"أنا لست أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة ولابد أن أكون معهم في كل لحظة من لحظات البطولة. إذا حاربنا حرب القادة بالقاهرة فالهزيمة لنا محققة إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم في مقدمة الصفوف الأمامية فالقادة العسكريون يمتازون بالعلم والتجربة والعزيمة والثقة. والقائد الذي يقود هو الذي يملك المقدرة علي إصدار القرار ".." لن نستطيع أن نحفظ شرف هذا البلد بغير معركة وعندما أقول شرف البلد فلا أعني التجريد وإنما أعني شرف كل فرد كل رجل وامرأة".. هكذا تحدث الجنرال الذهبي الفريق عبدالمنعم رياض عن رؤيته العسكرية في أعقاب هزيمة 1967 وهي المرحلة التي عُهد إليه كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة مع وزير الحربية الفريق محمد فوزي إعادة بناء القوات المسلحة واسترداد ما خسرته مصر في يونيو.. وكان من أقواله أيضاً "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه ". "لقد حقق أجدادنا أعظم البطولات وخلفوا لنا تراثاً عظيماً يجب أن نصونه ومستقبلاً يجب علينا أن نطوره ولن يكون ذلك إلا بهمة الرجال الأقوياء والناس يولدون فتصنعهم ظروفهم وبيئاتهم ولابد من أن نصنع نحن في الجيش الرجال الأقوياء". ولد الفريق عبدالمنعم رياض في22 أكتوبر 1919 بمحافظة الغربية وكان والده القائم مقام محمد رياض قائد بلوكات طلبة الكلية الحربية صاحب التأثير الكبير في تعلقه بالحياة العسكرية التي فضلها علي دراسة الطب. تخرج رياض في الكلية الحربية عام1938 برتبة ملازم ثان في سلاح المدفعية والتحق بإحدي البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية حيث اشترك في الحرب العالمية الثانية 1944 وفي نفس العام نال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية وكان ترتيبه الأول علي دفعته مما أهله للالتحاق بمدرسة المدفعية البريطانية لينال شهادة إتمام الدراسة بها بتقدير امتياز. وفي الفترة من1947 حتي 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط بالقاهرة وكان ضابط الاتصال بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين ولدوره مُنح وسام الجدارة الذهبي. وفي1951 تولي رياض قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وهو لايزال برتبة المقدم وفي أبريل 1958 سافر في بعثة إلي الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة في الأكاديمية العسكرية العليا والتي أتمها في 1959 بتقدير امتياز ولُقب بالجنرال الذهبي لانبهار القادة الروس بتفكيره وقدراته العسكرية. وفي1964 عُين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة وفي عام 1966 تم ترقيته إلي رتبة الفريق وأتم في العام نفسه دراسته بكلية الحرب العليا بأكاديمية ناصر العسكرية. وعقب نكسة1967 استدعاه الرئيس جمال عبد الناصر للعمل رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة مع الفريق محمد فوزي الذي تولي وزارة الحربية. ولو اكتفينا بمشهد الختام في حياة الجنرال الذهبي عبد المنعم رياض يوم 9 مارس1969 والذي صار يوماً للشهيد فإننا نتوقف أمام دقائقه الأخيرة الفاصلة بين الحياة والموت في سبيل وطن قدس كل ذرة في ثراه. يقول الرائد سمير نوح أحد أبطال المجموعة 39 قتال عن قصة استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض أن موقع لسان التمساح كان دائماً ما يوجه قذائف صاروخية وهاون ومدفعية علي مدينة الإسماعيلية وكانت تخلف الكثير من الخسائر فتوجه الفريق رياض إلي الجبهة للاطمئنان علي القوات ومراقبة الوضع عن قرب ولاحظ العدو من مظهر دخول الجنرال رياض أن هناك شخصية مهمة متواجدة وبكل الغدر أطلقوا قذائف الهاون والصواريخ المدفعية واستشهد الفريق بين جنوده. لكن جنوده لم يخذلوه وثأروا له في ليلة الأربعين من استشهاده وفي يوم العبور العظيم في 6 أكتوبر1973 حيث صدرت التعليمات عقب استشهاد الفريق رياض إلي المقدم إبراهيم الرفاعي "آنذاك" بالتعامل مع النقطة التي أطلقت القذائف واختار عدداً من الضباط لاستطلاع الموقع. وفي يوم 19 أبريل 1969غادر الرفاعي وأفراد مجموعته إلي الإسماعيلية للقيام بالعملية وحينما حل الظلام طلب من المدفعية قذف موقع العدو والمواقع المجاورة بالضفة الشرقية كساتر وكان تراشق المدفعية في هذا الوقت شيئاً عادياً وكان من الطبيعي أثناء قذف المدفعية أن يختبيء أفراد العدو داخل المخابيء حتي عبرت المجموعة تحت ساتر القذف في اتجاه موقع لسان التمساح وطلب الرفاعي عند وصول الزوارق بإيقاف ضرب المدفعية علي الموقع واتجهت كل المجموعة وقائدها إلي الدشم المكلفة بتدميرها وبدأ أفرادها يلقون القنابل اليدوية من فتحات التهوية بالدشم وقطع أسلاك التليفونات وحرق عربات العدو وإسقاط العلم الإسرائيلي وتم تدمير الموقع بالكامل وقتل44 جندياً إسرائيلياً رداً علي استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض. رثاء عبدالناصر جاءت كلمات الزعيم جمال عبدالناصر الفريق رياض مليئة بالحزن عليه حيث قال "فقدت الجمهورية العربية المتحدة جندياً من أشجع جنودها وأكثرهم بسالة وهو الفريق عبدالمنعم رياض رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة. وكان الفريق عبدالمنعم رياض في جبهة القتال وأبت عليه شجاعته إلا أن يتقدم إلي الخط الأول بينما كانت معارك المدفعية علي أشدها وسقطت إحدي قنابل المدفعية المعادية علي الموقع الذي كان الفريق عبدالمنعم رياض يقف فيه وشاء قضاء الله وقدره أن يصاب وأن تكون إصابته قاتلة. إنني أنعي للأمة العربية رجلاً كانت له همة الأبطال تمثلت فيه كل خصال شعبه وقدراته وأصالته. إن الجمهورية العربية المتحدة تقدم عبدالمنعم رياض إلي رحاب الشهادة من أجل الوطن راضية مؤمنة واثقة أن طريق النصر هو طريق التضحيات. ولقد كان من دواعي الشرف أن قدم عبدالمنعم رياض حياته للفداء وللواجب في يوم مجيد استطاعت فيه القوات المسلحة أن تلحق بالعدو خسائر تعتبر من أشد ما تعرض له لقد وقع الجندي الباسل في ساحة المعركة ومن حوله جنود من رجال وطنه يقومون بالواجب أعظم وأكرم مايكون من أجل يوم اجتمعت عليه إرادة أمتهم العربية وألقي عليها تصميمها قسماً علي التحرير كاملاً وعهداً بالنصر عزيزاً مهما يكن الثمن ومهما غلت التضحيات". كان عبد المنعم رياض يؤمن بحتمية الحرب ضد إسرائيل ويعتقد أن العرب لن يحققوا نصراً عليها إلا في إطار استراتيجية شاملة تأخذ في الاعتبار البعد الاقتصادي وليس مجرد استراتيجية عسكرية ففي خلال توليه رئاسة أركان حرب القوات المسلحة حقق رياض من خلال معارك نوعية انتصارات علي القوات الإسرائيلية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة رأس العش الذي استطاعت قوة صغيرة من وحدات الصاعقة منع العدو من التقدم نحو بور فؤاد في أواخر يونيو1967 وكذلك تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات في12 اكتوبر1967 وإسقاط طائرات إسرائيلية خلال عامي 1967. 1968 ونجح عبد المنعم رياض في تحطيم أسطورة أو مقولة أن الدبابة يقابلها دبابة فقد أضاف لحرب المدرعات منذ عام 1968 حيث كان يتم تدريب أفراد المشاة ليصبح الجندي المصري في مواجهة الدبابات وهو ماظهر جلياً خلال معارك حرب أكتوبر حيث استطاع الجنود المصريون قنص وتدمير مئات الدبابات الإسرائيلية. وكان الفريق عبدالمنعم رياض هو من قام بإلغاء نظام القرعة في التجنيد وقال للرئيس عبد الناصر أن الجندي المتعلم يستخدم سلاحه أفضل ويصونه بوعي.