توالت الخطب والبيانات وتحدث رؤساء الدول والوفود في الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي هذه الخطب والبيانات كانت "القضية السورية" واقتراحات تسويتها قاسما مشتركا سواء كان المتحدث رئيس أمريكا أو روسيا أو إيران أو فرنسا أو ملك الأردن وغيرهم.. وجلس كثيرون يتابعون وتوالي المحللون مع اختلاف في القدرات وتابع المرء كل هذا وصولا إلي كلمة مصر والسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي تحدث أكثر من مرة خلال أيام اقامته في نيويورك عارضا رؤية مصرية واضحة وحاسمة في الحرص علي وحدة سوريا وبقاء الدولة السورية مما ستقرأه تفصيلا فيما بعد.. وخلال هذا العرض والاستعراض وخلال عملية الاستماع والمتابعة قفز في الذهن سؤال راح يلح ويلح وهو هل يمكن أن يكون هذا اليوم يوم الاثنين 28 سبتمبر 2015 بداية ل"مقلوب" 28 سبتمبر 1961 وكارثة الانفصال ونهاية الوحدة المصرية - السورية؟ وبالتبعية تولد في الذهن سؤال آخر. ما لبث أيضا أن راح يلح ويلح وهو: هل يستطيع المرء أن يتصور ماذا كان يمكن عليه الوضع العربي اليوم - في 2015 - لو لم تقع كارثة الانفصال؟ ولو استمرت دولة الوحدة قائمة؟ سؤال خيالي أو نظري. ولكنه يستحق النظر بل والتأمل خاصة حين نوازن ونقارن بين ما حدث أمس وما يحدث اليوم ونربط ما حدث ويحدث في سوريا بما يجري في فلسطين. هنا تستعيد الذاكرة كلمات سمعتها من المفكر القومي العربي عبدالله الريماوي "نسبة إلي قرية بيت ريما وليس إلي رام الله" وهي أن الدبابات الإسرائيلية التي زحفت علي سيناء والجولان والضفة في 5 يونيو 1967 بدأت تعد جنازيرها في 28 سبتمبر 1961 "وهذا اليوم الأسود هو يوم رحيل الزعيم جمال عبدالناصر في 1970". بينما كانت سوريا بندا رئيسيا في يوم افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت فلسطين - ممثلة في القدسالمحتلة والأقصي الأسير - تشهد في اليوم نفسه وفي ساعات إلقاء الخطب والبيانات فصلا آخر - يوميا - من اقتحام قطعان المستوطنين لأولي القبلتين في حراسة قوات الاحتلال التي اعتدت علي المرابطين المدافعين عن مقدساتهم وأرضهم ومسجدهم وعلي المصلين الركع السجود وتمنع آخرين من دخول ثالث الحرمين الشريفين ويتم هذا في حماية ورعاية حكومة أقصي اليمين الصهيوني التي بدت وكأنها في عجلة من أمرها ليس لاقتسام الأقصي زمنيا ومكانيا بل لتدميره. هذه العجلة مبعثها حسابات صهيونية تخشي خروج العرب أي القوي المؤثرة منهم وفيهم من مستنقع الحروب والنجاة من خطر الإرهاب وأوحال الخلافات والصراعات الباردة والساخنة والتي قد تبدأ من التئام جراح سوريا بشكل خاص مما سينعكس علي بقية الجسد العربي وهنا ستضيع فرصة رآها الصهاينة مواتية لتنفيذ أحد أهم أهدافهم وهو هدم الأقصي وإعادة بناء الهيكل ذلك الهدف الثابت والراسخ والذي لا يوجد زعيم صهيوني إلا ورفع رايته وتحدث عنه بأعلي الأصوات في ضوء هذه الحسابات الصهيونية جاءت عمليات اقتحام ثالث الحرمين في هذه المرة أشد وأعنف واسوأ من سابقاتها منذ سنين طويلة.. وفي اعتداءاتهم هذه لم يضع الصهاينة والإسرائيليون أي اعتبار لأي ردود فعل عربية أو دولية فقد خبروها جميعها وعرفوا أنها كلمات "الممات" عاجزة عن أن توقف ما يقومون به.. ودليل ذلك أن إسرائيل تشن حربا خاصة ضد انتفاضة أطفال القدس وتهددهم وذويهم بأشد العقوبات بل وبالقتل والرد بالرصاص علي كل طفل يرفع حجراً. ولا تجد صوتا عربيا جادا يمكن أن يكون صوت ردع بل تلقي ومن السلطة الفلسطينية نفسها تراجعا غير جائز عن خطوات كانت تهدد باتخاذها مثل إلغاء اتفاقات أوسلو أو إنهاء الاتفاق الأمني أو عرض بعض الجرائم الإسرائيلية علي المحكمة الجنائية الدولية. علي النقيض من هذا كله أصبحت السياسة الفلسطينية ومواقف السلطة والفصائل المختلفة والمتعددة عونا للإسرائيليين في مواصلة الاحتلال واستمرار الاستيطان فهم سعداء بالموقف الفلسطيني الذي يعلن استعداده لاستئناف المفاوضات حين يتوقف الاستيطان ولما كان الاستيطان لا يتوقف فلا مفاوضات.. وهذا موقف مريح للإسرائيليين الذين لا يطمعون في أكثر من هذا. كلمات حاسمة ومواقف محددة وسط هذه العمليات الإسرائيلية المستمرة احتلالا واستيطانا وتهديدا واستعدادا لتدمير الأقصي تأتي امكانية إنهاء حرب الخمس سنوات في سوريا.. وفي هذا الشأن يبرز الموقف المصري الصريح والحاسم الذي أوضحه الرئيس عبدالفتاح السيسي عدة مرات خلال حضوره افتتاح دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث وضع نقاطا كبيرا علي حروف محددة كما يلي: ** في كلمة مصر أمام الجمعية العامة قال الرئيس السيسي بعد أن تحدث عن أخطار الوضع في ليبيا: "كما تابعنا جميعا كيف استغل المتطرفون تطلعات الشعب السوري المشروعة للجنوح بهذا البلد الشقيق نحو مواجهات تستهدف تحقيق أغراضهم في إقصاء غيرهم بل امتدت هذه المواجهات حتي فيما بين الجماعات المتطرفة ذاتها طمعا في المغانم.. حتي تكاد سوريا اليوم يتمزق وتعاني خطر التقسيم في ظل أزمة انسانية غير مسبوقة وأطماع أطراف اقليمية مكشوفة وإزاء ذلك الوضع المتدهور دعت مصر القوي الوطنية السورية للاجتماع في القاهرة لصياغة تصور واضح للمرحلة الانتقالية وفق وثيقة جنيف بما يوفر أرضية مشتركة للسوريين جميعا لبناء سوريا الديمقراطية ذات السيادة علي كامل ترابها وبما يحافظ علي كيان الدولة ومؤسساتها ويحترم تنوع مكوناتها ويصون انتماءها القومي.. إن تلك القوي الوطنية السورية مدعوة اليوم للإسهام بكل قوة في كل جهد يبذل للتفاوض حول مخرج سياسي من الأزمة يحقق تطلعات الشعب السوري". ** وفي حديث أدلي به إلي وكالة الاسوشيتدبرس الأمريكية قال السيد الرئيس: "نأمل في أن تظل سوريا دولة موحدة وألا تنقسم إلي دويلات صغيرة.. إن سقوط سوريا يعني استيلاء الإرهابيين علي كل أسلحتها ومعداتها.. إذا حدث ذلك. فإن الخطر لن يصيب سوريا وحدها بل سيمتد إلي جيرانها وسوف يفرض تهديدا جديدا علي بقية المنطقة وهذا ما نخشاه". ** وفي لقاء مع الملك عبدالله الثاني "توافقت رؤي الزعيمين "أي الرئيس السيسي والملك الأردني" حول أهمية التوصل إلي حل سياسي للأزمة السورية بما يضمن السلامة الاقليمية لسوريا ووحدة أراضيها ويصون مقدرات شعبها كما يكفل مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف". ** في حديث إلي شبكة سي.إن.إن المعروفة قال الرئيس عبدالفتاح السيسي بشيء من التفصيل: "ما أتمناه هو ألا تسقط سوريا في أيدي الإرهابيين والمتطرفين وأقول إن المجموعات المسلحة في سوريا ينبغي أن تتخلي عن هذا السلاح وأن يتم الاتفاق علي مستقبل سلمي.. إن العناصر المتطرفة ستكتسب دفعة في حالة سقوط الحكومة والجيش في سوريا دون استعدادات.. وهو ما سيجعل هؤلاء المتطرفين يحولون بوصلتهم تجاه الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان ومصر". وعن اعتقاده بأن بشار الأسد سيظل في السلطة قال الرئيس السيسي: "إن الإجابة عن هذا الأمر تتمثل فيما نراه بأعيننا في المنطقة وما يحدث في المجتمع السوري وأنا أعتقد بأن البلد يواجه العديد من التحديات وآمل ألا يسقط في أيدي الجماعات المتطرفة التي ستؤثر بشكل كبير علي أمن المنطقة وهؤلاء المتطرفون سوف يؤدون الكثير والكثير من التبعات الخطيرة بمجرد سقوط الحكومة والدولة ولا يمكن أن تترك الفرصة لهذه المجموعات الإرهابية لأن تنتقل إلي دول الجوار مثل الأردن وغيرها من البلدان". أسس تسوية ورسائل كلمات وأقوال تضمنت أسس تسوية للوضع في سوريا كي تظل دولة موحدة ذات سيادة علي كامل أرضها وفي ظل وحدة جيشها إن هذه الأسس هي رسائل لكل من يعنيه أمر سوريا ويعنيه وقف إهدار قوتها واستنزافها دولة وجيشا وشعبا. كفي سوريا ما أصابها ووقي العرب أجمعين أخطار ما يمكن أن يترتب علي سقوطها في أيدي جماعات الإرهاب والتطرف ولعل خسائر السنوات التي مضت تردع كل من تسول له نفسه الدعوة أو العمل من أجل استمرار الحرب والقتال في سوريا.. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدة اتصالات ومحاولات من أجل تسوية عربية. حددت مصر معالمها بلسان عربي فصيح وكل من يهمه الأمر أن يستجيب لذلك.. وعندئذ يمكن أن يكون 28 سبتمبر 2015 خطوة أولي نحو قلب انقلاب 28 سبتمبر 1961 ومن يدري فقد تكون هذه الخطوة نقلة علي طريق التخلص من آثار يوم هزيمة عربية لا تنسي.. واسلمي يا مصر.