بين عشية وضحاها تحولت القاهرة لشوارع تئن وتتوجع.. وأحياء تغوص في الاهمال وأخري تسبح في الفوضي ومليارات تهدر علي بنية تحتية عشوائية وسبوبة حكومية توزع علي المحاسيب والشركات القريبة من متخذي القرار والفتوات والبلطجية وتحولت الكباري لمراحيض عامة وأرصفة يحتلها أصحاب المحلات والباعة الجائلون وخطوط صرف صحي بلا هوية رغم ضخامة الأموال التي تنفق سنوياً علي مشروعات الصيانة والتطوير والمسئولية هنا وقعت بين المواطن والمسئول والنتيجة إنفاق محافظة القاهرة ما يقرب من مليار جنيه سنوياً علي منظومة النظافة ومع ذلك نجد أن تلال القمامة تحاصر الشوارع والمنشآت الحكومية وأصبحت المناطق العشوائية والراقية سواء بعد أن فشلت المحافظة في التعامل مع ملف النظافة بسبب نفوذ المنتفعين الذين يسهلون مهمة الفساد نظير الحصول علي نسبة من المستحقات المالية. ولم تكن مشاكل البنية التحتية للمياه والصرف الصحي ببعيد عن الكوارث التي تتعرض لها القاهرة رغم إنفاق ما يقرب من ثلث الميزانية المخصصة لمحافظة القاهرة عليها بعد أن فشلت بعض المشروعات في تخليص الاحياء من الطفح المستمر والانقطاعات التي أرهقت السكان علاوة علي الحفر والمطبات الخانقة وإعادة الشئ لأصله والذي لا يزيد عن كلام علي الورق وفوق كل هذا وذاك البالوعات المفتوحة. أما صيانة الأرصفة في جميع شوارع القاهرة فأصبح مشهداً يومياً ومتكرراً بسبب سوء عمليات التخطيط مع الاجهزة مما يكلف الدولة ما يقرب من 60 مليون دولار كل عام رغم أنه من المفترض حسب تأكيد الخبراء تغيير الاجزاء المتهالكة فقط ورغم تلك الاموال لم يشعر المواطن البسيط بأي تغيير في الوقت الذي لا تلجأ فيه الدول الاوروبية لتغيير تلك الارصفة الا بعد مرور ما يقرب من 25 إلي 40 عاماً. وفي الوقت الذي تنفق فيه تلك الاموال علي تطوير الأرصفة احتلها الباعة الجائلون وأصحاب المحلات ومنعت بضائعهم المارة من السير. أما العشوائيات مازالت أزمة مزمنة ووصمة عار في جبينة كمحافظة القاهرة رغم رصد مئات الملايين وربما المليارات لتطويرها عن طريق وزارة جاءت وذهبت دون أن تقدم جديداً وعادت مسئولية التطوير مرة أخري للمحافظة لتقضي علي ما تبقي منها. المواطنون اعتبروا أن السبب الرئيسي وراء إهدار تلك المليارات يرجع إلي عدم التنسيق بين مرافق الدولة رغم وجود مركز للمعلومات الا أنها لم تستطع أن تكون ادارة ربط بين القطاعات العاملة في شوارع المحروسة إما بسبب تداخل الاختصاصات أو اختلاف وجهات النظر. أما الخبراء فأكدوا أن المسئولية مشتركة بين المواطن والمسئول.. الأول لأنه القائم بكثير من السلوكيات العشوائية ومسئول عنها بل ويصر علي استمرارها ويقاوم تغييرها والثاني لأنه لم يطبق القانون علي المخالف. يقول صلاح عبدالجواد: البنية التحتيه في القاهرة بالذات تحتاج لإعادة تخطيط فعندما تنفجر ماسورة مياه يصعب علي عمال الشركة اصلاحها لانها تكون تحت كوبري أو داخل نفق كما حدث عند انفجار ماسورة محطة مصر وغرق مترو انفاق السادات بالصرف الصحي عدة أعوام. يضيف أمين ابراهيم من بولاق: للأسف المسئولون لا يقدرون احتياجات المواطنين فعندما تنقطع الكهرباء لا نجد كوب ماء نشربه لأن محطات المياه تأثرت بانقطاع الكهرباء فلماذا لا يتم استثناء محطات المياه من انقطاع الكهرباء حتي لا تتأثر المياه ونعاني الآمرين من انقطاعهما. ويتساءل أحمد فؤاد: أين التنسيق بين مرافق الدولة وبعضها فكيف يتم قطع التيار الكهربائي بصورة مفاجئة من المستشفيات وأقسام الشرطة رغم الكوارث التي يمكن أن يسببها ذلك. ويشير سيد عبدالحليم موظف: إلي أن عمال مصر القديمة قاموا برصف الشارع الذي أقطن فيه أكثر من ثلاث مرات بسبب مشروع الصرف الصحي وفوجئت منذ أسبوع بتكسير الشارع بسبب انفجار ماسورة الصرف الصحي حيث تم تركيبها بصورة غير فنية مما أدي إلي طفح الصرف في العقارات الكائنة بالشارع. يقول المهندس صلاح شافعي: ان سبب عدم التنسيق بين المرافق وبعضها يرجع إلي ضعف امكانيات مركز المعلومات في المحافظة حيث يوجد مركز معلومات ونظرا للتكلفة في عمليات تجميع البيانات وحفظها وكيفية الوصول إليها نجد أن هذه المراكز خارج نطاق الخدمة ومن المفترض أن يتم عمل مركز معلوماتي رئيسي يتم فيه تسجيل جميع الخرائط من خلال شبكة معلومات جغرافية GIS ويتضمن جميع الشبكات الخاصة بالمرافق ومياه الصرف وكهرباء وتليفونات باستخدام أحدث الاجهزة الالكترونية ووسائل التكنولوجيا الحديثة بدلا من التسبب في اهدار مليارات الجنيهات سنويا من الميزانيات الخاصة بالمرافق. ويضيف حسن عاشور مهندس إنشاءات نعاني أشد المعاناه من هذه الازمة حيث ان مراكز المعلومات غير مفعلة والخرائط بها غير مكتملة فعندما نقوم باصلاح أحد خطوط المياه نصادف بوجود خطوط كهرباء أسفل الماسورة أو خط غاز أعلاها مما يصعب علينا انهاء عملية الاصلاح بسهولة بالاضافة إلي صعوبة عملية استخراج تصاريح الحفر من الادارات المحلية والمبالغة في الحصول علي تكلفة اعادة الشيء لأصله. يقول م/ محمد أبوسعده رئيس الإدارة المركزية للتخطيط بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري ان مشكلة عدم التنسيق بين المرافق هي مشكلة قائمة بالفعل أساسها واضح نتيجة ان شبكات المرافق تسبق التغطية العمرانية دون عمل حساب للتوسعات وعدم التخطيط الجيد للمرافق مشيرا إلي ضرورة تحديث نوعية الارض سواء كانت سكنية أو صناعية لضبط الطرق والمياه والكهرباء لمنع الاحمال الزائدة عليها كما توجد مشكلة ادارية وهي الحكم المحلي وكانت سابقا باسم البلدية. كان هذا القطاع لديه كفاءات وكان يملك كل الخيوط في يديه من انشاءات ورصف ومياه أما الان فليس لدينا مخطط واضح بعيد المدي لتسيير الامور مشيراً لسلوكيات المواطنين الخاطئة ومنها البناء العشوائي والاعتماد علي نفسه في الحفر وتوصيل المياه والكهرباء ذاتياً دون عدادات أو مقايسات رسمية كل هذه الاخطاء والعشوائية كلفت الدولة مليارات الجنيهات علي مستوي جميع المرافق من هدم وبناء دون تخطيط أو تنسيق مع العلم بأنه ليس لدينا أي خرائط للشوارع في الماضي وكل ما هو موجود الآن مركز المعلومات لدي محافظة القاهرة. ويضيف الدكتور طارق عبداللطيف استاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة: ان المرافق في المناضي كانت ادارات سواء كانت للكهرباء أو الماء أو رصف الطرق أما الان فهي شركات لديها جمعيات عمومية وميزانيات وأجهزة تحاسبها والتخطيط السليم أساس النجاح وفي مصر يبدأ بالسكان ثم المرافق وهذا عكس دول العالم الذي يبدأ بالمرافق ثم السكان وبما سيتم من زيادة سكانية وتحدد بنسبة 3% نمو سكاني مضيفا أن من أسباب عدم التنسيق بين مرافق الدولة وبعضها هي المناطق العشوائية لانها تستخدم الوصلات الرسمية للتحميل عليها مما يصيبها بالاعطال. ويضيف د. رضا حجاج استاذ التخطيط العمراني بكلية الهندسة جامعة القاهرة والخبير بالامم المتحدة انه يوجد مركز معلومات لشبكات مرافق القاهرة الأربعة وفرع يغطي مدينة نصر والمجتمعات العمرانية الجديدة حول القاهرة ويهدف المشروع إلي إنشاء قاعدة بيانات لشبكات المرافق في النطاق والتنسيق بين هيئات وشركات المرافق ومسئولي الإسكان والطرق والكباري قبل البدء في أي مشروع بالاضافة إلي منع الحفر العشوائي تأميناً للمرافق وحماية البيئة وإمداد مخططي العاصمة والمكاتب الاستشارية وهيئات المرافق والقيادات التنفيذية بالبيانات الدقيقة والمتكاملة.