القوة وتفريغها من مضمونها الحقيقي وان يؤدي الناس الفريضة اداء ميكانيكيا شكليا فقط. ونجحوا في جعل موسم الحج ومؤتمر المسلمين السنوي الاقوي بلا فائدة حتي ولو اجتمع خلاله علماء وقادة! يقول إيوان ميردين لويس عميد المستشرقين البريطانيين إن الحج من ادوات الاسلام في صناعة هوية مشتركة فالاسلام يوجد رابطة هوية ومصلحة مشتركة تجمع بين المسلمين ذوي الأصول العرقية والانتماءات السياسية المختلفة. الكولونيل البريطاني رونالد فيكتور بودلي: الحج أعظم شاهد علي ديمقراطية الاسلام فهناك يجتمع المسلمون الاوروبيون والآسيويون والافريقيون والصعاليك والامراء والتجار والمقاتلون في نفس الازار البسيط الذي كان محمد "صلي الله عليه وسلم" واتباعه يرتدونه في حجة الوداع عام "632ه" إنهم جميعا يتناولون نفس الطعام ويتقاسمون نفس الخيام ويعاملون دون تمييز سواء أجاءوا من مرافئ سيراليون أم من قصر نظام حيدر اباد انهم جميعا مسلمون.