* يتألق الزعيم الفنان عادل إمام في مسلسله الرمضاني "عوالم خفية" هذا العام .. فكرة جيدة تدور حول صحفي مرموق عمل لفترة طويلة رئيسا لتحرير صحيفة قومية ثم أقيل منها بسبب مقالاته التي اعترض فيها علي خصخصة شركات القطاع العام ليتحول إلي صحفي في جريدة معارضة يبحث عن الحقيقة ويكتب المقالات النارية ويجري التحقيقات الساخنة ويطارد الفاسدين ويفضحهم مهما كانت مراكزهم ويكشفهم أمام الرأي العام. * إنه لون مختلف يقدمه الزعيم العاشق للفن دوما والمصر علي مواصلة عطائه له مابقيت الحياة ومهما امتد به العمر وقد بدا في هذا المسلسل وكأنه صحفي شاب ينطلق في حيوية باحثا عن المعلومة وهو في نفس الوقت لايتخلي عن خفة دمه وقفشاته وسخرياته ولدغاته الكوميدية التي تلقي الترحيب من عشاقه. والعمل يختلف عن معظم أعماله السابقة ويبدو أقرب إلي الواقع كثيرا وإن كان كعادته لايخلو من نقد يعشقه الزعيم. * إنه في مسلسل "عوالم خفية" يستعين بثلاثة من الكتاب الشبان الجدد هم: أمين جمال ومحمد محرز ومحمود حمدان التقوا في ورشة واحدة تجمع أوراق هذا العمل وتنسج خيوطه معا ويبدو أنهم في حالة انسجام جعلت أفكارهم مرتبة ومنسقة ومليئة بالأحداث المكثفة تترجم حيوية الشباب ونبضه وفكره المعاصر المختلف يجرون تحقيقاً جريئاً يقوده الزعيم ولهذا رأينا تفاصيل المشاهد تتضمن تعاملات مع تكنولوجيا العصر ومخاطبته وهو بالقطع مايجد صدي وقبولا لدي الشباب الذي نسعي لجذبه إلي دراما هذا الزمن لتحقق اهدافها مثلما نجحت من قبل في جذب أجيال سابقة بإمكانيات وقتها وللدخول علي خط المواجهة مع وسائل التواصل الحديثة. * ويحمل هذه التجربة علي عاتقه مع الزعيم وفي أول تجربة إنتاجية له وبالقطع تحت رعايته نجله المخرج رامي إمام الذي أخرج له من قبل أعمالا سابقة ناجحة ولكنه هذه المرة يتصدي للإنتاج مع هشام تحسين لأول مرة في شركة تنتج أكثر من عمل وهكذا يكسب الوسط الدرامي منتجا متحمسا في أسرة عاشقة للفن حتي الثمالة. * ولكن كيف تولدت لدي الزعيم ومن معه فكرة المسلسل إنها تستدعي روح نجمة وزعيمة التمثيل الراحلة سعاد حسني ونهايتها الميلودرامية التراجيدية المفجعة ليبدو المشهد أمامنا وكأن هناك من يقول إن هذه الفنانة قد قتلت وأن روحها ستظل هائمة معذبة ولن تستريح في قبرها حتي يأتي من يأخذ بثأرها ويكشف القتلة ويقدمهم للعدالة وهم الذين قادوها للموت إما دفعا وبفعل فاعل من شرفة الشقة التي كانت تقيم بها في لندن أوفقدا لتوازنها لتسقط دون أن تدري أو وهذا هو الاحتمال الأضعف انتحارا وتعمدا منها في مشهد حقيقي لن ينساه عشاق الفن ما دامت الحياة وليس بسينمائي في عاصمة الضباب. * وليس صدفة أن تطل علينا سعاد حسني في رمضان رغم أنف ورغم نفي الزعيم أن العمل ليس قصة حياتها لأن المشهد المروع واحد وهو السقوط من شرفة شقة عليا راحت ضحيته نجمة سينمائية سابقة لامعة اختار لها اسماً مختلفاً للتمويه وهو "مريم رياض" ونشرت الصحف مأساتها في عناوين بارزة واهتز المجتمع لرحيلها بل إنها كانت تعتزم كتابة مذكراتها لتفضح فيها الفاسدين الذين حاربوها في مشوارها الفني والحياتي ولم يقفوا بجوارها في محنتها وهو ما ماحدث مع سعاد حسني ويأتي باقي التفاصيل مكملة لها عندما قدمها في مشهد يسبق مصرعها تقاوم ملثماً اقتحم شقتها يريد الاستيلاء علي مذكراتها ثم لايكشف المسلسل عن أن هذا الملثم هو الذي ألقي بها من أعلي أوأنها ألقت بنفسها المهم أنها تسقط في مشهد دراماتيكي وقد انقذت معها مذكراتها بعد أن كتبت جانباً كبيراً منها وظهرت في المشهد تسقط معها واستقرت جثتها هامدة فوق إحدي السيارات بينما استقرت المذكرات فوق سيارة للقمامة وجعل المأساة تقع في القاهرة وليس في لندن والأحداث تؤكد بعد ذلك استحالة انتحارها ويجيب المسلسل عن التساؤل المهم ماذا لو وقعت مذكراتها التي اختارت لها اسم "عوالم خفية" في يد من يقتص لها وهو مايتصدي له الزعيم ويلعب فيه مغيرا جلده وينسج خيوطه مع كتاب السيناريو لتكون روحها مطلة علي كل المشاهد حيث يجمع عمال الروبابيكيا مخلفات القمامة المتهالكة من الكتب القديمة لبيعها ولتستقر عند بائع يتعامل معه "هلال كامل" وهذا اسم الزعيم في هذا العمل وهو اسم مختار بعناية فائقة بين الهلال والكامل ويليق به فهو هلالنا الفني والكامل بعشقه للفن يختار الزعيم شخصية مهنة الصحفي العنيد وهو الجدير بالتحري في مقتل هذه النجمة المظلومة وهو لايكف عن القراءة واقتناء الكتب الثمينة والتفتيش فيما تحتويه ولا يعيش في برج خاص به أو أنه قد انشغل بما يرضي الآخرين عنه ويختار كتاب "عوالم خفية" ويقرأه ويتعجب لمحتواه المكتوب بالكامل باليد وليس مطبوعا ويتتبع من خلال مذكرات النجمة الكبيرة التي قيل إنها ماتت مقتولة أو منتحرة وفي المسلسل يبرئ ساحتها لأنها كانت مقبلة علي الحياة وهو ما يعني تعاطفاً ذهنياً مع سعاد حسني وأنها لم تمت ميتة طبيعية ويجب إعادة التحقيق في مصرعها حتي لايستقر لدي البعض أنها انتحرت بعد أن داهمتها موجة اكتئاب حادة نتيجة لماحدث من تغيير في شكلها ووزنها وملامحها وبعد أن فقدت كل أموالها في عمليات جراحية في باريس ثم في لندن لإنقاص وزنها وعلاج عظامها وفقرات عمودها الفقري المشروخة والمتآكلة وأدوية الكورتيزون المهلكة وماقيل وقتها إنها لم تكن تجد قوت يومها ولم يتدخل أحد لعلاجها بل إن ثريا عربيا حاول ذلك ورفضت واستمرت مأساتها في لندن أربع سنوات كاملة وعندما أعلن قرب عودتها لمصر كان خبر مصرعها أسبق منها وفي الأحداث المكتوبة يتصدي الصحفي هلال لقضيتها ويكشف عن شخصيات فاسدة حاربتها وتزوجت من أحدها هذه النجمة وحاولت كشفت فساده وقررت فضحه ولكن هذه الشخصية تمكنت من التخلص منها ثم تطور حاله لتصبح هذه الشخصية وزير الصحة وتحدث المواجهة بين هلال والوزير الذي يقود حملة مضادة لتشويه صورته. * تلك هي القماشة الثرية التي يمتعنا بها الزعيم بعد أن تخلي هذا العام عن كاتبه المفضل يوسف معاطي الذي قدم معه أكثر من عمل في الأعوام الماضية يتخيل العمل أن مذكرات سعاد أو هذه النجمة وقعت في يد بطلنا وهي تفضح من خلالها أسماء محددة في قمة السلطة ويسرد العمل تفاصيلها هكذا يقول المسلسل إن سعاد حسني راحت ضحية مؤامرة مع خيوط كثيرة يقدمها من خلال شخصيات ثرية لامعة في أدوارها ومرسومة بعناية تتجانس معا لتخدم الخط الرئيس للأحداث وواضح أن رامي إمام قد هضم العمل وعشقه وتحكم في إيقاع أحداثه وحركة أبطاله ودعمه بموسيقي تصويرية سريعة تواكب أحداثه المثيرة المتلاحقة عن النجمة الراحلة عنوان الفن المصري والتي صنعت برحيلها ذاته عملا دراميا شائقا يجذب كل الأجيال المتعاقبة حوله وتطرح كل أسئلة الدنيا حوله. * والمدهش أن عرض المسلسل يتواكب مع الذكري ال17 لرحيل سعاد حسني والتي تحل يوم 21 يونيو القادم لتبدو روحها سعيدة بإنصافها الذي ربما يبرئ ساحتها من جريمة قتل نفسها وقد تصدت النجمة رانيا فريد شوقي بشجاعة لدور تلك النجمة بعد أن رفضته أخريات حيث تغادرها النجومية ولكنها أجادت فيه وتبدو عبقريتها في تميزها عن قريناتها وتنوع أدائها وامتداد ذكراها علي مدار العام خذ مثلا ذكري صلاح جاهين أستاذها الذي أحبته والعندليب الذي لن تنتهي الحواديت حول حقيقة زواجهما بين مؤكد ومكذب وتجاورهما معا في الزمالك وسفرياتهما بل إن يوم مولده هو نفسه يوم رحيل السندريللا وإذا كان الزعيم قد تحول إلي صحفي يحاول إنصافها فإن هناك صحفياً آخر اكتشفها وقدمها في الواقع في بداية مشوارها وهو عبد الرحمن الخميسي الذي قدمها في فيلم من تأليفه وهو "حسن ونعيمه" لتتوالي بطولاتها ويبدو الزعيم وكأنه يعيد اكتشاف نفسه يجري وراء الحقيقة يتحري بنفسه ويتحدث كثيراً ويسهر طويلاً ويفتش عن التفاصيل ومن حوله يتألق الفنانون بتوهج خاص وهم: أسامه عباس ورجاء الجداوي وصلاح عبد الله وفتحي عبد الوهاب وعبد الرحيم حسن وأحمد وفيق وبشري ومي سليم وهبه مجدي وأحمد صيام وبسام رجب وسلوي عثمان ونور قدري وساره نور وخالد أنور ومحمود فارس وبطرس غالي وطارق صبري تحية لجهد هائل في عمل استحق ان نشيد به وسط زحام مسلسلات رمضان.