لا شك أن المال والاقتصاد عصب الحياة وقوامها يقول الشاعر بالعلم والمال يبني الناس ملكهم لم يبن ملك علي جهل وإقلال فالذي لا يملك طعامه وشرابه وسلاحه لا يملك كلمته. ورحم الله فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي حيث كان يردد: لن تكون كلمتنا من رأسنا حتي تكون لقمتنا من فأسنا. والإسلام دين العمل. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "من أمسي كالا- أي متعباً- من عمل يده أمسي مغفوراً له" ولما أمسك "صلي الله عليه وسلم" بيد أحد أصحابه فوجدها خشنة من أثر العمل قال: "هذه يد يحبها الله ورسوله". وكان الإمام علي بن أبي طالب "رضي الله عنه" يقول: لحمل الصخر من قمم الجبال أحب إلي من منن الرجال يقول الناس لي في الكسب عيب فقلت العيب في ذل السؤال والاقتصادات كلها تقوم علي أسس من أهمها زيادة الانتاج وترشيد الاستهلاك. وهو ما أشار إليه النص القرآني في قصة يوسف "عليه السلام": قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلاً مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون". فقوله سبحانه وتعالي علي لسان يوسف "عليه السلام" في قوله تعالي "تزرعون سبع سنين دأباً" أي متتابعة بجد ونشاط في إشارةواضحة إلي العمل والانتاج والاجتهاد في ذلك. وقوله "إلا قليلاً مما تأكلون" دعوة واضحة إلي ترشيد الاستهلاك. مع التأكيد علي أهمية التخطيط والادخار. بوضع خطة خمس عشرية تتكون من سبع سنوات أولي هي مناط الانتاج تتبعها سبع سنوات أخري من الجفاف ثم يأتي العام الخامس عشر بالزرع والنماء والحصاد. فوضعت الخطة لهذا وذاك. في الزراعة والانتاج. وترشيد الإنفاق والاستهلاك. ومع التطور الاقتصادي الهائل الذي يشهده عالمنا اليوم دخلت عوامل عديدة لتشكل روافد هامة للاقتصاد القومي والدولي والعالمي. وتنوعت مصادر الدخل.وكذلك عوامل التأثير في الاقتصاد. وأكتفي في هذا المقال بالحديث عن أمر واحد من الأمور التي تشكل خطراً داهماً علي الاقتصاد. وتؤثر علي الحياة الاجتماعية والمجتمعية. وهو داء الاحتكار والاستغلال. ويعني حبس السلعة أو محاولة الاستحواذ عليها في السوق بقصد رفع أسعارها وزيادة تحقيق الأرباح علي حساب الناس والمجتمع وربما حتي علي حساب الأمن القومي للبلاد. وقد نهي "صلي الله عليه وسلم" عن كل ألوان الاحتكار وكنز السلع لرفع ثمنها علي الناس. فقال "صلي الله عليه وسلم": "من احتكر سلعة يريد أن يغالي بها علي المسلمين فهو خاطئ وقد برئت منه ذمة الله". وفي ذلك ما يؤكد حرمة استغلال حوائج الناس أوالتلاعب بأقواتهم وحاجاتهم الأساسية التي يحتاجون إليها. سواء في طعامهم أم في غيره. لأن ذلك يعد كسباً خبيثاً محرماً. يترتب عليه ظلم وعدوان وأكل لأموال الناس بالباطل. وهذا ما حذرنا منها ديننا الحنيف. فقال تعالي: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً" "النساء 29. 30" وعن أبي هريرة "رضي الله عنه" قال: قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" :"كل المسلم علي المسلم حرام . دمه. وماله. وعرضه" "صحيح مسلم". ولا شك أن المحتكر النهم لا دين له ولا خلق ولا وطنية. فالدين يقتضي التراحم وعدم استغلال حاجات الناس. يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "من دخل في شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم. فإن حقاً علي الله أن يعقده بعظم من النار يوم القيامة" "رواه الإمام أحمد".ويقول "صلي الله عليه وسلم": "المحتكر ملعون" "رواه ابن ماجه". وذلك لأنه يستجلب سخط الله "عز وجل" وسخط الناس ودعاءهم عليه. ونقمتهم وبغضهم له. ومن الجانب الوطني والأخلاقي والإنساني فإن المحتكر فاقد لذلك كله. غلبته أنانيته ونقيصته حيث جعلهما فوق كل اعتبار. ويجب العمل علي وضع الآليات التي تكسر الاحتكار في كل مقومات الاقتصاد. وأظن أن الشهور القليلة المقبلة ستشهد طفرة كبيرة في إيجاد آليات متعددة لضرب أوكار المحتكرين. والعمل الجاد علي رفع المعاناة عن الناس وبخاصة الطبقات الأكثر فقراً والأشد احتياجاً. وسيلعن التاريخ كل من تاجر بأقوات الناس ومقومات حياتهم. وبني ثراءه علي حساب عنتهم ومشقتهم "ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون" "الزمر: 26".