عوامل كثيرة مهدت لها الطريق لتكون من العلامات البارزة فى تاريخ الفن المصرى والعربى، فهى أول مطربة أوبرا مصرية، وأول رئيسة لها، مؤسسة مهرجان الموسيقى العربية ثم أصبحت أول عميد له، لذلك شكّل رحيل الدكتورة رتيبة الحفنى أمس الأول عن عمر يناهز 83 عاماً، صدمة لكل محبى الفن الراقى تنذر بخسارة كبيرة لا يسهل تعويضها. لم يكن غريباً أن تتقن الطفلة ذات الخمسة أعوام العزف على البيانو، نتيجة نشأتها فى أسرة موسيقية، فوالدها محمد الحفنى له أكثر من 45 كتاباً عن الموسيقى، وجدتها لوالدتها ذات الأصل الألمانى كانت مغنية أوبرا، وتعلمت عزف العود على يد محمد القصبحى ودفعها حبها للموسيقى إلى صقل تلك الموهبة بالدراسة الأكاديمية من خلال الالتحاق بالمعهد العالى لمعلمات الموسيقى «كلية التربية الموسيقية حالياً»، لتحصل على الدبلوم عام 1950، بعدها حصلت على دراسات عليا فى الفن الشعبى من جامعة هومبولدت ببرلين، ودبلوم متخصص فى قيادة الكورال وتعليم الغناء الأوبرالى من معهد كراينر للغناء بمدينة لوكسمبورج بألمانيا، كما حصلت على أعلى مؤهل تخصصى فى الغناء الأوبرالى من المدرسة العليا للموسيقى بميونخ عام 1955، ورغم ذلك لم تجرفها دراستها للأوبرا والموسيقى الغربية إلى السقوط فى فخ التغريب، بل اهتمت بالموسيقى العربية على أكثر من مستوى وكان برنامج «مع الموسيقى العربية» الذى قدمته فى التليفزيون المصرى على مدار 22 عاماً أحد أبرز مجهوداتها فى هذا المجال. كانت رتيبة الحفنى تؤمن بضرورة تطوير الدراسة الأكاديمية للموسيقى والغناء فى مصر ومشوارها فى العمل الأكاديمى خير دليل على ذلك، بداية من تعيينها معيدة فى معهد الموسيقى ثم انتدابها للعمادة عام 1962 ثم التعيين فى وظيفة عميد المعهد لمدة 29 عاماً انشأت خلالها بالأكاديمية فرقة الإنشاد الدينى، وفرقة «أم كلثوم» للموسيقى العربية والتى تخرج من خلال حفلاتها عشرات الأجيال من المطربين الذين لمعت أسماؤهم فى سماء الأغنية العربية، كما أسهمت فى إنشاء المعهد العالى للفنون الموسيقية بالكويت. «الجنرال رتيبة» كان هذا لقبها المنتشر فى كواليس الأوبرا المصرية وفى كل مكان أسهمت فى إدارته، فى دلالة على الحزم والحسم وقوة الشخصية التى كانت سماتها الأساسية فى مجتمع لم يتفاعل بسهولة مع فكرة وجود المرأة فى المناصب القيادية، شغلت رتيبة الحفنى منصب رئيسة الأوبرا عام 1988 ولمدة عامين، وترأست المجمع العربى للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، وأسست مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية فى بداية التسعينات الذى كانت حريصة على أن يكون منارة فنية وثقافية تضيف لاسم مصر، وكانت حفلات المهرجان بوابة للكثير من المطربين العرب للتفاعل مع الجمهور المصرى، بجانب إتاحة الفرص للمواهب الشابة فى الغناء لتقديم حفلات مشتركة مع أكبر مطربى الوطن العربى، كما أسهمت الأبحاث والندوات التى شهدها المؤتمر فى تطوير الموسيقى العربية من خلال دراسات وآراء أبرز الأكاديميين العرب، وظلت حتى الدورة الماضية 2012 تقف على كافة تفاصيله الإدارية وتقف ضد منع إقامته.