لا أفهم السبب في أزمة "الفكة" التي قال لي البعض إنها مفتعلة. كبري محلات النخبة والسوبر ماركت. وإدارتا المترو والترام وبعض الميكروباصات. وحتي باعة الصحف والخبز جميعاً يواجهونك بطلب "الفكة" والمشكلة أكبر في بعض المحافظات. رغم أني لم أواجه هذه المسألة أبداً في الخارج لا في أوروبا ولا الهند. ولا أي بلد عربي كنت أسافر إليه. ما السبب اقتصادياً في ظهور أزمات من هذا النوع. وما انعكاساتها؟! سيبدو الأمر تافهاً حتي كموضوع للكتابة. لكنك تُصاب بالضجر والإسفاف حين تنزل الشارع وتجد كل من تتعامل معه يطالبك أنت بتوفير الفكة والعملات المعدنية الصغيرة. كما لو أنك البنك المركزي. فإذا أضفنا إلي هذا رفض الكثيرين أيضاً للأوراق المالية المهترئة. وذات الرائحة السيئة. وإصرارهم علي أن توفر ما هو أفضل حالاً. كما لو أنك مسئول عن طباعة هذا الركام المالي. الذي يصيب يديك بميكروبات عدة. تضطرك لغسيلها وفركها جيداً قبل الأكل. تجد نفسك غير راغب في شراء حتي ما قد تحتاجه. لأنك ستواجه المشكلة الأولي. ولابد أيضاً سيباغتك أحدهم بتعليق ونظرة إلي الورقة المالية. ولو كانت فئة مائتي جنيه. "بس دي مستوية قوي. ما عندكش واحدة كويسة"؟!!.. ووصل الأمر إلي أن محصلي تذاكر النقل العام يصرون علي الفكة. بل ويدققون النظر في ما تقدمه من عملة معدنية كقيمة للتذكرة. فإن كان عليها بعض الاتساخ يصرون بدورهم علي استبدالها بدعوي أن الجهاز لا يقبلها آخر اليوم!! هل ينقص المواطن المصري فوق كل معاناته أن يفكر في حصر عدد العملات المعدنية بحوزته "شاملة ما يدفعه كبقشيش للسائس والبواب وشيال الشنط في المحطة. ولأي أحد يقفز فجأة في وجهه بدعوي أي خدمة ليحصل علي تلك الفكة. العزيزة"؟!!.. طبعاً كبار موظفي ومسئولي الدولة لا يواجهون تلك المشكلة لأنهم لا يتعاملون بشكل مباشر مع باعة الخضر والفاكهة. ولا يركبون الترام. ولا المترو. ولا الأتوبيس. ولا الميكروباص. فكيف سيعرفون ما يعانيه الناس يومياً؟!!.. وهل سيخطر في بالهم رأي الشعب في قضية معينة. أو رد فعله علي قرار ما. وهم يتنقلون من سيارة فارهة يحيطها الحرس إلي مصعد مكيف يتم إفراغه للواحد منهم بمفرده إلي مكتب يتم منع الناس عبر السكرتارية من دخوله؟!! هل أطمع في أن يظهر أي أحد في وزارة المالية ليفسر لنا سبب أزمة الفكة. بدلاً من إنكارها مثلاً؟!!.. لماذا تتكرر مثل تلك الأزمة كل بضع سنوات في مصر بالذات؟!!.. ولماذا يجب أن تصيبوا المواطن بالإنهاك من أمور تافهة صغيرة إلي جانب الهموم التي يمشي بها الناس؟!!