لم تكن الدكتورة رتيبة الحفنى مجرد فنانة عادية، بدأت علاقتها بالفن كمغنية أوبرا وحققت فى هذا الفن ما لم تحققه اى فنانة عربية فى هذا المجال سواء فى جيلها أو الأجيال التى جاءت بعدها وكما أعطت رتيبة الحفنى أسطورة الغناء الأوبرالى هذا الفن الغربى مساحة كبيرة من موهبتها أعطت للموسيقى العربية عمرها كله حتى قبل أن تعتزل الغناء الأوبرالى، منذ أن أصبحت أول عميدة لمعهد الموسيقى العربية حيث تخرج من تحت يدها أبرز نجوم الغناء منهم محمد الحلو وسوزان عطية وأحمد إبراهيم، وتوفيق فريد، وإجلال المنيلاوى، محمد مطاوع، أمير عبدالمجيد وياسر عبدالرحمن وعازف التيشللو عماد عاشور وعماد عبدالحليم ورياض الهمشرى، وعمرو دياب قبل ان يترك المعهد وأنغام وعلى حميدة، وعازف الإيقاع هشام العربى، ومحمد عبدالمنعم ومن الوطن العربى، عبدالرب ادريس من السعودية، وإبراهيم حبيب من البحرين وأحمد الجميرى، وعبدالله بالخير من الإمارات. الدكتورة رتيبة الحفنى كما ساهمت فى ظهور أسماء وأسماء فى عالم الموسيقى والغناء كانت لها اسهمات أخرى أبرزها تأسيس فرقة المعهد العالى للموسيقى العربية قيادة شعبان أبوالسعد ثم حسين جنيد واطلقت على الفرقة اسم السيدة أم كلثوم بعد رحيلها حتى الآن، كما اسست مهرجان الموسيقى العربية بدار الأوبرا وكان هدفها من أقامته شىء واحد فقط هو الحفاظ على هويتنا الغنائية العربية والحفاظ على تراثنا الغنائى من الاندثار بعد الهجمة الشرسة التى تعرض لها الغناء العربى من أنصاف المواهب منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضى وساهم هذا المهرجان فى تقديم عشرات الأسماء من المطربين على المستوى العربى والمحلى ابرزهم من تونس صابر الرباعى ولطفى بوشناق وذكرى وحمد الجبالى ومن المغرب حياة الإدريسى وفؤاد زبادى ومن سوريا صفوان بهلوان وصباح فخرى وإيمان باقى، كما تولت منصب أمين عام المجمع العلمى التابع لجامعة الدول العربية حتى رحيلها، ولا توجد دولة عربية إلا وتجد بها تلميذ أو تلميذة لها، مناصب كثيرة تولتها هذه السيدة الحديدية، والتى كانت تسعد كثيرا بلقب الجنرال والتى كان لى شرف إطلاقه عليها وكلما كانت ترانى كانت تداعبنى به، وإطلاق هذا اللقب عليها لم يأت من فراغ، فهى عرفت بجديتها فى العمل والجلوس لساعات طويلة فى مكتبها لكى تعمل، وأنا شخصيا كنت أشفق عليها من قدرتها على العمل لساعات طويلة ولم تكن تكتفى بساعات العمل فى مكتبها لكنها كانت تذهب لمنزلها لتواصل العمل على جهاز الكمبيوتر الخاص بها وكانت تطلق عليه «البوى فريند» أو صديقى بالعربية وفى البداية اندهشت من هذه الكلمة الى أن أوضحتها لى فيما بعد. الدكتورة رتيبة الحفنى كانت تعمل 20 ساعة يومياً فى الوقت الذى كان الشباب فى العشرينات لا يستطيع الصمود فى العمل لأكثر من أربع أو خمس ساعات. هذه هى رتيبة الحفنى، كانت لديها قدرة كبيرة على متابعة أكثر من عمل فى نفس الوقت، ففى الوقت الذى كنت أعمل معها كمدير تحرير مجلة مهرجان الموسيقى العربية لسنوات كانت تحرص على مراجعة المادة الصحفية كلمة كلمة وفى كثير من الأحيان كانت تكتشف أخطاء مرت على وعلى باقى فريق العمل، كل هذا الى جانب متابعتها لباقى أمور المهرجان من مشاكل كثيرة كانت تشركنى معها فى حلها وكان أغلبها يتعلق باعتذار الفنانين فى اللحظات الأخيرة أو مطالب تتعلق باصطحاب فرقهم الخاصة للمشاركة فى فعاليات المهرجان وهو امر كانت ترفضه تماماً الى جانب مشاكل أخرى مثل ترتيب الحفلات فأغلب المطربين كانوا يطالبون بالغناء فى الختام وكأن المهرجان هو الختام فقط. هذه هى رتيبة الحفنى السيدة الفولاذية وليست فقط الحديدية، قدرة على تحمل دلع المطربين والموسيقيين وقدرة على مواجهة مشاكل إدارية كانت تقاتل من أجل اخراج المهرجان حتى فى العام الماضى العام الذى كان الإخوان قد احتلوا مصر، وكان هناك احتمال لعدم إقامة المهرجان، التقت بالوزير محمد صابر عرب وطلبت دعمه حتى يخرج المهرجان للنور وخرج المهرجان بالشكل الذى يليق باسم مصر رغم كل المشاكل، واستطاعت ان تصل بهذا المهرجان حتى محطته الاخيرة بالنسبة لها فى نوفمبر 2012، هذه السيدة تستحق ان يصنع لها تمثال فى الأوبرا لما قدمته لهذا الفن العربى خاصة لدار الأوبرا المصرية. أيقنت سر النجاحات التى حققتها هذه السيدة الفولاذية فى جلسة معها.. سألتها لماذا يا دكتورة رتيبة لم تتجهى للغناء العربى أو التمثيل رغم إنك كنت تمتلكين الصوت و الجمال وأتصور أن الكثيرين عرضوا عليك هذا، وبالتاكيد ألحوا فى ذلك؟ وكان رد الدكتورة رتيبة على يلخص سر تفوقها... قالت رتيبة الحفنى... العمل الذى لن اكون فيه رقم واحد لا أعمل به..غنيت اوبرا وكنت رقم واحد، وبالتالى لو كنت توجهت للغناء العربى ما استطعت ان اكون رقم واحد فى وجود أم كلثوم ونجاة ووردة وفايزة احمد وأخريات، وفى التمثيل كانت هناك فاتن حمامة ومريم فخر الدين وسعاد حسنى واخريات وبالتالى لن أكون رقم واحد... هذا هو السر فى نجاح وبقاء رتيبة الحفنى فى كل مواقعها التى عملت بها، وهو امر لم أجده إلا عندها فقط فكثيرون من جيلها أو من الاجيال التى اعقبتها يظلون يقاتلون من أجل التواجد وهم يعلمون أن عمرهم الفنى قد انتهى، وبعضهم يلجأ للعمل فى مجالات مرتبطة بالفن كغناء نوع آخر أو التمثيل بسبب شهوة البقاء. هذا هو سر بقاء ونجاح رتيبة الحفنى رحمها الله. فهل من انسان يعى قيمة هذه الرسالة. وحتى الآن أنا لا أعلم لماذا سألتها هذا السؤال. ربما لكى أكتبه بعد رحيلها.