ثمانية عشر عاماً هي عمر مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية الذي انطلقت فعالياته مساء الجمعة الثلاثين من أكتوبر وفي هذا العام اختلف حفل الافتتاح عن الأعوام الماضية حيث اشتمل الجزء الأول منه علي فيلم وثائقي استعرض فيه أهم نشاطات المهرجان في دوراته السابقة ثم تكريم عشر شخصيات من المفترض أن تكون أعمالهم أثرت مجال الموسيقي العربية أو أضافت الي أي فرع من فروعه، أما الجزء الثاني من الحفل قدم فيه المطرب السوري صفوان بهلوان وصلة غنائية لبعض أعمال موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. معايير التكريم في كل دورة من دورات المهرجان يتفاجأ جمهوره ببعض الشخصيات التي يتم تكريمها والتي يبدو أن للمجاملات فيها شأنا كبيرا دون معايير واضحة فعلي مدار السنوات الماضية وجدنا مجموعة ممن كرمهم المهرجان ليس لهم علاقة بمجال الموسيقي أو النقد الموسيقي من قريب أو بعيد وكذلك منح المهرجان العديد من المطربين والمطربات التكريم ممن لايستحق تاريخهم الفني أي تكريم والا فأين ماقدموه من أغنيات من وسائل الاعلام والبرامج المتخصصة. وفي الدورة الثامنة عشرة كرم مهرجان الموسيقي العربية عشر شخصيات هم الشاعر مصطفي الضمراني، المطرب ايمان البحر درويش، وعازف الكمان جهاد عقل، والقانون ماجد سرور، والمايسترو خالد فؤاد، والملحن وليد سعد ،والكاتب الصحفي مجدي عبد العزيز وهو واحد من الصحفيين الذين لهم باع في الكتابة عن الموسيقي والغناء، والاعلامية الكبيرة سامية صادق وهي بالفعل تستحق العديد من التكريمات ولكن ما علاقتها بمجال الموسيقي العربية؟، والمطرب صفوان بهلوان المتقمص شخصية الموسيقار محمد عبد الوهاب فمع كل التقدير لموهبته هل أصبح تقليد المطربين أو المطربات الراحلين انجازا يستحق الفنان التكريم عليه؟، وأخيرا فنان من فناني الخط العربي وهوصلاح عبد الخالق وهذا أيضا ليس مجاله مهرجان الموسيقي العربية لأن الفن التشكيلي له مهرجاناته الخاصة. ولذلك أطالب اللجنة التي تمنح هذه التكريمات أن تعلن المعاييرالتي تستند اليها في اختيار الشخصيات التي تكرمها خاصة وأن هذه التكريمات تتجاهل نقاد الموسيقي في مصر والوطن العربي كما تتجاهلهم في دعوتهم لحضور المهرجان والمؤتمرالتابع له ومقدمي ومعدي البرامج الموسيقية المتخصصة خاصة وان هذه الفئة تعمل في صمت وهي المنوطة برفع الثقافة الموسيقية في أي قطر عربي ومن الواجب أن تسلط المهرجانات والجهات الموسيقية الأضواء عليهم. ويشارك في هذه الدورة من المطربين والمطربات ممن اعتدنا تواجدهم كل عام صفوان بهلوان(سوريا)، كريمة الصقلي (المغرب)، فؤاد زبادي(المغرب)،محمد الجبالي (تونس)، ومن مصر مي فاروق، مدحت صالح، محمد الحلو، علي الحجار،أحمد ابراهيم،ريهام عبد الحكيم، خالد سليم، آمال ماهر.أما الأصوات التي تشارك للمرة الأولي في المهرجان سلمي (فلسطين)، درصاف الحمداني، أحمد سعد، ايمان البحردرويش من مصر. أما من العازفين فسوف يشارك عمرو سليم علي البيانو، جهاد عقل من لبنان علي الكمان، ماجد سرور علي القانون، ومن العراق عمر بشير علي العود، ولأول مرة في المهرجان يشارك عازف الكمان الطفل مؤيد صبحي من الأردن، وعازف التشيللو عماد عاشور من مصر. هذا الي جانب الكم الكبير من الفرق الموسيقية في مقدمتهم فرق الموسيقي العربية التابعة للمركز الثقافي القومي وهي فرقة عبد الحليم نويرة للموسيقي العربية بقيادة صلاح غباشي، الفرقة القومية العربية للموسيقي بقيادة سليم سحاب، فرقة الموسيقي العربية للتراث بقيادة فاروق البابلي، فرقة كورال الأطفال التابع لمركز تنمية المواهب بقيادة د. نادية عوض، فرقة أوبرا الاسكندرية للموسيقي والغناء قيادة جورج بشري. الي جانب الفرق الموسيقية التي يستضيفها المهرجان وهي مجموعة ماجد سرور للموسيقي، سداسي شرارة، القومية لأغاني الأطفال التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة بقيادة رؤوف حمدي، قيثارة قيادة ألفريد فرج، مجموعة الحفني للموسيقي العربية، المنوفية للموسيقي العربية بقيادة أكرم سمير، وأخيرا فرقة نادي الصيد للموسيقي العربية بقيادة طارق يوسف.وتقدم حفلات المهرجان علي مسارح دار الأوبرا في مصر والاسكندرية خلال عشرة أيام. بانوراما علي المهرجان ان الهدف الذي أعلنته مقرر وأمين عام مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية السيدة رتيبة الحفني منذ انطلاق الدورة الأولي له هو الحفاظ علي تراثنا الغنائي والموسيقي وقد نجح المهرجان الي حد كبير عبر دوراته الأولي في تحقيق هذا الهدف وذلك عندما حاول كل مطرب عربي تقديم قوالب غنائية من التراث الخاص ببلاده كأغنية (لاموني اللي غاروا مني) وهي من التراث التونسي وقدمها لطفي بوشناق ولاقت نجاحاً كبيراً في مصر، وغناء مشاهير الطرب والغناء ممن لهم شعبية جماهيرية القوالب الغنائية التقليدية للموسيقي العربية مثل الدور والموشح والمونولوج والقصيدة فهي قوالب طويلة بطيئة الايقاع تبعث علي الملل عند غير المتمرس علي هذه النوعية من الغناء ولذلك نجحت مثل هذه القوالب بأصوات مثل أنغام في دور (قد ماأحبك) وقصيدة (مضناك) والذي بات يقدمها الآن المطرب خالد سليم بأداء رائع أيضا، وعلي الحجار في دور(كادني الهوي) والعديد من الموشحات والتي أذكر منها موشح (زهي في خديك الخفر) وقصيدة (سهرت)، وغيرهم من المطربين والمطربات أذكر منهم طارق فؤاد، مدحت صالح، صابر الرباعي، مها البدري، غادة رجب، لطفي بوشناق ،آمال ماهر وآخرين واجتذبت شرائح جديدة من الجمهور لسماع قوالب الموسيقي العربية التقليدية. وخلال حفلات المهرجان في دوراته السابقة استضاف العديد من نجوم الغناء من الأجيال السابقة مثل المطربات سعاد محمد، هدي سلطان، نجاح سلام. من التراث الي الاستثمار وفي اطار البحث عن التجديد في فعاليات المهرجان مع بداية الألفية الثالثة قدم المهرجان صورا غنائية تلخص حياة أحد رواد الموسيقي والغناء وجميعها كانت من اخراج جيهان مرسي وللأسف لم تكن هذه الصور ذات قيمة فنية كبيرة نظرا لضعف الحوار الذي كان مجرد رابط بين عدة أغنيات تغني بها مطربو ومطربات فرق الأوبرا مدعمة ببعض الاستعراضات والملابس الجيدة ويشارك فيها بعض نجوم التمثيل وفي هذه الدورة الثامنة عشرة تخلي حفل الافتتاح عن الصورة الغنائية وعاد للوصلة الغنائية التي يقدمها أحد المطربين. وظهرت مجموعة من الفنانين تخصصوا في تقليد المطربين والمطربات الراحلين وبات وجودهم في حفلات المهرجان وجوبيا مثل فؤاد زبادي الذي يقلد محمد عبد المطلب، صفوان بهلوان الذي يقلد محمد عبد الوهاب، كريمة الصقلي التي تغني أغنيات أسمهان،ايمان باقي المتخصصة في تقليد منيرة المهدية ،حياة الادريسي في أغنيات أم كلثوم ،وآخرون يهوون تقليد ليلي مراد وعبد الحليم حافظ. ومنذ دورة المهرجان الثانية عشرة شرعت رئيسته في تقديم مطربي الأغنية المعاصرة لضمان تحقيق الربح المادي للحفلات والذي يضمن بالتبعية استمراره فبتنا نجد نجوم الفيديو كليب يغنون علي مسرح دار الأوبرا مثل كارول سماحة، جنات، ديانا كرازون، مروان خوري، ماجد المهندس، أحلام، والمطرب الكبير محمد عبده.. وغيرهم يتغنون بأغنياتهم السريعة الكليبية الي جانب أغنية واحدة فقط من التراث دائما ماتكون في قالب الطقطوقة أو المونولوج وتحولت بذلك فرقتي عبد الحليم نويرة للموسيقي العربية، والقومية العربية للموسيقي التابعين لدار الأوبرا المصرية مجرد فرق موسيقية خاصة لنجوم الأغنية المعاصرة توفيرا لنفقات الفرق الخاصة لهؤلاء النجوم. وبذلك نجد أن هدف المهرجان الرئيسي وهو الحفاظ علي التراث الغنائي والموسيقي لم يعد له الصدارة في حفلات المهرجان وبين المقلداتية ونجوم الأغنية المعاصرة لم يعد هناك وجود لقالبي الدور والموشح واقتصر غنائهما علي فرق الغناء التراثي سواء التابعة لدار الأوبرا أوغيرها فانحصرت عنهما الأضواء بالرغم من أنهما من أهم قوالب الغناء العربي التراثي الذي كان المهرجان يسعي للحفاظ عليه فيما مضي وتحول مهرجان الموسيقي العربية من مهرجان تراثي يحقق ربحاً مادياً الي مهرجان استثماري بالدرجة الأولي. المسابقة والمؤتمر ان النشاط الرئيسي لمهرجان الموسيقي العربية هي الحفلات وعلي هامش المهرجان تقام مسابقة لتباري العازفين أو المطربين فيها وتقديم جوائز رمزية فيها ومسابقة الدورة الثامنة عشرة التقاسيم علي جميع آلات الموسيقي العربية وفي كل دورة يفوز ثلاثة متسابقين اي خلال 18 دورة فاز منهم 54 موسيقي ولا نعرف حتي الآن هل تبنتهم فرق دار الأوبرا أم أن هذه المسابقة للتباري والفوز فقط؟ والنشاط الهامشي الآخر هو المؤتمر العلمي الذي يشارك فيه عدد كبير من الباحثين وأساتذة الموسيقي في مصر والوطن العربي ويناقش المؤتمر في هذه الدورة ثلاثة محاور هي (غياب النقد الموسيقي المتخصص، أساليب تطوير التعليم الموسيقي العربي وأنشطته عند الطفل، وتوثيق أعمال الشخصيات الفنية من القرن العشرين وما حققوه من أعمال خاصة بالمخطوطات). ولو تتبع أي شخص كتيبات المهرجان أو الأبحاث التي تقدم يدرك أن هناك مجموعة من الباحثين يتم دعوتهم في كل دورة مما يحجب الفرص عن آخرين بالرغم من أن مصر والوطن العربي به العديد من الأساتذةوالباحثين في مجال الموسيقي يتم تجاهلهم دون إعلان الحيثيات التي تمنع دعوتهم، وفي نهاية حلقات البحث تدلي لجنته بتوصيات من شأنها الارتقاء بالموسيقي العربية ولكن ماذا أضافت هذه التوصيات لمجال الموسيقي العربية خلال 18 عاماً علي المستويين الفني والعلمي. وفي النهاية لا يمكننا تجاهل ان مهرجان الموسيقي العربية كان له بالغ الأثر في اثراء الساحة الموسيقية بالعازفين والمطربات والمطربين من كل قطر عربي وتعارف الموسيقيين المتخصصين بعضهم ببعض، ولكني أعتقد أن مهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية استنفذ أهدافه وظهر علي فعاليات هذه الدورة الافلاس في جميع نشاطاته وعلينا البحث عن ماهو الجديد مما يتطلب البحث عن دماء جديدة بفكر مستحدث الي جانب خبرة الأجيال السابقة.