جاءت أحداث الإسكندرية الأخيرة لتجدد محاولات الإرهاب لطبع نقطة غير مضيئة في ثوب الشعب المصري الناصع.. وها هي أصابع الفتنة تمتد بين الحين والحين, لتحاول النيل من وحدة هذا الوطن المتماسك, بالتأثير في علاقة طيبة استمرت أكثر من41 قرنا, منذ مجيء الإسلام إلي اليوم, وهي العلاقة بين المسلمين والأقباط. ورغم أنها ليست المحاولة الأولي من ذلك المسلسل الخبيث, إلا أن وقعها كان أشد ألما من غيرها.. لا لأن فاعلها مسلم أو مسيحي, فلاشك أن مقترف تلك الجريمة النكراء لايعرف شيئا عن الإسلام, ولا المسيحية, ولاحتي عن المصرية, وإن حمل زورا وبهتانا أيا من تلك المسميات!.. لكن لأن تلك الأيادي الإرهابية أبت إلا أن تفعل فعلتها القذرة ليلة احتفال إخواننا الأقباط بعيدهم المجيد, وأزهقت ماأزهقت من أرواح الأبرياء. ورغم أن العلماء والرموز الدينية من الجانبين الإسلامي والمسيحي.. ومن قبلهم القيادة السياسية الحكيمة.. كانوا جميعا كعهدهم دائما فوق الفتن, وتجاوزوا هذه الأزمة بهدوء وسلام.. مؤكدين, بما لايدع مجالا للشك, أن وحدة الوطن أقوي من كل الفتن, وأن نسيج هذه الأمة سيظل عصيا علي الاختراق والتلوث الطائفي, وأننا جميعا( مسلمين ومسيحيين) شعب واحد, مهما اختلفت عقائدنا وتنوعت أجناسنا. .. لكن ذلك لايمنع أن نأخذ بأيدي الجاهلين, وننبه الغافلين إلي أن التعايش المشترك مع الأشقاء الأقباط ومشاركتهم لنا في الوطن الواحد ليس ترفا أو هبة أهداها المسلمون للمسيحيين, بل هو حق أصيل لهم منحتهم إياه الشريعة الإسلامية الغراء, ووضعت لذلك مباديء وأسسا قامت عليها العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر وامتدت قرونا طويلة قبل أن تشهد تلك التوترات والفتن التي أصابتها في السنوات الأخيرة.. وهو مادفع علماء الإسلام إلي الدعوة لتعزيز ثقافة التعايش السلمي بين المسلمين ومخالفيهم في العقيدة, وإحياء تلك الثقافة من جديد, لتظل مصرنا الحبيبة نموذجا للوحدة الوطنية والتعايش السلمي, رغم أنف الحاقدين ومكر الماكرين! تكريم الإنسان لذاته لا اعتقاده في البداية توضح الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي رفع شأن الإنسان أي إنسان وكرمه علي سائر الخلائق فقال سبحانه ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا.. وأوضحت أن الآيات التي تمجد الإنسان وتعلي من مرتبته فوق كل المخلوقات تتناول الإنسان لذاته, لا لاعتقاده من حيث هو تكوين بشري وقبل أن يصبح نصرانيا أو يهوديا أو بوذيا, وقبل أن يصبح أبيض أو أسود أو أصفر.. فالإسلام جعل للإنسان طبيعة مكرمة مستمدة من كونه خليفة في الأرض, وهذا التكريم مطلق, لايتقيد بجنس أو مكانة اجتماعية أو حتي دين. وأضافت أن هناك طبيعة خاصة يفرضها الإسلام للإنسان, وحدد القرآن الكريم معالمها, ومن هذه الطبيعة يستمد الإنسان حقوقه, فلا يصح أن يضطهد أو يظلم أو تسلب حريته أو يفرق بينه وبين أخيه علي أساس العرق أو اللون أو النوع أو أي اعتبار آخر. يهودي ينصفه القرآن! واستكمالا لهذا المبدأ يشير الدكتور أحمد عبدالرحمن أستاذ الفلسفة الإسلامية إلي أن التعايش مع أهل الكتاب دون ظلم أو تمييز المسلمين عليهم, من الأمور التي عني بها الإسلام وأوضحتها آيات القرآن الكريم, فالعدل هو الغاية التي بعث الله عز وجل بها رسله ومعهم رسالاته, بقصد إقامته بين الناس جميعا علي الأرض فقال سبحانه لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط, والقسط هنا هو العدل, فكل رسالات الله تعالي نصت علي وجوب إقامة العدل بين الناس ومنع الظلم وردع الظالمين. والعدل في الإسلام حق لكل مسلم( صالح أو فاسد, تقي أو فاجر), وحق أيضا كل ذمي يعيش بين المسلمين.. والقاضي المسلم لا يسأل المدعين أو المدعي عليهم عن دينهم, لأن الإسلام يريد أن يقوم الناس جميعا بالقسط, لا المسلمون وحدهم. وقد ورد في عهد النبي صلي الله عليه وسلم أن رجلا من الأنصار يدعي طعمة بن أبيرق سرق أشياء من أحد البيوت كانت موضوعة في كيس فيه بعض بقايا الدقيق, وكان في الكيس خرق, فتسرب منه الدقيق, ولم ينتبه اللص لذلك بسبب الظلام الدامس.. وفي الصباح تتبع مالك المسروقات خط الدقيق حتي انتهي إلي بيت طعمة, وكان طعمة قد قذف بالكيس في بيت جاره اليهودي زيد بن السمير, ليلتبس الأمر علي النبي صلي الله عليه وسلم ويقطع يد اليهودي, ويفلت اللص الحقيقي من العقاب, وهنا أنزل الله عز وجل جبريل عليه السلام بتسع آيات قرآنية تبين الحقيقة وتبريء اليهودي فقال سبحانه إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولاتجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لايحب من كان خوانا أثيما.. إلي أن قال سبحانه ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا. ولعل ذلك يجسد قمة المثل الأعلي الإسلامي للعدل مع غير المسلمين. وفضلا عن هذا العدل مع غير المسلمين, فإن الإسلام أباح للمسلم أن يبر أهل الكتاب المسالمين, فقال تعالي لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم, ومعلوم أن البر أعلي وأسمي من العدل, لأن العدل أخذ وعطاء, كما يحدث في البيع والشراء مثلا, أما البر فهو عطاء بلا مقابل. احترام مشاعر الآخرين ولتعزبز مبدأ التعايش السلمي بين المسلمين والأقباط, يطالب الدكتور محمد أبو زيد الفقي أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر الائمة والدعاة والعاملين بالحقل بالإعلامي بالعمل علي إلغاء الحاجز النفسي بين الطرفين والبعد عن مواطن الخلاف العقدي وعدم التطرق لما يثير النفوس ويشحنها سلبا, خاصة من قبل وسائل الإعلام... فماذا يفيد المسلمين أن يردد البعض أن التوراة محرفة أو الأنجيل محرف؟! وماذا يفيد النصاري أن يقولوا بتحريف القرآن مثلا؟! أو حتي مجرد تعرض كل فريق لنصوص الآخر الدينية سعيا للأخذ عليه والنيل منه؟! فهذه أمور مكانها قاعات الدرس والعلم, ولاينبغي أن تطرح علي الملأ في اللقاءات والمنتديات العامة وتتداولها وسائل الإعلام. ويوضح د. الفقي إن هذا لايعني أن يكف كل فريق عن التعريف بدينه والذود عنه, فلا مانع من أن يتحدث الجميع عن مزايا دينه ومحاسنه ومكارم الأخلاق التي جاء بها, ولكن دون القدح في الآخر أو محاولة النيل منه... مشيرا إلي أن أهم وأعظم دعاية للدين هي احترام دين الآخر أولا, وكذلك احترام مشاعر المتدينين بهذا الدين, وهذا أمر مهم للجانبين المسلم والمسيحي علي السواء, حتي وإن كنت تهدف إلي دعوة الاخر إلي الدخول في دينك, فهذا لن يتحقق إلا إذا احترمت دينه أولا, وكنت حسن المعاملة معه وفق تعاليم دينك. وأضاف: يجب أن يتنبه المسلمون والمسيحيون في مصر إلي خطورة مايدبر لهم ويحاك ضدهم من قبل أعدائنا في الخارج الذين يخططون لتفكيك الوطن العربي كله إلي كيانات صغيرة بعد ما أيقنوا أن السلاح النووي وحده لم يعد قادرا علي تحقيق ذلك الهدف, وبإحداث الفرقة والفتنة يسهل تمزيق كبري البلدان وتفتيتها ومن ثم التدخل في شئونها ونهب خيراتها, وساعتها سيخسر الجميع مسلمين ومسيحيين. ومايحدث ونراه اليوم ببعض البلدان العربية خير شاهد علي ذلك. ويدعو د. الفقي أبناء الوطن كافة إلي استعادة الماضي الجميل بما يحمله من ذكريات ومواقف نبيلة لم تفرق يوما بين مسلم ومسيحي. ويطالب بميثاق شرف حقيقي للإعلام بعدم إثارة القضايا الخلافية والمتاجرة بها علي حساب مستقبلنا وأولادنا, وأن يركز الجميع علي إعلاء الحالة المصرية وبيان كيف أن المصريين عاشوا قرونا طويلة لا تستطيع أن تعرف فيها المسلم من المسيحي. كما يجب في الوقت نفسه علي المؤسسات الدينية أن تكثف من المحاضرات والندوات للأئمة والدعاة, لتبصيرهم بخطورة الموقف, والتركيز عي سبل ومقومات التعايش السلمي, وتفنيد النصوص الدينية التي تملأ عقول الشباب ويتم استغلالها( خطأ) في إثارة الفتن والأحقاد تجاه شركائهم في الوطن. المسلمون دعاة وليسوا قضاة! الأمر نفسه يؤكده الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة مطالبا بتصحيح المفاهيم الخاطئة حول بعض النصوص الإسلامية التي يساء فهمها أو تؤخذ علي غير محملها, مثل مصطلح الإرهاب وموقف القرآن منه, والفرق بينه وبين المقاومة أو الجهاد المشروع, لاسيما أن هناك خلطا كبيرا بين المفهومين. وشدد علي ضرورة فهم النصوص الشرعية فهما جيدا ومراعاة مناسبتها وعدم اجتزائها من مضامينها مثل قول النبي صلي الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله... مبينا أن هذا النص إن أخذ علي ظاهره أفاد الاعتداء المطلق علي غير المسلمين في حين أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقصد بهذا الحديث قريشا علي وجه الخصوص وليس سائر الناس. وأضاف أن الإسلام جاء ليشيع الأمن والعدل في الدنيا كلها ولايعرف الظلم أو الإرهاب... لذلك كانت مهمة المسلمين هي الدعوة إلي الله وأن يعرضوا الدين بالحسني, وبالقيم التي جاء بها الإسلام, وليس عليهم أن يحملوا الناس علي الإسلام عنوة, وكيف ذلك والله سبحانه وتعالي يقول لا إكراه في الدين.. فالمسلمون دعاة وليسوا قضاة أو محاربين لإكراه الناس علي الإسلام, لأن مهمتنا هي التذكير وليس السيطرة, فقال تعالي فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر. علينا فقط عرض الدين والدعوة إليه, ومن يقبل الإسلام مرحبا به أخا لنا في الدين, ومن لم يقبله فمرحبا به أيضا أخا لنا في الإنسانية. وأوضح أن الجهاد الذي إجازة الإسلام هو لرد الظلم والعدوان فقط دون زيادة, قال تعالي وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا... فنحن أمرنا بقتال المقاتلين المعتدين فقط. نتيجة عدوانهم وليس لمجرد اختلافهم معنا في العقيدة, فنحن نقاتل المعتدين حتي إن كانوا مسلمين لقوله تعالي وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله... أما المسالمون من أهل الكتاب وغيرهم الذين لا يعتدون علينا فالإسلام لايمنع التعايش معهم والبر بهم والإحسان إليهم أيضا, فقال تعالي لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم... واختتم وكيل وزارة الأوقاف مؤكدا أنه إذا فهم أتباع الديانات السماوية دينهم فهما صحيحا لعاش الجميع في وطن واحد ينعمون بالمحبة والسلام. سمات التعايش وتشير الدكتورة سعاد صالح إلي مجموعة من المباديء والأسس كملامح واضحة للتعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين, أولها أن الإسلام وقف موقفا متسامحا من الأديان الأخري, وقرر القواعد التي علي أساسها يعامل غير المسلمين في ديار الإسلام, وقد شملت كثير من النصوص القرآنية روح التسامح والعفو التي يجب أن تسود, فقال تعالي فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين... ومن يقرأ تاريخ الأربعة عشر قرنا الماضية يخرج بحقيقة مهمة وهي أنه ماحكم المسلمون بلدا إلا وأبقوا علي مافيه من أديان وملل, انطلاقا من اعتزاز الإسلام بالأنسان كمخلوق مهما كان اعتقاده ولونه وجنسه, بالإضافة إلي اعتقاد المسلمين بشرعية أصحاب الديانات الأخري الذين اعتبرهم القرآن أهل كتاب لهم مكانتهم في المجتمع الإسلامي.. فهذا الوصف تكريم لهم, لأنه يميزهم عن غيرهم من المشركين والوثنيين الذين لا كتاب لهم. وتظهر عظمة التسامح في الإسلام من خلال مواقفه الكريمة مع غير المسلمين في عهود الأمان التي أعطيت لهم, فكانوا يقيمون في بلادهم بناء علي هذه العهود تحت مظلة الإسلام دون إكراه أو إجبار, وكانت القاعدة الذهبية في التعامل معهم لهم ما لنا وعليهم ما علينا.. وكان عهد الأمان الأول الذي عقده النبي صلي الله عليه وسلم لأهل نجران هو المثال الذي عقدت علي منواله عقود الأمان اللاحقة, فقد نص علي أن لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله علي أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم, وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير, ولا يغير أسقف ولا راهب من رهبانيته, ولا كاهن من كهانته, وليس عليهم دية ولا دم جاهلية, ولا يخسرون ولا يعثرون, ولا يطأ أرضهم جيش, ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين, ومن أكل ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة, ولا يؤخذ رجل منهم بظلم آخر. ومن ملامح التعايش المنشود أنه لا يجوز إكراه أحد علي الدخول في الإسلام فقال تعالي لا إكراه في الدين.. كما حرم الإسلام الاعتداء علي أنفسهم, فقال النبي صلي الله عليه وسلم: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, بل وأوجب الإسلام الدفاع عنهم ضد كل من يعتدي عليهم, حتي ولو كان المعتدي مسلما.. كما حرم الاعتداء علي أعراضهم وأموالهم بغير حق.. ومن أموالهم التي لا يجوز الاعتداء عليها ما يكون في حوزتهم من خمر أو خنزير رغم أن الخمر والخنزير محرمة علي المسلمين, ورغم ذلك إذا حدث اعتداء عليها من مسلم فعليه الضمان.. وقد أباح الإسلام الحرب للدفاع عن أماكن العبادة الخاصة بغير المسلمين فقال تعالي ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله. ومن صور التعايش أيضا أنه يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية التي لقومها في دينهم كتاب سماوي( اليهود والنصاري), وفي هذه الحالة لا يجوز للزوج المسلم أن يمنع زوجته الكتابية من أداء عبادتها وشعائرها, بل إن بعض المذاهب الفقهية تري أنه ينبغي أن يصحبها إلي حيث تؤدي هذه العبادات إذا رغبت في ذلك. وأجاز الإسلام أيضا الأكل من ذبائح أهل الكتاب لقوله تعالي اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم. كما يجوز زيارتهم وعيادتهم إذا مرضوا, فقد روي أن النبي صلي الله عليه وسلم أتي غلاما من اليهود وكان مريضا يعوده, فقعد عند رأسه وقال النبي صلي الله عليه وسلم للغلام: أسلم.. فنظر الغلام إلي أبيه, فقال له أبوه: أطع أبا القاسم.. فأسلم الغلام.. فقام النبي صلي الله عليه وسلم وقال: الحمد لله الذي أنقذه من النار. الإسلام يبرأ من تقصير أتباعه ورغم سماحة الإسلام وعظمة منهجه في التعامل مع الآخر, والتي أوردنا بعضا منها في السطور السابقة, إلا أن الأمر لا يخلو أحيانا من وجود مخالفين لهذا المنهج من بعض أتباعه والمنتسبين إليه الذين لا يحسنون فهمه وتطبيقه. تعقيبا علي ذلك يوضح الدكتور حامد أبو طالب عضو مجمع البحوث الإسلامية, عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق أن الإسلام بمنهجه وتعاليمه واضح لا غموض فيه, ومن أراد أن يتعرف عليه فليتأمل مصادره المعتبرة الأصلية, ولينظر حقيقة ما جاء به كدين سماوي خاتم.. أما أن نحكم علي الإسلام من خلال تصرفات بعض المخالفين والمقصرين فذلك قياس باطل وظلم كبير للإسلام. فمثلا نجد أن الإسلام قاوم كل اتجاه ينزع إلي التشدد والتعصب والغلو, ومع هذا قد يظهر شئ من ذلك في سلوكيات بعض المنتسبين إليه, هل يعبر ذلك عن جوهر الإسلام؟ بالطبع لا.. لا من قريب ولا من بعيد. فالإسلام كنظام إلهي جاء ليضبط العالم بتشريعاته, ومع ذلك قد يفرط البعض ويضيع, فتلك سنة الله في خلقه, أن يكون بين خلقه الصالح والطالح, وغير المؤمن, من أجل ذلك نجد أن الله عزوجل بعد أن أرسل الرسل, واكتملت الرسالات شرع العقوبات والجزاءات في الدنيا, وكذا في الآخرة, التي تطبق علي المخالفين والمقصرين, فكان الثواب والعقاب, وكانت الجنة والنار. ويدعو د. أبو طالب العقلاء والمنصفين إلي التعرف علي الإسلام من خلال قواعده وأحكامه ومنهجه, وأن ينظروا إلي المسلمين الحقيقيين الذين يطبقون هذه الأحكام تطبيقا صحيحا, ويسلكون سلوكا إسلاميا معتدلا.. فالإسلام جاء بجميع الأحكام التي تنظم كافة العلاقات وترقق أخلاق الناس وتهذب سلوكهم وتحرم الاعتداء علي الآخرين المسالمين.. ومن يخالف ذلك فهو بعيد عن منهج الإسلام, والإسلام من تفريطه براء.. لذا فمن الظلم البين أن يتم الحكم علي الإسلام من خلال أتباعه المقصرين, لأن شريعة الإسلام أرادها الله أن تكون حاكمة للعباد, وليست محكومة بسلوكهم وتصرفاتهم. لذا فيجب أن نفرق بين أمرين هما: الدين و التدين.. فالدين واحد وثابت لا يتغير ولا يتبدل مع تعاقب الأزمان والأجيال, أما التدين فإنه متفاوت لاختلاف الناس وقد يكون منقوصا أو خاطئا لدي البعض, لكن ذلك لا يشوب الدين في شئ, لأن الدين هو الحجة علي العباد, ولن يكون العباد أو تصرفاتهم حجة علي الدين أبدا.