لا أظن أن مشكلة الإعلانات التي زاحمت الدراما ولم نعد نستطيع مشاهدة أي عمل درامي متكامل. لا أظن أن لها حلاً لأنه بثمنها يمكن للقناة أن تدفع ثمن المسلسل الذي تشتريه لعرضه.. والإعلانات في واقع الأمر تضرب المشاهد في الصميم مرتين الأولي عندما يتحمل تكاليفها المضافة علي ثمن السلعة التي يشتريها وعندما يكتوي بنيرانها فلا تمكنه من أن يشاهد أحداث المسلسل وأنا شخصياً أتحدي لو أن إنساناً طبيعياً يمكنه متابعة مسلسل ما في ظل الأسلوب الذي تعرض به الإعلانات حالياً ولا أدري كيف سيوقع المجلس الأعلي للإعلام العقاب علي القناة المخالفة ويلزمها بدفع الغرامة المالية التي قدرها مائة ألف جنيه عندما تذيع إعلانات أكثر من ثلاث مرات في الحلقة الواحدة بل إن الثلاث مرات نفسها كثيرة وكان يكفي إذاعتها مرة واحدة قبل عرض المسلسل وإلزام القنوات بذلك رغم كل المبررات. لقد تكالب الناس علي اليوتيوب لمشاهدة الحلقات دفعة واحدة ولاحظوا أن فارق المتعة كبير للغاية بعد ان تحولت الإعلانات إلي طاعون يفسد المشاهدة بل إن اليوتيوب نفسه صار يرهق زواره بإعلانات وان كان يعرضها في لوحات علي استحياء تقفز إلي الشاشة أثناء العرض ويبدو أن اليوتيوب نفسه سوف يحرم مشاهديه من هذه المتعة عندما يحدث الطوفان ويصبح هو المصدر الوحيد للمشاهدة. أنا أتساءل: ألا من مستثمر يدخل هذه المنطقة ويبدأ في طرح باقات من قنوات تعرض مجموعة من المسلسلات تحت الطلب بدون إعلانات ومقابل اشتراك تنقلها كوابل للبيوت وهذا يعني أننا إما أن نقبل داء الإعلانات أو أن ندفع صاغرين قيمة الاشتراك أو نغلق القنوات فنستريح أو لا نستريح. لقد أصبحنا في عالم غاية في المادية وانتهي زمن أبوبلاش ويبدو أن هذا هو ما يفسر عدم استطاعة الإعلام الوطني المتمثل في قطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج وصوت القاهرة ولماذا توقفوا عن الإنتاج الدرامي وكلمة السر في ذلك هو القدرة علي التسويق وهي التي تحركها قدرة القنوات علي الشراء بعد ان تكون قد ضمنت جذب الإعلانات إليها وهو ما يفسر بعد ذلك امتلاك المنتجين لقنوات وشركات إنتاج لسلع خاصة يروج أصحابها لبضاعتهم وماسبيرو لا ينتج سلعاً ولكنه يقدم خدمات وسوف يظل جزءاً من الإنتاج والصراع القادم أصبح صراع منتجين وقد رأيناه هذا العام في مسلسلي يسرا وهنيدي وكان مصيرهما العرض خارج القنوات المصرية. الكلام عن تجاوزات في المسلسلات هو نوع من السخف فمن قائل إن أبناء الفيوم غاضبون لاتهامهم في "كلبش" بأنهم وكر للإرهاب أو أن "نسر الصعيد" به إيحاءات جنسية بين زوجين ثم ماذا ننتظر من هيفاء في "لعنة كارما" لسيدة نصابة تسرق ملايين الرجال. إن كل ذلك صغائر لا ترقي لمستوي التجاوزات بل إن طغيان الإعلانات هو التجاوز ذاته ويجب إنقاذ المشاهد منه بقرارات جريئة حتي نتفرغ لبحث مستوي الدراما وكيفية الارتقاء بها بعد ان لاحظنا هبوط الكثير من الأعمال المعروضة منها هذا العام.