تجديد الخطاب الديني. ليس فقط هو التصدي لما يستجد في المجتمع علي ضوء القواعد الإسلامية. وإبراز رأي الإسلام في حلها. ومعالجتها وفق المفاهيم العاقلة. والراشدة المستقاة من منهج الإسلام لنهضة هذه الحياة الدنيا وإعمارها. وتحصرها. وبث الخير والنفع للبشرية جميعها. وإنما أيضاً إعادة نشر وشرح هذا المنهج الذي أنزله الله سبحانه وتعالي لإسعاد البشر وتعاون الإنسان مع أخيه الإنسان أياً كان معتقده. ومذهبه ولونه. وجنسه. المسلم الحق هو ذلك الإنسان الذي يعرف للإنسانية حقها. ويعطي للآخر حقه في العيش بسلام. ويجادله بالحسني ويمد له يد العون والأمان إليه مادام ذلك الآخر لم يعتد. ولم يفسد حياة غيره بتآمر أو غدر أو إرهاب. والآخر ليس هو ذلك المواطن الذي يعيش مع السلم في وطن واحد يظللهما ويرعاهما. ويسهر ولي الأمر فيه علي أمن مواطنيه وسلامتهم. إذ إن ذلك لا يسمي آخر. وإنما يسمي مواطناً له نفس الحقوق. وعليه ذات الواجبات التي يستحقها المواطن المسلم. ويلتزم بها.. من ثم فإن من عناصر التجديد وأصوله هو التعريف بحقوق الآخر في الدول غير الإسلامية سواء كان ذلك في الشرق أو الغرب.. مسلم أو مسيحي أو يهودي أو مجوسي أو بوذي. أياً كانت ديانته أو لونه وعرقه. وبناء علاقة إنسانية تقوم علي الحوار والسلام. وليس علي الصدام والتشاحن. كانت وثيقة رسول الله صلي الله عليه وسلم التي أنشأها بعد هجرته ترسي قواعد التعايش الآمن. والتعاون بين المسلمين وغيرهم من المقيمين في يثرب وما حولها. تسوي بينهم في الحقوق والواجبات. ويلزم الجميع بالدفاع عن وطنهم الذي يتسع للجميع مادام الأمن والأمان يتسع بينهم جميعاً. لا يبخس حق أحد. لا ينقص من حقه شيئاً. ذلك أنهم جميعاً. وفقاً لهذه الوثيقة مواطنون. وان اختلفت دياناتهم وما كان إقصاء اليهود من المدينة إلا بسبب خيانتهم وغدرهم وتآمرهم للقضاء علي من أمنوهم. وعاهدوهم. فهم مواطنون. ماداموا لم يعتدوا ولم يغدروا. ولم يتعاونوا مع أعداء مواطنيهم. وحين كانوا غير ذلك أعمل الرسول عليهم القانون الذي ارتضوه. وهو تحكيم من اختاروه حكما لهم. من ثم فإن المواطن حين يغدر ويخون يخضع لحكم القانون النافذ في زمنه. أما غير المواطن فهو إنسان كرمه الله "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات. وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا" الإسراء "7" والتعامل معه لكونه إنسانا والله قد خلق الناس قبائل وشعوبا لتتعارف. والأتقي هو الأكرم عند الله. لا فرق بين إنسان وآخر ولا تمييز إنسان عن إنسان. والعدل مع المسلمين وغير المسلمين واجب حتمي لا فكاك منه. وقيمة إسلامية عظيمة أرساها الحق تبارك وتعالي من هذا المنهج. كان الإسلام معظما لكافة الأديان السماوية وألزم الرسول والمسلمين بالإيمان بجميع الكتب السماوية والرسل لا تفريق بين أحد منهم. وما علي المسلمين والرسول إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. لذلك كان التعايش السلمي في الإسلام يقوم علي الإيمان بالعقيدة الإسلامية التي كرمت الإنسان دون تحديد لدينه أو مذهبه أو عنصره ويكون الأولي هو التعايش السلمي لأصحاب الديانات السماوية من غير المسلمين. كان المسلمون الأوائل أول من طبق احترام الآخر في الدول الأخري ولم يسجل التاريخ اعتداءهم علي غيرهم. إنما كانت الحروب التي خاضوها لرد العدوان فقط.. نقول ذلك حتي يعلم الداعشيون وغيرهم من فصائل انحرفت عن طريق الإسلام الصحيح. زعما منهم أنهم يمثلون الدين الحنيف وهم أبعد ما يكونون عن قواعده التي تقوم علي الأمن والأمان وشيوع السلم بين البشر جميعاً. إن سعي علماء المسلمين إلي الاستفادة من فلاسفة الإغريق.وحضاراتهم ونقلها إلي الغربية ثم نقلها عنهم الغرب فيه دلالة علي أن المسلمين احترموا حضارة غيرهم وإرساء مبدأ تعاون الحضارات وتحاورها للاستفادة من ؟ وتنوعها علي خلاف ما أشاعه بعض علماء الغرب من أن العلاقة بين الإسلام وحضارتهم علاقة تصادم وصراع لتكون الغلبة للأقوي. ومن ثم كانت الغزاوات والحروب منذ دخول الحملة الفرنسية سنة 1798 حتي الآن صراعا عسكريا وغزوا ثقافيا بغرض الهيمنة والسيطرة واستغلال بلاد المسلمين.