* أغلقت القنوات الخاصة المصرية شاشاتها الكثيرة أمام نجوم الموسيقي والغناء من كل الأجيال وكل الأعمار ففتحتها دار الأوبرا المصرية التابعة لوزارة الثقافة في "القلعة" وفي "المسرح الروماني" بالإسكندرية. وفي فروع دار الأوبرا بالإسكندرية والبحيرة.. ومساء السبت الماضي كان ختام المهرجان المفتوح لنجوم الموسيقي والغناء المصريين الكبار من عينة مدحت صالح ومحمد الحلو وعلي الحجار وغيرهم. وأيضاً لنجوم جدد. سواء فرق شبابية أو فرق فنية عربية جاءت لتقدم فنها لجمهور كبير عريض متذوق ومحب لفن الغناء وفي التحقيق السريع الذي عرضه برنامج "صباح الخير يا مصر" صباح الثلاثاء الماضي عن نهاية مهرجان القلعة قال عدد من السميعة الشباب والكبار انهم يبحثون عن الغناء الجميل وليس الفرقعات. وأن تذاكر المهرجان تلائمهم وأيضاً المكان الرائع.. وبالطبع تترجم هذه الجمل القليلة الكثير. فإذا كان هناك من يذهبون لحفلات نجوم الغناء بالساحل الشمالي ويدفعون الكثير لسماع نجمهم المفضل. ومن يذهبون إلي "مول" جديد لرؤية طائر البطريق ويدفعون الكثير أيضاً. ثم من يذهبون إلي دار الأوبرا المصرية العريقة ويدفعون مع الالتزام بالملابس الرسمية فإن هناك جمهوراً أكبر يحتاج للفن وليس لديه الكثير من النقود للدفع ولقد جاء مهرجان القلعة ليحل هذه المعضلة. وليؤكد لمحبي الفن أن الغناء لم يصبح كله قطاعاً خاصاً لمن يدفع. وأنه بمقدور عاشق الغناء دفع عشرة جنيهات ليشارك في حفل كهذا.. لكن.. لماذا يقتصر وصول فن الغناء الجميل لجمهور القاهرة أولاً ثم الإسكندرية ودمنهور؟ ولماذا لا تضع وزارة الثقافة خططها لتتجول فرق الموسيقي والغناء التابعة لها في كل محافظات مصر طوال العام؟ ولماذا بدلاً من "العراك" حول تبعية قصور الثقافة لوزارتها أو لوزارة الحكم المحلي أن تتعاون الوزارتان في إصلاح كافة القصور والبيوت المتهالكة لتصبح أماكن للفن والثقافة أو البحث عن أماكن جديدة لائقة؟ لقد ثبت لنا بعد سنوات من "انفجار" البث الفضائي. وصعود منظومة القنوات الخاصة لتصبح في المقدمة مع زيادة مشكلات التليفزيون المصري العام. ثبت أن أمر الثقافة لا يهم القنوات الخاصة وإنما يعنيها مسألة النجومية. وبدلاً من تخصيص برامج ثابتة للغناء ينتظرها المشاهد مثلما كان ينتظر برنامج "الموسيقي العربية" الذي كانت تقدمه د.رتيبة الحفني علي شاشة الأولي أو برنامج لنجوم الأوبرا أو برنامج مخصص للموسيقي فإن المشاهد الآن لا يجد إلا "شيري ستديو" أو حوار الجمعة الطويل الذي يجريه عمرو أديب مع واحد من نجوم الغناء في قاعة مستطيلة يتحول الغناء فيها لجزء مكمل من الحوار وبالطبع تصبح رغبات نجوم التقديم في استضافة نجوم الغناء أوامر!.. لكن بعيداً عن هذا لا تصبح لرغبات المشاهد نفسه أهمية أو قيمة! إنها صيغة لا تجعل للثقافة والفن أي ضرورة إلا في وجود النجم وعلي ملايين البشر تقبلها غصباً عنهم لأنه لا بديل. وهنا نذكر أنفسنا بأننا كنا نري أيضاً في الزمان القريب. برامج تناقش السينما وأفلامها المهمة. وتناقش الأدب والأدباء "الأمسية الثقافية" و"فن الباليه" وفن "المسرح".. وياليت أحداً من المسئولين عن الشبكات والقنوات الخاصة في مصر يجيبنا عن أسباب العداء بينهم وبين الثقافة والفنون ولماذا تحولت البرامج عندهم إلي وجهات نظر للنجوم في غيرهم.. وهو ما نراه مثلاً في حوارات شيرين عبدالوهاب مع ضيوفها واختياراتها.. وقبلها حوارات فيفي عبده مع نجوم الغناء علي قنوات متعددة قدمت فيها برامج فنية.. هل علينا كجمهور محب للفن ومتذوق للثقافة وينتمي لبلد له تاريخ عريض ومبدعون ومبدعات ملأوا الدنيا بأعمالهم أن ننحي كل هذا لنري ما تقدمه لنا قنواتنا الخاصة؟ ولماذا لا يستعيد التليفزيون المصري أمجاده بالتدريج في إطار "الهيئة الوطنية للإعلام" الجديدة التي يرأسها الأستاذ حسين زين والذي يدرك جيداً احتياج الجمهور إلي الفن والثقافة بقدر احتياجه إلي البرامج السياسية والبرامج التي تعمل علي حماية الدولة المصرية من التفتيت ضد حروب الجيل الرابع ومساندة قوات الجيش والشرطة في حربها ضد الإرهاب كما قال في حوار أخير مع جريدة "المصري اليوم" وهو حوار مهم وطويل ولكنه لم يذكر فيه كلمة واحدة عن أي خطط ثقافية في الخطط الجديدة. أو عن دخول الثقافة المصرية. والفن. في هذه الخطط. مع أنه يعلم جيداً أن برامج الغناء والموسيقي من أهم البرامج التي تجمع المصريين وتشعل حماسهم الإنساني والوطني. ويعلم جيداً مدي نجاح حفلات الأوبرا التي تعرض علي شاشات التليفزيون في جذب ملايين المشاهدين في البيوت. ويعلم جيداً أن المشاهد في حالة زهق من كثير من البرامج المعتادة ويحتاج إلي جرعة ترفيه راقية تملأ وجدانه وتضبط روحه في مواجهة الكثير من الجرعات التليفزيونية غير الجيدة.. وإذا كانت الهيئة الوطنية للإعلام الآن تعمل علي النظر في الخريطة لتلغي قنوات أو برامج غير ضرورية كما أعلن رئيس الهيئة. فإن عليها أن تؤكد علي أهمية قناة مخصصة لكل أنواع الثقافة المصرية. خاصة ثقافة الغناء والموسيقي والتي تلائم ملايين من المصريين الذين يعلقون آمالاً عريضة علي كل من يهتم بهم ولا يضايقهم ببضاعة إجبارية مع الغناء. سواء حوارات. أو إعلانات. أو حتي قطعات غير محسوبة.. وأخيراً فإن تعاون الهيئة مع الأوبرا هو أمر ضروري الآن لأجل ملايين المشاهدين.