لابد أن أعترف في البداية أنها التجرية الأولي التي أحضر فيها أي عملية انتخابية ولكن بصفتي متابع فقط ولست مشاركاً أو مرشحاً بحكم انتمائي لحزب حماة الوطن. وللحقيقة فإنني لم أكن أتوقع ما رأيته من صراعات ومناوشات واهتمامات شملت جميع مؤسسات وهيئات الدولة وكذلك جميع أفراد الشعب المصري بكافة فئاته وطوائفه وديانته وعقيدته بتلك الانتخابات. بدأت الحكاية بقصة القوائم وهذا الصراع الرهيب والمنافسة علي الانضمام إليها أيًا كانت.. وكان السبب الحقيقي لهذا ليس لتقديم أفضل الخدمات للأهالي والمناطق التي سوف يمثلها المرشح. بل لأن النفقات التي سوف تصرف علي دعايته الانتخابية عند دخوله أي قائمة أقل بكثير من تلك التي سوف يضخها لو كان نزوله الانتخابات فرديا مستقلا فالهدف إذن هو تقليص المصروفات في المقام الأول وليس مصلحة من سوف يمثلهم. بل والأغرب من ذلك انه لا يهم المنطقة التي سوف يتم ترشيحه فيها لدرجة انني وجدت في إحدي القوائم شخصية لا تعرف حتي موقع بعض المراكز في المحافظة التي سوف يمثلها في البرلمان إذا نجح ورأيت أحدهم ينسحب من قائمة لينضم إلي أخري لأن المبالغ التي سوف يتقاضاها هنا أكثر من تلك. ثم جاء المرشحون الفرديون من خلال الأحزاب المختلفة فهذا الحزب يدفع مئات الآلاف والآخر يمثل تيارا معينا يقوم بصرف أدوية لعلاج فيروس "سي" مجانا والثالث يعد المرشحين بمرتب شهري ثابت لضمان استمرار ولائه لشخص رئيس الحزب وتتغير الولاءات وتتبدل علي حسب شخصية هذا الرئيس.. من يدفع أكثر فأنا معه حتي لو قمت بالتوقيع علي مليون استمارة لضمان الولاء. ورأيت بنفسي ربع هذه المبالغ تصرف علي الدعاية الانتخابية والباقي يودع في الحسابات الخاصة. ويأتي بعد هذا المستقلون وهنا حدث ولا حرج.. اللافتات الخاصة بهذا المرشح تغطي علي لافتات الآخر.. بل ولا مانع أن يتم تمزيقها ليلا وأحيانا نهارا.. واللقاءات الانتخابية في بعض المناطق تتم بعد منتصف الليل حيث يسود الهدوء ويحضر سماسرة الانتخابات ولا مانع أيضا أن تشمل الطلبات علي المقاهي بعض المشروبات التي تساعد علي التركيز والتخطيط بمزاج.. والوعود البراقة التي لو تحقق 10% منها في كل محافظة أو مركز أو حي لكانت بلدنا جنة الله في أرضه.. فهذا يعد بإصلاح الصرف الصحي والثاني بمياه الشرب النقية والثالث بالقضاء علي البطالة والرابع بزيادة المعاشات وتحسين منظومة التعليم والعلاج والقضاء علي العشوائيات.. بل ولقد وصل الأمر إلي وعود المرشحين بزيادة الحدائق والتنزهات وإنشاء مراكز للشاب.. ولا مانع كما قال عبدالحليم حافظ في أغنية المسئولية عام 1963 "تماثيل رخام علي الترعة وأوبرا في كل قرية عربية". لقد شاركت في بعض تلك اللقاءات التي تجمع بين الناخب والمرشح ولم تكن مطالب الناخب من المرشح إلا بالقدر الذي يراه قادرا علي تحقيقه أو علي الأقل محاولة تحقيقه. لقد تغيرت يا سادة ثقافة هذا الشعب بشكل كبير.. انه يعلم كل ما يدور حوله ويعرف من القادر علي تحقيق مطالبه ومن يتلاعب به وبطموحاته.. لابد أن يعي السادة المرشحون ذلك لأن العتاب والعقاب سيكون مختلفا هذه المرة خاصة وأن هناك مادة في الدستور تسمح لأبناء المحافظة أو الدائرة بسحب الثقة من مرشحها لو لم يف بما وعد بتحقيقه لهم. انني علي يقين أن هناك العديد.. بل الغالبية من المرشحين الشرفاء لديهم الوعي والرغبة والاستعداد لكي يبذلوا جهودهم ولا يبخلوا بأي نقطة عرق لتحقيق طموحات وأحلام ناخبيهم.. وأن مشاركتهم في المعركة الانتخابية بكل ما فيها من صراعات وخسائر مادية ومعنوية إنما يأتي لتحقيق طموحات أبناء دوائرهم الانتخابية.. ولهؤلاء أقول علي قدر ثقتي في نواياكم فإنني أطالبكم أن يكون الوفاء والعطاء بقدر الوعود وألا نبالغ فيما لن نتمكن من تحقيقه فالوطن يحتاج للإخلاص والعطاء لا الوعود والآمال التي يصعب تحقيقها.. ولنا حديث متصل في هذا الشأن.. وتحيا مصر.