القديرة رتيبة الحفنى، صاحبة أكبر إنجاز فنى وثقافى مصرى أمدت الفن المصرى بالعديد من الإنجازات على مر عمرها، اسمها يعد كنزا ثقافيا، أعوام من العطاء والثراء حفرت فيها اسمها بحروف من نور فى تاريخ الفن والثقافة المصرية وكما قال عنها الإعلامى القدير «وجدى الحكيم» هى الحصن الحصين للغناء العربى ومن واجهت تيارات عاتية من الغناء الصاخب الشبابى وحافظت على التراث الغنائى المصرى كما ساهمت فى بزوغ نجم العديد من مطربى الغناء المصرى والعربى فقدناها وفقدها محبو فنها ولن تكفى السطور القادمة من رثاء محبيها ومن عملوا معها وعاصروها. تقول الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا المصرية عن الدكتورة رتيبة يكفى إنها أول رئيس لدار الأوبرا المصرية فتاريخها مشرف ويشهد لها على حياة مهنية تعكس حالة من الإبداعوالتميز، وهى من أسست معهد الموسيقى العربية وفرقة أم كلثوم، ولعل شغفها هذا يرجع بعد موهبتها إلى تأثرها بأسرتها وتربيتها ووالدها، بالإضافة إلى أنها مطربة أوبرا متميزة جداً وحتى وقت قريب كانت مستمرة فى الغناء الأوبرالى، إلا أنها وهبت حياتها كلها للموسيقى العربية وإثرائها وحماية تراثها فى مصر والعالم العربى كافة، وأنجزت إنجازاً ليس له مثيل وهو الحفاظ على تراث وهوية الأغنية، ويرجع الفضل لها فى استمرار مهرجان الموسيقى العربية.
كما أنها كانت سبباً فى شهرة العديد من نجوم مصر والعالم العربى وكانت لها رؤيتها ونظرتها. واستفاد جميع من عمل معها من خبرتها ورؤيتها العميقة، كما أنها كانت رئيس المجمع العربى للموسيقى ولها دور فى محيط المنطقة العربية بأسرها، والدورة القادمة من مهرجان الموسيقى العربية ستهدى لروحها لأنها صاحبة الفضل الأكبر عليه، ونعمل على تنظيم حفل تأبينكبير لها.
وتكمل إيناس: كانت إنسانة عظيمة طوال عمرها، وأنا أعرفها منذ كنت طفلة فأنا كنت صديقة ابنتها، وكان مشوار حياة معها، ومثل أعلى وكان لديها عزيمة وإصرار وشخصية قوية وفنانة عظيمة تقدر أى قيمة فنية، وعندما توليت منصب رئيس الأوبرا كانت سعيدة بى جداً وقالت لى ستحققين نجاحاً كبيراً جداً، كانت قوية ولا تهاب شيئاً ومتفائلة إلى أقصى حد حتى مع المحنة الأخيرة الخاصة بدار الأوبرا، إلا أنها شعرت ببعض الضيق مع اشتداد المحنة وما كنا مقبلين عليه، ولكن أنا كنت على اتصال بها طوال الوقت وكانت تشجعنى على الصمود، والحمد لله إن الله مد فى عمرها وشافت الفن بيتحرر ومصر بترجع لينا.
الإعلامى الكبير ورفيق الدرب «وجدى الحكيم» بمنتهى التأثر تحدث إلىَّ وقال: رتيبة دخلت الوسط الموسيقى منذ نشأتها ،فوالدها «محمود الحفنى» أستاذ فى الموسيقى، وأمها ألمانية ودرست الغناء فى ألمانيا وغنت فى أوبريت «الأرملة الطروب» وجاءت مصر واهتموا بموهبتها وكانت عاشقة للغناء الشرقى من رأسها حتى أخمص قدميها وحاولت بكل الطرق أن تفسح المجالات لأى موهبة، وأنا فى رأيي الخاص أنه لولا رتيبة الحفنى ما كانت دار الأوبرا ومهرجان الموسيقى العربية، فرتيبة أراها راهبة فى محراب الغناء الشرقى والدفاع عنه بكل الطرق والمعهد الذى أنشأت من خلاله فرقة أم كلثوم لولاها لما كان، وفى عهدها أصبحت الأوبرا كيانا آخر وأصبحت قبلة لكل الناس وواجهت الفن الصاخب والشبابى وكانت رتيبة الحصن الحصين، على يدها سطع نجوم كبار وكانت تتحمس لأى موهبة حقيقية أصبحوا نجومًا فى الغناء فى الوطن العربى، كانت حريصة أن تمتد الأوبرا وألا تصبح حدودها القاهرة فقط وأن ينتمى مسرح الجمهورية للأوبرا وأن يتم إنشاء أوبرا الإسكندرية ودمنهور، وكان حلمها أن تكون فى كل محافظة دار للأوبرا.
ويضيف الحكيم: مهرجان الموسيقىالعربية لم يكن مردوده فنيا فقط بل اقتصادى أيضا وأثر على المواسم السياحية فى مصر، فكان يأتى لمصر من العالم العربى أفواج سياحية فقط لحضور فعاليات مهرجان الموسيقى العربية وكانت تطالب ببرنامج المهرجان، كل هذه إنجازات رتيبة الحفنى وفى المقابل كان الفن هو كل حياتها ولم يشغل حياتها أى شىء حيزا أكبر من حيز الفن والعمل حتى بناتها لم تكن تجلس معهن قليلا، ومن اللفتات الرائعة فى شخصيتها اعتزازها بوالدها وإنشاؤها لمركز الحفنى لاكتشاف المواهب.. والفقيدة كانت سفيرة للغناء الراقى.
الملحن الكبير «محمد سلطان» يقول : رتيبة فى الأساس كانت مطربة أوبرا فى البداية وهى فنانة درست ما تقدمه ومثقفة وأنا على المستوى الشخصى اختلطت بها وشاركنا معا فى لجان استماع فى الأوبرا ومؤتمرات ومهرجانات، وهى فنانة مثقفة تحب مصر جدا وليس بداخلها شىء سوى الحب وعلاقتها جميلة بكل من حولها وليس لديها أعداء ودمثة الخلق وراقية.. ووفاتها تعتبر خسارة كبيرة لمجال الأوبرا والتراث الفنى والثقافى، دار الأوبرا فى عهدها شهدت ازدهارا كبيرا وفى مهرجان الموسيقى العربية وكانت تحتضن المواهب ولا تبخل عليها بأى فرصة والأصوات الجميلة الموهوبة، وكان حلمها أن ترى الأوبرا المصرية فى أحسن حال وأن تكون مرآة للغناء الأوبرالى المصرى، فالأوبرا ركن من أركان الفن المصرى وهى كانت داعمة لكل أوجه الفن الراقى، وأنا لم أكن أتخيل الأوبرا بدون رتيبة الحفنى. فى عهدها الأوبرا كانت فى أحضان متخصص ويفهم الفن الأصيل وكذلك استمر على نهجها «عبدالمنعم كامل» وأكملت المسيرة الدكتورة إيناس عبدالدايم».
رتيبة أحبت فنها وأحبت مصر جدا لذلك فهى مكانتها كبيرة فى قلبى لحبها الشديد لمصر. مصر أم الدنيا التى ستظل شامخة وقوية فى كل المجالات وخاصة الفن.
أما «جيهان مرسى» المخرجة ورئيسة الإدارة المركزية للموسيقى الشرقية فتقول : الدكتورة رتيبة علم من أعلام الموسيقى العربية وإذا ذكر اسم الموسيقى العربية يذكر اسم رتيبة الحفناوى فهى أول عميد لمعهد الموسيقى العربية وهى فى الأساس مغنية أوبرا عالمية ومن أجمل الأصوات، قدمت أوبرا عالمية فى مصر وخارجها ولكن بعد توليها منصب عميد المعهد بدأت رحلتها ومشوارها فى تخريج أجيال ومنها (محمد الحلو، سوزان عطية، كاظم الساهر، آمال ماهر، لطفى بوشناق) وغيرهم من أجيال مختلفة ومن مصر والعالم العربى كلهم أخذوا فرصتهم فى مصر وأصبحوا نجوما من خلال المهرجان، وشرفت مصر وكانت موسوعة فى الموسيقى العربية ومهرجان الموسيقى العربية اتولد على يديها وعلى مر سنواته ال 22 كانت أمين عام المهرجان.. رتيبة الحفنى بالنسبة لى الأستاذة والزميلة والصديقة والأم وأنا تعاملت معها كمغنية أوبرا وكمخرجة وأخرجت أوبرات كثيرة غنت هى فيها وكانت نموذجا للفنانالمحترم وكانت تتقبل أى ملحوظة رغم صغر سنى باعتبارى المخرجة للعمل.
وأذكر لكى إحدى المواقف التى تدلل على تفانيها فأذكر مثلا عندما علمت الدكتورة رتيبة منذ عامين وكنا نعمل على مهرجان الموسيقى العربية، وصل لها خبر وفاة أختها الدكتورة أنيسة لم تترك مكانها وأكملت عملها حتى انتهت الحفلة وسلمت نشرة مجلة المهرجان، ذهبت وحضرت مراسم دفن أختها وكانت قوية جدا، فهى ظاهرة فنية لن تتكرر.
ويقول «محمد حسنى» مدير المركز الإعلامى لدار الأوبرا: دكتورة رتيبة رحمة الله عليها، تاريخ كبير وطويل وساهمت بعملها كرئيسة لدار الاوبرا على المحافظة على التراث المصرى.
بالإضافة إلى إنشائها مجموعة الحفنى التى شاركت فى محافل دولية كبيرة.. برنامجها «الموسيقى العربية» على شاشة التلفزيون المصرى كان بمثابة كنز وأدعو إدارة التليفزيون المصرى لإعادة حلقات هذا البرنامج مرة أخرى فهو كان لديه دور كبير فى تثقيف المشاهد المصرى بإعطائه نبذة عن الموسيقى والشعر والآلات الموسيقية ولهذا يجب على التليفزيون المصرى أن يستغل هذا التراث.
إحدى اللفتات التى تشير بقوة إلى ملامح شخصية رتيبة الحفنى، فى آخر مهرجان حضرته للموسيقى العربية، وفى حفل الافتتاح طلبت منها أن تلقى كلمة تفتتح بها المهرجان فقالت لى (أنا خايفة أدوخ واقع) قلت لها دقيقة واحدة وقولى «بسم الله نفتتح المهرجان»، وافقت وطلبت منى أن أحضر لها كرسيا على المسرح لكى تجلس عليه لو داخت، لن تتخيلى أنها بعد أن خافت من الوقوف دقيقتين وقفت لمدة 62 دقيقة تحيى الجمهور وتتحدث عن المهرجان وأهميته ودور الموسيقى، طوال الوقت كان لديها شعور أن ما دار فى مصر طوال العامين الماضيين ومحاولات تهميش دار الأوبرا وأعمالها الفنية مجرد زوبعة فى فنجال وقالت لى إن الشعب المصرى ذوقه راق وبالحرف قالت لى (شعب بيتغدى كورة ويتعشى أم كلثوم) استحالة يقبل أن حد يلغى هويته وتذوقه للفن والثقافة.