رغم المشروعات العملاقة التي شهدتها الفترة الماضية لإنقاذ وإعادة تأهيل البنية التحتية في القاهرة الكبري والمحافظات، إلا أن هناك مخاوف من عدم قدرة هذه البنية الأساسية علي مواجهة الضغوط المتزايدة عليها سواء بسبب زيادة أعداد المستفيدين منها أو لانتهاك القوانين التي تضمن عدم تحميلها بأكثر مما هو مخطط لها. وتتجدد هذه المخاوف مع تفاقم أزمة المرور في الشوارع والمحاور الرئيسية ومداخل المدن، إضافة إلي عودة مشهد مياه الصرف في بعض الشوارع، أو انفجار ماسورة مياه هنا أو هناك. ويحاول "الأسبوعي" في هذا التحقيق تقديم صورة سريعة لاحوال شبكات البنية الأساسية، ورؤي الخبراء من أجل الحفاظ عليها وتدعيمها حتي تكون في خدمة الأجيال المقبلة. والصورة كما يراها الدكتور إسماعيل عثمان رئيس شركة المقاولون العرب السابق يحددها في أن البنية الأساسية في مدينة القاهرة تتضمن شبكات يصل عمرها إلي 50 عاما وأخري إلي 80 عاما تم إنشاؤها بملايين الدولارات في فترات العشرينيات والأربعينيات وأواخر القرن الماضي، إلا أن وسائل الضغط السكاني وكذلك تضاعف الموجود من إنشاءات ووسائل نقل ومواصلات وسوء تخطيط أدي في النهاية إلي تهالك معظم هذه الشبكات الضخمة. عشوائية البناء ويلفت عثمان إلي أن البناء الرأسي للعمارات في الأحياء السكنية الذي تم بشكل عشوائي كان سببا رئيسيا في سرعة تهالك هذه الشبكات في حين أنه كان من المفترض أن يتم البناء الأفقي لتقليل الضغط علي هذه الشبكات. ويشير إسماعيل عثمان إلي ما نراه من اختناقات مرورية بشوارع القاهرة ويري أن سببها الأول هو سوء التخطيط، موضحا أنه لولا المحاور الدائرية حول القاهرة إلي العواصم والمحافظات الأخري لحدث ما لا يحمد عقباه. ويطالب عثمان بضرورة إنشاء شبكات جديدة للصرف والمياه تكون مبنية علي توقعات مستقبلية ودراسات يقوم بها أساتذة التخطيط العمراني يراعون في تصميمها الأجيال المقبلة وأن يكون البناء وفقا لخطط مدروسة في المدن الجديدة، ويتم بالتوازي في المدن القديمة باجراء عمليات احلال وتجديد للشبكات المتهالكة وصيانة ما هو قائم منها بوسائل حديثة وخبرات دولية متخصصة، حتي نضمن لها طول المدد والعمر الافتراضي لها. الجاني الحقيقي وفيما يري الدكتور يسري طاحون رئيس قسم الاقتصاد بكلية تجارة طنطا أنه يفترض أن يكون تصميم البني الأساسية من شبكات للصرف الصحي والمياه والكهرباء والتليفونات في دول العالم لمئات السنين وفق تخطيط طويل المدي ليساوي ما تتكلفه من مليارات الدولارات، يضرب مثلا علي ذلك بشبكات البنية التحتية في فرنسا التي صممت لتبقي مئات السنين واعتمدت في إنشائها علي أفضل أنواع الخامات والمعدات المستخدمة من حديد وأسمنت لأنه في العادة لا يتم تغيير هذه الشبكات إلا بعد مدد طويلة جدا لتتلاءم مع الأجيال المقبلة التي تعيش وتسكن فيها ويزداد عددها عاما بعد عام. ويوضح د. طاحون أن ما يحدث في مصر عكس ما تقوم به أي دولة في العالم ويقول إنه يأسف أن الجاني علي الشبكات والبنية التحتية من صرف صحي ومياه وكهرباء وتليفونات وغاز يتمثل في جهات حكومية مائة في المائة لم تتصدي لانتهاك حرمة القانون الخاص بالتخطيط العمراني حيث يتم إنشاء ناطحات سحاب تسع مئات الأسر في حين أن هذه المساحات كان مقدرا لها وحدات سكنية قليلة العدد، ويتم التحميل علي هذه الشبكات مما يؤدي إلي اهلاكها بعد فترة وجيزة، ويضاف إلي ذلك الإسكان العشوائي وعدم التنظيم الذي يؤدي هو الآخر إلي سرعة اتلاف هذه الشبكات. شبكة عملاقة فيما يؤكد المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب أن القاهرة الكبري بها بنية أساسية تحتوي علي شبكات صرف ومياه وكهرباء عمرها يصل إلي 80 عاما وتوجد خطط لاستبدالها واحلالها، مشيرا في نفس الوقت إلي أن البنية الأساسية في مصر من أقوي البنيات الأساسية في الشرق الأوسط بل وتعتبر أفضل من البنية التحتية لأكبر وأغني الدول النفطية في الخليج، موضحا أن مصر استثمرت المليارات من الجنيهات في هذه البنية الأساسية. وحول آليات الاحلال والتجديد يقول رئيس شركة المقاولون العرب أنه يتم الآن تمويل هذه الشبكات من خلال الشركات القابضة سواء للمياه والصرف الصحي أو الكهرباء أو الغاز أو التليفونات، مشيرا إلي أن هذه الشركات تدار بفكر الربح والخسارة. ووفقا لآليات السوق، تقوم الشركة القابضة لمياه الشرب بإنشاء هذه الشبكات عن طريق الميزانية المحددة لها إلي جانب حصيلة سعر المياه الذي حددته الدولة للجمهور بالرغم من أنه مدعم وأقل من تكلفته الحقيقية حيث إن سعر متر المياه يتكلف نحو 100 قرش ويحاسب للجمهور بسعر 23 قرشا. ويشير محلب إلي أن فرنسا حتي الآن تعتمد في عمليات التطوير والصيانة لشبكات المياه والصرف الصحي علي شركة سويس ديوناز ديزر وهي من كبري الشركات في العالم التي تقوم بأعمال الصيانة والتطوير للبنية التحتية وانتقلت من فرنسا إلي دول أمريكا الجنوبية. ويطالب رئيس شركة المقاولون العرب بضرورة قيام الإحياء بعمل مسح شامل للمدن والأحياء للشبكات والتخطيط لاستبدلها بشبكات جديدة يتم الاعتماد فيها علي المواطن من ناحية والدولة من ناحية أخري، مع وضع دراسة شاملة لهذه الشبكات لعملية البناء والإنشاءات لفترات زمنية طويلة حتي لا يحدث ما نراه الآن في شوارع مدينة نصر والمهندسين ومناطق أخري بها ناطحات سحاب ادت إلي تهالك شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء نتيجة للضغط السكاني الشديد. حال الإسكندرية أما اللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية فيوضح أنه تم رصد ميزانية لإعادة البنية الأساسية للمحافظة منذ توليه المحافظة عام 2006 لتبلغ حتي الآن نحو 3 مليارات جنيه، مشيرا إلي أن جميع شبكات الصرف الصحي والمياه والكهرباء انتهي عمرها الافتراضي بالكامل وتمت إعادة هذه الشبكات من جديد. ويضيف لبيب أن ما تم صرفه علي منطقة العجمي "المرعبة" والتي انهارت البنية الأساسية فيها بشكل غير عادي بلغ حوالي 560 مليون جنيه إلي جانب 160 مليون جنيه أخري بإجمالي 750 مليون جنيه حتي تنتهي جميع شبكات الصرف والمياه والكهرباء والتليفونات ورصف الشوارع.