أرجو ألا ينزعج أصحاب المحطات الفضائية خلال السنوات القليلة القادمة عندما يجدون جمهور المشاهدين ينسحب من أمام قنواتهم ويتجه إلي «اليوتيوب» أو المواقع التي أنشأتها بعض شركات الإنتاج لعرض أعمالها الدرامية عليها، حالة الملل وقلة المتعة وقطع التواصل بين أحداث المسلسل جعلت نسبة كبيرة من الأسرة المصرية تهرب إلي مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لكي تتابع الحلقات بعيداً عن هوجة الإعلانات التي ضربت الدراما خلال السنوات الأخيرة، التي تسببت في أمور كثيرة أبرزها أن مدة الحلقة وصلت إلي 25 دقيقة فقط بعد أن كانت تصل إلي 60 دقيقة أو 45 دقيقة علي أقل تقدير.. ال 25 دقيقة وهي مدة الحلقة الآن أصبح يذاع بداخلها من 30 إلي 35 دقيقة إعلانات وفي بعض الأحيان تزيد مدة الإعلانات على ذلك.. حتي أن أحد المسلسلات الذي يعرض علي قناة فضائية عربية وصلت مدة الإعلانات فيه إلي 85 دقيقة مما اضطر القناة إلي تحويل الجزء الواحد من العمل إلي جزئين، نتج عن تلك المهزلة مجموعة من القضايا المهمة أولها التي ذكرناها أن المشاهد فقد متعة المشاهدة هذا علي مستوي المتلقي.. أما علي المستوي الفني فحدثت مهازل كثيرة، أبرزها أن جميع القنوات بلا استثناء قامت بمنع عرض التترات بعد الثلاث حلقات الأولي، حتي أن مجموعة من المنتجين يفكرون جدياً مستقبلاً بعدم تسجيل أغنية التتر لأنهم علي حد قولهم ينفقون عليها آلاف الجنيهات في صور أجور مؤلف وملحن وموسيقيين وغيره، وبالتالي فهو سيوفر ما يقرب من مليون جنيه وربما يزيد.. ولو لجأت الشركات لهذا الأمر فهذا يعني أن الدراما فقدت أحد عناصر النجاح، لو عدنا للماضي سوف نجد أن تترات كثيرة ساهمت في نجاح المسلسلات بداية من تتر «الضباب» للموسيقار الكبير محمد علي سليمان الذي كان يعرض في سبعينيات القرن الماضي، مروراً ب «ليالي الحلمية» لميشيل المصري و«أرابيسك» و«زيزينيا» و«رأفت الهجان» و«دموع في عيون وقحة» وغيرها من أعمال الروائع للراحل عمار الشريعي، و«المال والبنون» و«الوسية» و«الليل وآخره» و«المرسي والبحار» وآخرها «أستاذ ورئيس قسم» وغيرها للموسيقار الكبير ياسر عبدالرحمن. أزمة التترات لم تعد تهم فقط المنتجين بل صداها وصل لبعض كبار الموسيقيين الذين يضعون الألحان حيث هدد بعضهم بعدم العمل مستقبلاً في التتر، وبعضهم هدد باللجوء للقضاء، خاصة أن منع عرض التتر أصبح فيه جريمة أخري يحاسب عليها القانون ألا وهي الحق الأدبي للمؤلف الموسيقي المتمثل في كتابة اسمه علي التتر، وبالتالي أصبح لزاماً علي القنوات تمنحه هذا الحق. القضية الثانية المرتبطة بزيادة مساحة الإعلانات داخل العمل الدرامي هو تشويه المسلسل نفسه، لأن بعض القنوات تلجأ لقطع المسلسل فجأة سواء لعرض الإعلان في منتصف الحلقات أو في النهاية، ولذلك تجد بعض الحلقات تعلن نهاية الحلقة في موقف درامي لم يضعه المؤلف والمخرج، وبالتالي يحرم المشاهد من متعة التشويق والإثارة التي أصبحت ثمة الدراما العربي والتركية والغربية.. فأنت فجأة تجد نهاية الحلقة باهتة ربما لا تشعر معها بأن الموقف يومئ بنهاية الحلقة كما كان يحدث في الماضي. ولذلك بعض المؤلفين يعيشون أزمة حقيقية وهم يرون العمل يشوه أمام أعينهم بعد أن باع المنتج كل الحقوق للفضائيات. أزمة الإعلانات في مصر ليس لها مثيل في العالم، فهناك مقاييس عالمية تم وضعها لدقائق الإعلانات، ثم أن العالم كله يحترم أقل حقوق المبدع ألا وهي تأهيل الوسيلة الإعلامية بالشكل الذي يحقق المتعة للمتلقي، والفن في الأساس قائم علي المتعة والتشويق وجذب المشاهد، وليس تصدير الإحساس بالملل وفقد شهية المشاهدة.. لجوء الكثير إلي مواقع التواصل الاجتماعي سوف ترتفع أسهمه بشكل كبير خاصة أن مصر تعد من الدولة الشابة لأن 70٪ من سكانها في عمر الشباب، وهذا السن بطبعه يبحث عن الطرق غير تقليدية التي تحقق المتعة له، وبالتالي سنجد أن الرهان الآن حتي بين الفنانين علي العداد الموجود أسفل شاشة «اليوتيوب» وبعضهم وصل لأرقام خيالية ما كان يمكن أن يحققها لو أن القنوات تعرض المسلسلات بشكل طبيعي بعيداً عن هوس الإعلانات التي أصبحت تجعلنا نشاهد فترة إعلانية بداخلها دراما وليس العكس.