في 25 يناير 2011 تصدر الشباب المشهد باعتبارهم أصحاب تلك المظاهرات العارمة في ميدان التحرير بالذات وبعض مدن المحافظات الأخري. ورغم ان المظاهرات- أي مظاهرات في الدنيا- لا تسقط نظاماً مهما بلغت قوة وحشد تلك المظاهرات إذ لابد أن تساندها قوة ما تحسم الأمور لصالحها أو تكون ضدها فتقضي عليها تباعاً حتي تتفرق ولا يكون لها تواجد مؤثر في الشارع ومع فشلها يسقط الضحايا بالعشرات أو المئات وربما الآلاف وعشرات الآلاف من القتلي والجرحي كما حدث في الصين مثلاً. وهنا في مصر قال لي أحد المسئولين الكبار في عصر مبارك اننا لو أردنا لانهينا مظاهرات ميدان التحرير في 25 يناير وقضينا عليها تماماً خلال 30 دقيقة. ولكن المشير حسين طنطاوي رفض هذا الاقتراح تماماً وتمسكت القوات المسلحة بحماية الشعب والمتظاهرين ضد أي قوة تتدخل للقضاء علي تلك المظاهرات. ورغم أن القوات المسلحة هي صاحبة الفضل في نجاح مظاهرات 25 يناير 2011 فقد اعتبرت مجموعة من الشباب نفسها هي صاحبة الثورة وانهم هم من قاموا بالثورة ونجحوا في اسقاط نظام مبارك.. وسعوا للحصول علي المكاسب والامتيازات لهم ولاقاربهم وأصدقائهم ولعلنا نذكر تجربة هشام قنديل رئيس الحكومة في عصر الإخوان عندما استعان بمجموعة من هؤلاء الشباب وخصص لهم غرفة إلي جانب مكتبه في مقر مجلس الوزراء وسرعان ما دب الخلاف وظهرت الاطماع بين هؤلاء الشباب وسعوا للحصول علي الامتيازات ونسوا تماماً مشاكل المواطنين ومطالب الجماهير فما كان من رئيس الحكومة في ذلك الوقت إلا إغلاق المكاتب المخصصة لهم وطردهم من مقر مجلس الوزراء. ومرة ثانية يتكرر المشهد في مصر فيعتبر مجموعة من الشباب انهم من قاموا بثورة 30 يونيو من خلال حركة تمرد وهو أمر ليس حقيقياً أيضاً ومهما جمعت حركة تمرد من استمارات فلم تكن قادرة علي حشد نحو 30 مليون مواطن مصري خرجوا في هبة رجل واحد للقضاء علي حكم الإخوان واسقاط نظام وساندهم في ذلك الجيش ليحول الأمر لصالح المواطنين ويسقط الإخوان بالفعل. وظهر الوجه القبيح أيضاً لبعض مجموعات من حركة تمرد ورموز تلك الحركة عندما انقلبوا بعضهم علي بعض وظهرت الاطماع والسعي لحصد ثمار الثورة والامتيازات والمكاسب اللازمة لهم ولأقرابهم كالعادة ولم يفكروا في مصلحة الوطن والمواطنين. ومع كل هذه المشاهد التي لا توحي بأي ثقة لتلك المجموعات من الشباب الذين كانوا في الواجهة وتصدروا المشهد ورأينا منهم العجب علي شاشات الفضائيات من تطاول ومنظرة وتجاوز علي الكبار فاق كل الحدود وجعلنا نندم عندما تركنا الحبل علي الغارب لتلك النماذج القبيحة. ورددوا عبارة جديدة علي مسامعنا هي "تمكين الشباب" وهي عبارة مبهمة غامضة غير صحيحة شكلاً وموضوعاً. فليس كل الشباب صالحاً لتولي مقاليد الأمور أو المناصب.. والبعض منهم فقط والمتميز منهم فقط والكفء منهم فقط هو من يصلح لمهام كبيرة لخدمة الوطن والمواطنين. ولهذا فإن الصحيح تماماً هو تمكين الكفاءات وليس تمكين الشباب. وتمكين الكفاءات من الشباب لا يعني إقصاء الكبار. فالكبار هم أصحاب الخبرة والعلم والكفاءة وهم من شيدوا تلك الصروح العملاقة في جميع مجالات العمل والحياة في مصر والتي يعمل بها الشباب الآن ويريد بعض هؤلاء الشباب توجيه مقدرات صروح العمل والإنتاج علي هواهم وقيادتها إلي المجهول. لانهم ليسوا علي المستوي المطلوب أو الكفاءة اللازمة لتولي مناصب تتطلب قدرات خاصة علي الإدارة والإنتاج وتنظيم العمل وتحقيق الأرباح والمكاسب. والدولة ليست غافلة عن هذا الأمر وهي تعلم تماماً دورها في تمكين الكفاءات من الشباب فقط مقاليد الأمور ولكن ذلك يستغرق وقتاً ليس طويلاً لاخراج جيل جديد من الشباب الواعي المثقف والفاهم والذي تم تدريبه جيداً. ولهذا فان الرئيس يولي هذا الأمر اهتماماً خاصاً فهو يعقد المؤتمرات الشبابية كل شهر في محافظة مختلفة يتعرف علي آراء الشباب ويتحاور معهم ويأخذ من يبرز منهم فهما وعلماً ليكون وزملاؤه نواة مجموعة كبيرة من الشباب المتميز وبحيث يتم الدفع بهم لتولي المناصب المختلفة.. ويقوم البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة بدور كبير لإنشاء قاعدة شبابية من الكفاءات القادرة علي تولي المسئوليات في مختلف القطاعات السياسية والمجتمعية والإدارية في الدولة. حيث يتم تأهيل هؤلاء الشباب بأحدث النظريات والتجارب العلمية والعملية من أجل المشاركة في النهوض بالوطن والمساهمة بالفكر والعمل والتغيير الايجابي.. وهذا هو الطريق السليم لتمكين الكفاءات وليس تمكين الشباب!!