هى موسوعة ثقافية وفنية متنقلة، تقدر وتحترم فنها. إنها ابنة الأوبرا رتيبة الحفني، تلك الفنانة المصرية، التى رحلت عن عالمنا مساء اليوم الإثنين، لتذهب معها كثير من الوثائق الموسيقية والفنية المهمة، وتنطفئ الشمعة التى أنارت بها مهرجان الموسيقى العربية على مدى أكثر من 20 عامًا منذ أن قامت بتأسيسه. لم تكن موهبة وحب رتيبة الحفنى للأوبرا وليدة صدفة أو جاءت من فراغ، فهى بالأساس تنتمى لأسرة فنية موسيقية، فوالدها هو محمود أحمد الحفني، الذى تزيد مؤلفاته على 45 كتابا عن الموسيقى، كما كان أول من أدخل دراسة الموسيقى في المدارس المصرية. أما جدتها لأمها الألمانية الأصل فكانت مغنية أوبرا شهيرة. تعد رتيبة الحفنى واحدة من أهم سيدات دار الأوبرا المصرية، ولها إسهامات واضحة وبارزة في هذه المؤسسة الثقافية الفريدة، حيث تولت عمادة معهد الموسيقى العربية، كما كانت أول امرأة تتولى منصب مدير دار الأوبرا المصرية، وليس هذا فقط بل إنها صاحبة الريادة في أن يكون لمصر مهرجان للموسيقى العربية حاصل على الصفة الدولية، ويأتى إليه النجوم من مختلف الوطن العربي ليقوموا بإحياء لياليه. ولعلها أيضاً السيدة الأشجع التى تثبت التجربة أنها لم تهزم أبداً، ففي العام الذى ألغيت فيه جميع المهرجانات المصرية عقب ثورة يناير، كانت هى الأجرأ في إقامة المهرجان والعمل على نجاحه، وليس هذا فقط بل إن رتيبة لم تقف صامتة أمام رفض بعض النجوم دعواتها للمشاركة بالمهرجان مطالبين بزيادة في الأجور، خصوصاً النجوم المصريين حيث كانت في دورات المهرجان من كل عام تتغلب على الأزمة بإضافة أسماء نجوم من العيار الثقيل أمثال علي الحجار، وهانى شاكر، وغادة رجب أو من الدول العربية كوعد البحري وفؤاد زبادى، وصفوان بهلوان، ولطفي بوشناق. استطاعت رتيبة في العاميين الأخيرين في المهرجان أن تصفي الأجواء والخلافات بينها وبين بعض الفنانين إلى حد ما، الذين تأثرت علاقاتهم بها في السنوات الأخيرة، وعلى رأسهم الفنانة أنغام، التى جاءت الدورة التالية لثورة يناير شاهدة على الصلح العلنى بينهما حيث داعبتها في العام السابق للثورة بتكريمها وأكدت لها أمام جمهورها أنها ستكون مشاركة في الدورة التالية وهو ما حدث بالفعل، وذلك بعد خلاف وانقطاع أنغام عن حفلات المهرجان لفترة امتدت لأكثر من 5 سنوات. ولعل رتيبة الحفنى أيضاً، التى تعلمت العزف على آلة البيانو وهي في سن الخامسة، واستكملت دراستها في برلين وميونخ بعد ذلك، صاحبة الفضل في مشاركة وتفعيل المواهب الجديدة في الأوبرا، فهى من أعطت الفرص لريهام عبد الحكيم، ومى فاروق، وخالد سليم وغيرهم للمشاركة بصفة مستمرة في فعاليات المهرجان مما خلق أجواء من التعارف بينهم وبين جمهورهم، ليصبحوا من أهم أصوات مصر بعد ذلك. ورغم أن رتيبة بالأساس هى مطربة أوبرا عالمية، وسبق أن قامت أيضاً بدور البطولة في أوبرا عايدة ل"فيردي" في باريس، إلا أنها استطاعت أن تضيف بعض المسابقات الموسيقية المتخصصة في المقامات والطقاقيق الموسيقية على مدار سنوات المهرجان السابقة، بل إنها كانت تحرص على تكريم نخب مختلفة من فنانى الأوبرا سواء في مجال الخط العربي أو العزف أو الفن التشكيلى وغيره. تولت رتيبة الحفني عددا من المناصب من أهمها رئيسة لدار الأوبرا المصرية، في الفترة من يونيه 1988 إلى مارس 1990، ورئيسة المجمع العربى للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، ومعيدة للمعهد العالى لمعلمات الموسيقى عام 1950. كما حصلت على "جائزة الدولة التقديرية في الفنون" من المجلس الأعلى للثقافة المصري لعام 2004. رحلت رتيبة بعد رحلت عطاء فنى امتدت لأكثر من 80 عاماً، نجحت من خلالها أن تترك كنزا فنياً يحمل اسم مهرجان الموسيقى العربية رغم كل ما شابه من مشاكل في سنواته الأخيرة إلا أنه سيبقي واحدا من أهم روافد تراث مصر الثقافي والفني.