كل عام وأنتم بخير.. ودعنا الشهر الفضيل الذي جعل الله - سبحانه وتعالي "أوله رحمة. وأوسطه مغفرة. وآخره عتق من النار" كما أخبرنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. العالم الكبير د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي الجمهورية الأسبق ينصح كل مسلم صام وصلي وقام وزكي طوال الشهر الكريم وتقرب الي الله بكل الطاعات أن يحافظ علي مكاسب رمضان ويرشدنا الي الضوابط الشرعية والأخلاقية التي تحكم احتفالنا بعيد الفطر المبارك لندخل البهجة علي أنفسنا وأسرنا دون أن نرتكب تجاوزات أو مخالفات شرعية. أفضل وداع * بماذا تنصح المسلم بعد أن ودع شهر رمضان المبارك؟ - واجب المسلم أن يودع هذا الشهر الفضيل أفضل وداع حتي ينال ما وعده به الرسول الخاتم صلي الله عليه وسلم وهو العتق من النار. حيث وصف شهر رمضان بأن "أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار". وواجب المسلم الذي صام وصلي وقام الليل واعتكف طاعة لله وتجرد من الغل والحقد والحسد وعطف علي الفقراء والمساكين وأعان أصحاب الحاجات وأحيا ليلة القدر بالطاعة والعبادة.. واجب المسلم الذي حرص علي كل هذه العبادات والطاعات وأخرج صدقة الفطر التي قال رسول الله صلي الله عليه وسلم عنها في الحديث الصحيح: "صوم رمضان معلق بين السماء والأرض لا يرفع إلا بزكاة الفطر" أن يحافظ علي مكاسب هذا الشهر الكريم بالحرص علي العبادات والطاعات والالتزام بالأخلاق الفاضلة التي تعود عليها في رمضان. صلاة.. وتواصل * ما الحكمة من تجمع المسلمين في الخلاء لأداء صلاة عيد الفطر المبارك؟ - صلاة العيد. هي أول مظهر من مظاهر الاحتفال بعيد الفطر المبارك. لذلك ينبغي للمسلم أن يحرص عليها ويصطحب أسرته وخاصة أطفاله لكي يؤدوها معه تدريبا لهم علي الالتزام بطاعة الله. وهي سنة مؤكدة واظب عليها النبي صلي الله عليه وسلم. وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها. ويجوز أن تؤدي بالمسجد ولكن أداؤها في الخلاء أفضل ولذلك فإن السنة أن يصلي المسلمون صلاة العيدين في الخلاء. إن أمكن ذلك بلا مشقة. وما لم يكن هناك عذر مانع كبرد أو مطر. فقد كان النبي صلي الله عليه وسلم يترك مسجده مع أفضلية الصلاة فيه ويخرج بالناس إلي الصحراء. فيصلي بهم صلاة العيد. وهذا الفعل منه صلي الله عليه وسلم يؤكد سنة الخروج إلي الخلاء. لأن صلاة العيد في الخلاء أفضل ما لم يكن هناك عذر أو مشقة. إلا أن صلاة العيد في المسجد الحرام أفضل باتفاق الفقهاء. وعلي المسلم أن يستعد لأداء صلاة العيد بالاغتسال وأن يخرج إليها وهو يلبس أجود وأجمل ملابسه. وأن يضع علي جسده شيئا من الروائح الذكية. وأن يتناول شيئا من الطعام قبل خروجه لأداء صلاة عيد الفطر. وأن يقدم صدقة الفطر قبل الذهاب للصلاة إذا كان لم يخرجها بعد. وأن يكثر من ذكر الله ومن التكبير عند خروجه للصلاة. وبعد الانتهاء من صلاة العيد والاستماع بآذان مصغية إلي ما يقدمه خطيب صلاة العيد من نصائح وتوجيهات ينصرف المسلم من مكان الصلاة ويعود إلي منزله من طريق آخر غير الذي حضر منه إن تمكن من ذلك لكي يلتقي في الشارع ما بين المنزل ومكان الصلاة بأكبر عدد من المسلمين لتجديد مشاعر المودة والمحبة وتبادل التهاني مع كل من يقابله.. ثم يخرج من منزله إلي منازل الأحباب والأقارب والأصدقاء ومن قبلهم الأهل لأداء واجب صلة الرحم.. ثم بعد ذلك يخرج مع أهله وأولاده أو يجلسون في منزلهم يروحون عن أنفسهم ويحاولون التخلص من الهموم والأحزان طوال هذا اليوم والأيام التي تعقبه. وأن يكون شعارهم في أعيادهم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت". صلة الرحم * ما الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم وهو يحتفل بالعيد؟ - يقول د. محمد الأحمدي أبو النور أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: أفضل ما يفعله المسلم وهو يحتفل بعيد الفطر المبارك صلة الرحم. الي جانب إدخال الفرح والسرور علي أسرته وأهله. فالإسلام يحث دائما علي توثيق العلاقات الأسرية والاجتماعية. كما أنه دين بهجة وسعادة. ولا يقر جفاء العلاقات وقسوة القلوب. والحرمان من الحقوق. وقد خص القرآن الكريم الرحم والقرابة بمزيد من العناية والرعاية والاهتمام ووجه الله وصيته بهم في كثير من آياته وحذر من قطيعتهم وجفوتهم وتفكك الصلات بينهم.. قال تعالي: "وآت ذا القربي حقه والمسكين وابن السبيل".. وقال تعالي: "واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" وقال تعالي: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمي أبصارهم". وإذا كان هذا مطلوبا من المسلم في كل الأوقات وطوال شهور وأيام السنة. فهو في العيد أكثر طلبا وإلحاحا ليكون فرصة عظيمة لتوثيق الروابط والصلات بين الأرحام وصلة الرحم تكون بزيارتهم ومعونتهم بالنفس أو المال وبالصدقة إن كانوا فقراء والهدية إن كانوا أغنياء. كما تكون بعيادة مرضاهم وإجابة دعوتهم. والتهنئة بما يسرهم وبصفة عاما تكون صلة الرحم بإيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر حسب الوسع والطاقة. وقطيعة الرحم تتخذ أشكالا متعددة منها عدم مودتهم. وتوجيه الإساءة إليهم وترك الإحسان إليهم. وقد حذر الإسلام من قطيعة الرحم معتبرا إياها من أبغض السلوكيات عند الله. فرسول الله صلي الله عليه وسلم يقول فيما يرويه عن ربه قال الله عز وجل: "أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" وقال رجل لرسول الله صلي الله عليه وسلم إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون علي.. فقال النبي صلي الله عليه وسلم إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل "التراب" ولا يزال معك من الله ظهيرا عليهم ما دمت علي ذلك. وقد رتب الإسلام علي صلة الرحم بعض المزايا التي من شأنها أن توثق صلاة المودة والتراحم والتكافل بين ذوي القربي.. يقول النبي صلي الله عليه وسلم من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه. لذلك ننصح كل مسلم أن يحرص علي صلة أرحامه في هذه الأيام الطيبة حتي يبارك الله له في صحته وعياله ورزقه. زيارة المقابر.. ليست مرغوبة * بعض المسلمين يحرصون علي زيارة المقابر بعد صلاة العيد.. هل هذا السلوك مطلوب في يوم أراده الله سبحانه ليكون يوم بهجة في حياة المسلم؟ - زيارة المقابر مشروعة للرجال في كل وقت لقول النبي صلي الله عيه وسلم: "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة". أما بالنسبة للنساء فإن زيارة المقابر مكروهة في حقهن لجزعهن وقلة صبرهن.. أما إذا كانت المرأة تملك ضبط نفسها فلا بأس بزيارتها للمقابر.. فقد روي أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر.. فقيل لها يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت من قبر أخي عبد الرحمن.. فقيل لها ألم ينه رسول الله صلي الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قالت كان ينهي عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها. زيارة المقابر التي يحرص عليها بعض المسلمين في الأعياد ليست مرغوبة ولا مرفوضة. بمعني أنه لا بأس بها ما لم تتعارض مع بهجة العيد وسعادته وما يوحي به من الفرحة والسرور في هذا اليوم العظيم. ومن أدب هذه الزيارة أن يقول الزائر: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.. اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم. ولا يجوز المبيت بالمقابر ليلا لما فيه من الوحشة. وكذلك اتخاذ الجلوس فوقها.. كما لا يجوز البكاء أو النواح عندها أو الإتيان بأعمال تتنافي مع الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره.. وينبغي الاكتفاء بالصدقة والدعاء وقراءة القرآن والمعروف أن الدعاء ينفع الميت. سلوكيات خاطئة * بماذا ينصح د. واصل هؤلاء الذين يتصرفون بعد انتهاء رمضان بعدم مسؤولية فيرتكبون سلوكيات مرفوضة شرعا تحت ستار الاحتفال بالعيد؟ - هذا سلوك الذين لم يصوموا بإخلاص ولم يكن هدفهم تحقيق الهدف الأسمي للصوم وهوالتقوي. والشريعة الإسلامية لا تعرف الانفصام في شخصية المسلم ولذلك هي ترفض سلوكيات هؤلاء الذين يحرصون علي الفضائل طوال شهر رمضان ثم يلهون ويعبثون في أيام العيد تحت شعار الترفيه والترويج عن النفس فالعيد في الإسلام شرع لإدخال الفرحة والسرور علي المسلمين. ولذلك من حق المسلم أن يفرح ويروّح عن نفسه وعن أولاده وأهل بيته بكل ما هو مباح من مباهج الحياة دون أن يرتكب محظورا أو محرما.. ومن هنا نقول أنه يستحب الترويح عن النفس في عيدي الفطر والأضحي في حدود ما أحله الله تعالي. فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو القدوة والمثل الأعلي لكل مسلم يفرح في الأعياد ويمازح أصحابه ويؤانسهم ولكن لا يقول إلا حقا. وعلي المسلم أن يدرك أن كل أشكال الترفيه المهذب مباحة في الأعياد. بل هي مطلوبة ومستحبة كما قال الفقهاء للتخفيف عن النفس خاصة في هذا العصر الذي كثرت فيه الهموم والمشكلات والأعباء الحياتية. لكن علينا أن نحذر من أن ينقلب الترفيه والترويح عن النفس الذي حث عليه الإسلام إلي لهو مرفوض وعبث سلوكي يجلب للإنسان غضب الله وعقابه.. فمن المعروف أن العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحي) يأتيان بعد فريضتين وكثير من الطاعات التي ينبغي أن يحرص عليها كل المسلمين في رمضان وقبيل عيد الأضحي المبارك ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن ينتقل الإنسان من حالة طاعة والتزام أخلاقي وحرص علي رضا الله عز وجل إلي حالة من الانفلات السلوكي تضيع كل ما تقرب به إلي خالقه وتجلب له الذنوب والمعاصي والآثام.